- الخطباء أكدوا أن مسلم بن عقيل كان سفير الحسين إلى الكوفة وكانت مصيبته أليمة ومحرقة للقلوب
محمود الموسوي ـ عادل الشنان
واصلت الحسينيات احياءها لذكرى استشهاد الامام الحسين وجمع من اهل بيته واصحابه، وخصصت الليلة الخامسة من ليالي شهر محرم الحرام لابن عم الامام الحسين وسفيره الى الكوفة مسلم بن عقيل وما تعرض له نتيجة تخاذل اهل الكوفة ونقضهم للعهد وتعاونهم مع والي الكوفة.
وفي حسينية آل بوحمد، ناشد الشيخ فاضل الدريع الامة الاسلامية التمسك بالاحكام الاسلامية وتطبيقها على ارض الواقع، لافتا الى ان سبب ضعف الامة الاسلامية وتفككها وتشتتها هو الابتعاد عن تطبيق تلك الاحكام، مما ادى الى انتشار الفتن والحقد والكراهية بين المسلمين.
واضاف الدريع: ان الباري عز وجل ارسل الرسل والانبياء والكتب السماوية من اجل التآلف والتكاتف والمحبة والمودة عن طريق الامر بالاحكام التي جاءت في القرآن الكريم والنهي عما نهى عنه القرآن الكريم، خاصة ان هذه الآيات صريحة وموجهة وان هذه الاحكام تعمل على تقوية اللحمة الاسرية والاجتماعية وبالتالي تعود بالفائدة على الامة الاسلامية ان تعزز من لحمته وقوته.
واشار الى ان الباري عز وجل امر بالعدل والمساواة والاحسان وايتاء ذي القربى والنهي عن الفحشاء والمنكر، وامر بالعدل لأنه عادل لا يظلم مثقال ذرة واراد ان يعمم العدل والمساواة بين البشرية ابتداء من الاسرة والمجتمع، ولا شك ان العدل يعني السواسية بين البشرية وعدم وجود تفرقة بين الجنس واللون واللسان، مبينا ان قيمة العدل الالهي جاءت في العبادات خاصة في الحج والوقوف بعرفة ومن البديهي ان العدل من فيوضات الاسلام، موضحا: واما الاحسان فله في الاحكام والاخلاق، وان افضل الاحسان هو خير الانسان لأهله وعشيرته وهو مكمل للعدل، للتألف بين افراد المجتمع، اما الامر الثالث فهو ابناء ذو القربى وصلة الرحم، فلهذا الامر اثر عميق في حياه الانسان لأنها يعمل على الترابط والمودة والمحبة ويؤدي الى طول العمر، والجدير بالذكر ان خير الامة كان يقوم بصلة الرحم.
وتابع: واما ما نهى الباري عز وجل عنه فهي الفحشاء واللعن والسب لذا يتطلب من الانسان ان يتحلى بالقول الطيب لتوثيق العلاقة مع الآخرين ثم النهي عن المنكر وهو الابتعاد لكل امر قبيح حيث يجب على المؤمن انتهاج ذكر الله وصدق الامانة، وأخيرا فقد نهى الباري عز وجل عن البغي على الاخرين«، متطرقا الى قصة مسلم ابن عقيل ووصوله للكوفة وتأييده من الكوفيين، حيث وصل عددهم الى 4 آلاف، ولكنهم تركوا مسلم بعد وصول الخبر الى عبيد الله ابن زياد، وهنا انتقل مسلم فيما بين دار هاني بن عروة وطوعة، واخيرا استقر آخر ليلة في بيت طوعة حتى جاء الجيش واخذه الى قصر الامارة وقطع رأسه وألقيت جثته من فوق القصر وسحبت في سكك الكوفة مع هاني بن عروة.
وفي الحسينية الجديدة، تطرق مرتضى البالدي الى الانبياء وما كانوا يواجهونه من مصاعب ومتاعب في نشر دعوتهم للجميع، مؤكدا ان الانبياء والرسل والمصلحين كانوا يواجهون العديد من المتاعب والمشاكل مع السلاطين الطغاة ومع الطبقة الفقيرة والضعيفة في المجتمع، وابسط على ذلك زمن سيدنا موسى عليه السلام.
ولفت البالدي الى ان هناك ثلاث حالات يجب ان نسلط الضوء عليها وهي حالة المجتمع في الطبقة الفقيرة والطبقة الوسطى قبل قدوم المصلح السماوي او المصلح الارضي لهم واثناء قدومه وبعد قدومه، مشيرا الى ان الحالة قبل قدومه هي الاستنجاد والبحث عن المنجد لهم من ظلم واستبداد الطغاة لهم، مبينا ان ابسط مثال على ذلك هم بنو اسرائيل لأنهم اكثر الشعوب طغيانا وعصيانا وتمردا على الأنبياء، حيث انه عندما اتاهم سيدنا موسى عليه السلام لإنقاذهم انقلبوا عليه متخاذلين مستشهدا بقوله تعالى (ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم ان كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين)، مؤكدا ان هؤلاء المستضعفين من ظلم فرعون وطغاة بني اسرائيل خذلوا سيدنا موسى، معللين ذلك بأنهم اوذوا قبل قدومه وزاد اذاهم بعد قدومه مستشهدا بقوله تعالى (قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين).
وزاد: من هنا نأتي الى الامام الحسين عليه السلام، حيث ان بني امية فعلوا بالأمة الإسلامية ما فعله الفراعنة بقوم اسرائيل من قتل وظلم وسبي للنساء وغيرها من مظاهر الظلم والتخويف، موضحا انه بعد هذا الظلم استنجدوا بسيد الشهداء الامام الحسين عليه السلام لينقذهم من الظلم وطغيان بني امية ولكنهم وعند خروجه اليهم خذلوه كما فعل بنو اسرائيل مع سيدنا موسى عليه السلام.
واردف: ان المرحلة الثانية هي مرحلة ما بعد خروج المصلح والقيام بثورته ضد الظلم والطغيان كما فعل سيدنا موسى حين ثار على فرعون وجاءت مرحلة النصر وهي المرحلة الوسطى للمجتمع، حيث ينقلب هذا المجتمع على ذلك النصر وتلك الدعوى ويتكبروا على نعم الله وينقضوا عهدهم مع موسى من خلال عدم نصرته ومساندته في ثورته بقولهم انه ليس له عندهم سوى كلمة لا اله الا الله موسى رسول الله فقط لا غير، مستشهدا بقوله تعالى (وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون)، موضحا هكذا خذل الامام الحسين عليه السلام في يوم كربلاء عندما طالبه القوم بالقدوم الى الكوفة ومبايعته بعد ان ذاقوا ويلات الظلم والاضطهاد من حكومة معاوية ويزيد.
وأشار الى خطبة الامام الحسين في يوم عاشوراء عندما واجه القوم في كربلاء قائلا «تبا لكم أيتها الجماعة وترحا، أحين استصرختمونا والهين، فأصرخناكم موجفين، سللتم علينا سيفا لنا في أيمانكم، وحششتم علينا نارا اقتدحناها على عدونا وعدوكم فأصبحتم ألبا لأعدائكم على أوليائكم، بغير عدل أفشوه فيكم، ولا أمل أصبح لكم فيهم، فهلا لكم الويلات تركتمونا والسيف مشيم والجأش طامن والرأي لما يستصحف، ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدبأ، وتداعيتم عليها كتهافت الفراش ثم نقضتموها. فسحقا لكم يا عبيد الامة، وشذاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب، ومحرفي الكلم، وعصبة الإثم، ونفثة الشيطان، ومطفئي السنن. ويحكم أهؤلاء تعضدون، وعنا تتخاذلون».
وتطرق الى صاحب الليلة الخامسة مسلم بن عقيل رسول الامام الحسين عليه السلام الى الكوفة وثقته، قائلا: ان مصيبة مسلم مصيبة أليمة ومحرقة للقلوب، خاصة أنه أقبل إلى الكوفة وهو العزيز عند أهل البيت عليهم السلام وسفير الحسين وممثله خاصة، وقد بايعه أكثر من ثمانية عشر ألفا، كلهم يقرأون كتاب الحسين عليه السلام ويضعونه على أعينهم ثم سرعان ما خذلوا مسلم وضيعوا بيعتهم، لافتا الى انه ما ان دخل ابن زياد الكوفة وهدد أهلها ورغب مناصريه حتى تفرق الناس عن مسلم، كان يأتي الأب إلى ابنه والأم إلى ولدها والأخ لأخيه يقولون ما لنا والدخول بين السلاطين، متابعا: انفضوا عن مسلم وتفرقوا حتى توجه في مجموعة كبيرة إلى المسجد في الكوفة وصلى المغرب فتفرقوا بعد الصلاة وما بقي إلا عشرة أشخاص وحينها خرج مسلم من المسجد وإذا بهم تفرقوا جميعا ولم يبق معه شخص واحد يدله على الطريق وهو الغريب في تلك البلاد، مضيفا: لتتصوروا هذه الغربة والمظلومية لمسلم، وهو القائد والعظيم، ولا يدري أين يذهب حتى وصل إلى باب دار امرأة يقال لها طوعة (كانت واقفة تنتظر ابنا لها خرج مع الناس)، فسلم عليها، وردت السلام، فسألها شربة من الماء فأتت له بالماء وشرب وحمد الله.
ثم دخلت المرأة إلى بيتها وخرجت فرأت مسلما مازال واقفا على باب الدار، فقالت له: يا عبدالله ألم تشرب الماء؟ قال: بلى، فقالت: فاذهب إلى أهلك، فسكت مسلم، ثم أعادت القول ثانية فلم يرد عليها، تأملت هذه المرأة الصالحة بمسلم فرأت عليه مهابة الإيمان والتقوى وسيماء الصالحين، فكلمته بهذا العنوان وقالت: أصلحك الله يا عبدالله لا يصلح لك الوقوف على باب داري ولا أحله لك، فقال لها: أمة الله ما لي في هذا المصر أهل ولا عشيرة فهل لك أجر ومعروف أن تضيفيني سواد هذه الليلة، ولعلي مكافئك يوم القيامة؟ قالت: ومن أنت حتى تكافأني يوم القيامة؟ قال: أنا مسلم بن عقيل، غدر بي أهل مصركم هذا وبقيت وحيدا فريدا، فقالت له: أنت مسلم بن عقيل (أنت ابن عم الحسين) أدخل سيدي فداك أبي وأمي».
واستطرد البالدي: هنيئا لهذه المرأة الصالحة بهذا الشرف العظيم، أدخلته إلى بيتها قدمت له العشاء أبى أن يأكل وبقي تلك الليلة قائما راكعا ساجدا قارئا للقرآن ذاكرا لله تعالى، وأغفت عيناه قبل الفجر، فرأى عمه أمير المؤمنين عليه السلام يقول له: يا مسلم، الوحى الوحى، العجل العجل «فعلم أنه الفراق وأنها آخر ليلة له من الدنيا»، فقام وصلى الفجر وما شاء من النفل، وبينما هو كذلك وإذا بخيل ابن زياد تقتحم عليه، فلبس لامة الحرب، وشد على الفرسان والخيل والرجال بكل بأس وشجاعة كالأسد الغضبان وهو يقول: يا نفس اخرجي إلى الموت الذي ليس له من محيص، حتى أخرجهم من الدار، ثم عادوا، فحمل عليهم وهو يقاتلهم وهم سبعون فارسا وراجلا يحاصرونه فيردهم فأكثر القتل فيهم وأراهم بأسا لم يشهد مثله إلا بأس عمه أمير المؤمنين، حتى طلب قائد الكتيبة (محمد بن الأشعث) المدد والنجدة من ابن زياد، فوبخه لضعفه وضعف أصحابه أمام رجل وحيد، فأجابه أنه أسد ضرغام وبطل همام من آل الرسول الكرام فمده بالسلاح والرجال، ولم يزل مسلم يقاتلهم حتى أثخن بالجراح لأنهم احتوشوه من كل جانب ومكان، ففرقة ترميه من أعالي السطوح بالنار والحجارة، وفرقة بالرماح وفرقة بالسهام، وأخرى بالسيوف، هذا وقد ضربوه على فمه الطاهر فقطعت شفته العليا، ووقف ليستريح، فقال له ابن الأشعث: لك الأمان يا مسلم لا تقتل نفسك، فقال: أي أمان للغدرة الفجرة، وأقبل يقاتلهم فقاتل حتى أكثروا فيه الجراحات وعجز عن القتال، فأسند ظهره إلى جنب جدار فضربوه بالسهام والأحجار، فقال: ما لكم ترمونني بالحجارة كما ترمى الكفار وأنا من أهل بيت النبي الأبرار؟ ألا ترعون رسول الله في عترته، عند ذلك ضربه رجل من خلفه بعمود من حديد على رأسه، وقيل طعنه برمح فخر إلى الأرض صريعا، وقيل: حفروا له حفرة فوقع فيها، مثخنا بجراحاته، فتكاثروا عليه بين من يطعنه برمحه وبين من يضربه بسيفه، حتى أخذوه إلى عبيد الله بن زياد وقتلوه ورموه من فوق قصر الامارة.