نقص المساحة الزمنية المتاحة للعملية التعليمية بـ «التعليم العام» وانخفاض مستوى التحصيل العلمي فيه وظهور اتجاه لتفضيل التعليم الخاص
عبدالكريم العبدالله
تدرس الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية انشاء لجنة وطنية للسياسات السكانية بالكويت، وذلك لمواجهة العديد من القضايا السكانية التي تنعكس آثارها وتفاعلاتها على مسيرة التنمية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والانسانية.
ومن اهم تلك القضايا السكانية: «اختلال التوازن في التركيبة السكانية لصالح الوافدين، فضلا عن الاختلال في توزيع وتركيبة القوى العاملة، وعدم مواءمة مخرجات التعليم والتدريب لمتطلبات سوق العمل، علاوة على الصعوبات في توفير فرص العمل لقوة العمل الوطنية وانعكاساتها على معدلات البطالة، وما يتبعها من مشاكل اقتصادية واجتماعية»، وكذلك من مبررات انشاء تلك اللجنة الطبيعة المتداخلة للقضايا السكانية والتي تحتاج في دراستها وتشخيص ابعادها واقتراح الوسائل والاساليب في مواجهتها بأشكال متعددة الى التنسيق بين الاطراف المعنية.
واكد تقرير أعدته الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية والمقترح، لـ «اهمية» انشاء لجنة وطنية للسياسات السكانية بالكويت، والذي تنفرد «الأنباء» بنشره، وذلك نظرا لوجود العديد من الاختلالات، اولها اختلالات التنمية البشرية، والتي تعتبر المحرك الرئيسي لعوامل تعزيز القدرة التنافسية للدول، خاصة عوامل تكوين رأس المال البشري، لذا تولي الكويت اهتماما خاصا لبناء رأس المال البشري، بمجالاته المختلفة وما تواجهه من اختلالات، سواء من حيث خصائص السكان وقوة العمل، أو التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية، والجوانب البيئية.
الاختلال السكاني
اما الاختلال الثاني، حسب التقرير، فهو اختلالات السكان وقوة العمل، حيث تكمن أبرز ملامح الاختلالات السكانية في خلل التوزيع النسبي للسكان حسب الجنسية، اذ تتجه نسب السكان الكويتيين لإجمالي السكان الى الانخفاض، حيث بلغت نسبة السكان الكويتيين في عام 2013 حوالي 31% من إجمالي السكان، ويرجع ذلك الخلل الى النمو المطرد في أعداد الوافدين بنسب تفوق معدلات الزيادة الطبيعية للسكان الكويتيين، على الرغم من ارتفاعها، في حين صاحب ذلك عدم انتظام في معدلات نمو السكان الوافدين والتي تتسم بالارتفاع بصفة عامة نتيجة لتدفقات العمالة الوافدة.
مجتمع «فتي»
ووصف التقرير المجتمع الكويتي بأنه مجتمع «فتي»، ترتفع فيه نسبة صغار السن الى جملة السكان، حيث تصل نسبة السكان في الفئة العمرية أقل من 15 سنة حوالي 37% من إجمالي السكان الكويتيين في منتصف عام 2013، ويعني اتساع هذه الشريحة العمرية بين الكويتيين وارتفاع معدلات الإعالة وانخفاض معدلات المساهمة في قوة العمل، مما يسهم في الاعتماد على العمالة الوافدة بشكل أساسي لتلبية احتياجات سوق العمل نتيجة عدم توافرها من العمالة الوطنية.
وجاء في التقرير انه بالنسبة لاختلالات قوة العمل تتضح ملامح الخلل فيها قوة بانخفاض نسبة العمالة الوطنية الى إجمالي العمالة، حيث بلغت نسبة العمالة الوطنية الى إجمالي العمالة بالدولة حوالي 17% في عام 2013، علاوة على انخفاض نسبة العمالة الوطنية في قطاعات الإنتاج السلعي، اذ بلغت نسبة العاملين الكويتيين بأنشطة الإنتاج السلعي (الزراعة، المناجم والمحاجر، الصناعات التحويلية، الكهرباء والغاز، والتشييد والبناء) الى جملة العمالة الكويتية 10.4% في منتصف عام 2013، فضلا عن تركز العمالة الوطنية في القطاع الحكومي، حيث بلغت 78% من جملة العمالة الكويتية في منتصف عام 2013، في المقابل بلغت نسبة العمالة الوطنية في القطاع الخاص حوالي 22% في منتصف عام 2013.
تدني المستوى التعليمي والمهني للعمالة
أما فيما يتعلق بالعمالة الوافدة، فأوضح التقرير أن أهم ملامح الخلل بها تدني المستوى التعليمي والمهني للعمالة الوافدة، حيث بلغ حجم العمالة الوافدة في منتصف عام 2013 حوالي 1.7 مليون فرد منهم 47.34% من دون مؤهل تعليمي و31.63% حاصلين على مؤهلات تعليمية دنيا، في حين بلغ حملة الشهادات العليا من العمالة الوافدة حوالي 6.16% وهي نسبة منخفضة، كما تركزت العمالة الوافدة في القطاع الخاص، حيث يعمل بهذا القطاع حوالي 93% من إجمالي العمالة الوافدة، علما ان أغلب العمالة الوافدة يعملون كعمالة عادية (1024007 أفراد)، يمثلون حوالي 53% كما يعمل 572157 فردا بالقطاع العائلي أغلبهم من الخدم ومن في حكمهم يمثلون 30% من إجمالي العمالة الوافدة.
مشكلة البطالة
وذكر التقرير أن حجم المتعطلين بين قوة العمل الوطنية (باقي المسجلين في ديوان الخدمة المدنية) بلغ 19061 في عام 2012، وبتحليل خصائص هذا العدد من المتعطلين تتبين أبعاد مشكلة البطالة، بحيث تبلغ نسبة الإناث 79.4% من إجمالي باقي المسجلين، في حين بلغت نسبة الذكور 20.6%، كما تبلغ نسبة المتعطلين (باقي المسجلين) من حملة المؤهلات العليا (جامعي ـ دبلوم) 12.2% من إجمالي باقي المسجلين، وتبلغ نسبة المتعطلين ممن أمضوا أكثر من 12 شهرا في حالة تعطل حوالي 60% من إجمالي المتعطلين، هذا بالاضافة الى بلوغ نسبة المتعطلين ممن هم في الفئة العمرية أقل من 30 سنة، 52% من إجمالي المتعطلين، مما يعني ان النسبة الغالبة من الباحثين عن عمل هي من الشباب.
اختلالات نظام التعليم
واشار التقرير الى ان مؤشرات الكفاءة الخارجية لنظام التعليم في الكويت قد تكون جيدة في جميع مراحله، غير ان مؤشرات الكفاءة الداخلية للنظام التعليمي على أهميتها تعتبر المعبر المباشر عن نوعية العملية التعليمية، التي يتحدد على ضوئها المستوى التعليمي للطالب، ومستوى مهاراته المكتسبة، وكذلك مرونة النظام التعليمي للتطور والتحديث، كما ان هذه الجوانب تبلور دور التعليم في التنمية بحكم انه صاحب الدور الرئيسي في تكون رأس المال البشري، الا ان التحليل أظهر عددا من الاختلالات في الكفاءة الداخلية، والتي تمثلت في «التعليم العام» بنقص المساحة الزمنية المتاحة للعملية التعليمية، وانخفاض مستوى التحصيل العلمي، فضلا عن ضعف الاتجاه نحو التخصصات العلمية، وظهور اتجاه لتفضيل التعليم الخاص.
اما بالنسبة لـ «التعليم العالي» فبين التقرير أن الاختلال فيه جاء بسبب التفاوت بين نسبة الملتحقين والخريجين بالكليات العلمية، وزيادة معدل بقاء الطالب في التعليم العالي (الجامعة وكليات الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب)، هذا بالاضافة الى انخفاض نسبة طلاب العلوم التكنولوجية الى إجمالي عدد الطلاب بكليات الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب (كليات الدراسات التكنولوجية، والعلوم الصحية، وكلية التمريض).
الاختلالات الاجتماعية
وبالنسبة للاختلالات الاجتماعية، فنبه التقرير الى أنها تؤثر على البيئة الحاضنة للتنمية، مشيرا الى انها لا تقل أهمية في تأثيراتها التنموية عن الاختلالات الاقتصادية، وذلك لأن المجتمع الذي تتعرض دعائم استقراره الاجتماعي للخلل يصبح غير قادر على مواصلة خططه التنموية، مبينا أن من اهم مظاهر الاختلالات الاجتماعية «قصور إمكانيات رعاية الطفولة ـ تهديد الاستقرار الأسري والمجتمعي ـ ضعف الدور المجتمعي للمرأة ـ ضعف الخدمات المقدمة لذوي الإعاقة».
اختلالات الخدمات الصحية
اما بالنسبة لـ «اختلالات الخدمات الصحية»، فاعتبر التقرير مستوى الخدمات الصحية في الكويت من أفضل المستويات في المنطقة العربية، وتقفز الى مصاف الدول الصناعية المتقدمة، غير ان المحافظة على هذا المستوى المتقدم للخدمات الصحية تقتضي معالجة بعض الاختلالات الظاهرة التي تتمثل في العبء الزائد على خدمات الرعاية الصحية الأولية ـ العبء الزائد على خدمات الطوارئ ـ خطر الأمراض المزمنة غير المعدية ـ قصور جزئي في التخلص الآمن من نفايات المستشفيات.
الاختلالات البيئية
واكد التقرير أن البيئة هي الحاضنة الطبيعية للتنمية، بمعنى توفير الموارد الطبيعية التي يعتمد عليها النشاط الاقتصادي والاجتماعي، كما تنعكس نتائج عملية التنمية على الوضع البيئي، فتضعف أو تعزز من إمكانيات استدامة النمو، ويتبين ذلك من عرض المجالات المحتملة للاختلالات البيئية، والتي تتمثل في تأثر جودة الهواء الجوي ـ تلوث البيئة البحري ـ النفايات الصلبة ـ القدرة الاستيعابية للصرف الصحي ـ زيادة التصحر. وأشار التقرير الى ان أسباب حاجة الكويت الى تكوين إطار تنظيمي للسياسات السكانية تتمثل في:
أولا: تعدد جوانب القضايا السكانية
٭ المكون السكاني جوهر عملية التنمية وهدفها.
٭ الخصائص السكانية حيوية ومتغيرة وهي المحرك الرئيسي للتنمية.
٭ أهمية الخصائص المهنية والمهارية للسكان لتخطيط القوى العاملة.
٭ أهمية الخصائص التعليمية للسكان وتأثيراتها في انتاجية المجتمع وفي تحسين نوعية الحياة.
٭ أهمية الخصائص الحيوية للسكان (المواليد، الوفيات، الخصوبة، متوسط الأعمار والأمراض السائدة) وارتباطاتها المتعددة بالزواج، سن العمل وبالمشكلات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة.
٭ التوزيع العمري للسكان وارتباطها بوضع الخطط والسياسات التعليمية، سياسات القوى العاملة، سياسات الخدمات العامة والسياسات الإسكانية.
ثانيا: قصور التوجهات نحو حصر المشكلة السكانية في الكويت في موضوع التركيبة السكانية، ومشكلة صغر المكون السكاني وعدم قدرته على تحقيق متطلبات التنمية، ركزت المعالجة على عاملين:
٭ تشجيع الزيادة السكانية للإسراع في زيادة الكتلة السكانية الكويتية.
٭ الاستعانة بالعمالة الوافدة للمساعدة في الوفاء باحتياجات النمو المتسارعة.
نجحت هذه السياسة خلال السنوات الأولى في مهمتها، ولكن هذا التوجه ظل مستمرا على مدار العقود، وكان المجتمع الكويتي في سباق مع الزمن من أجل موازنة التركيبة السكانية عدديا. هناك عوامل اخرى كامنة في المشكلة الإسكانية للكويت لم تأخذ بعد حظها من التحليل والدراسة، وذلك بهدف استكمال بناء سياسة سكانية متوازنة قادرة على حماية المكتسبات التنموية للمجتمع الكويتي.
ثالثا: ضرورة تخطيط السياسات السكانية، بحيث يكون تخطيط السياسات السكانية يتعامل مع 4 قضايا رئيسية:
٭ قضية النمو السكاني.
٭ دور السكان في التنمية.
٭ انعكاس عوائد التنمية على السكان.
٭ المشكلات الاجتماعية الناتجة عن اختلال بعض الخصائص السكانية.
رابعا: ضرورة تطوير آليات اتخاذ القرار، وذلك لان تشابك متغيرات القضايا السكانية، وتعدد مستويات التأثير الناتجة عن ذلك يدفع للاعتناء بعملية اتخاذ القرار بالنسبة لهذه القضايا من خلال توفير بيئة عالية الانضباط والتنظيم والخبرة لتدارس المتغيرات والتحديات المختلفة، ووضع أفضل الحلول أمام أعين متخذ القرار، وضمان المتابعة العلمية الجادة لتنفيذ القرار والآثار الناجمة عنه.
خامسا: أهمية وجود وعاء لتراكم خبرات معالجة القضايا السكانية، اذ انه من الأهمية بمكان تنظيم عملية تراكم الخبرات بصورة محترفة، وتأسيس جهاز يقوم بالمهمة حتى يتم حفظ خبرات المجتمع بصورة علمية تخضع للفرز والتطوير.
«العربي والخليجي»
بين التقرير أن النهج العربي والخليجي في معالجة القضايا السكانية يتمثل في تطوير وتطبيق سياسات وبرامج وأنشطة سكانية متكاملة وذلك ضمن الجهود الإنمائية لها، وإعطاء أولوية عالية للتنمية البشرية من خلال تحسين خصائص السكان في إطار السياسة السكانية وجوانبها الإنمائية واحتياجاتها المتعلقة في «الرعاية الاجتماعية، محو الأمية، التعليم والنهوض بوضع المرأة وتعزيز مكانتها».
الإطار السليم
اكد التقرير اقتراح تشكيل لجنة للسياسات السكانية لتكون الإطار السليم لتنسيق الجهود المبذولة، وذلك بما يخدم أغراض الرفاه الاجتماعي والتقدم الاقتصادي المنشود.
لجان وطنية
لفت التقرير الى ان جميع دول مجلس التعاون الخليجي شكلت لجانا وطنية للسكان، موضحا أن لجنة السياسات السكانية بدول مجلس التعاون تتطلع الى تشكيل لجنة وطنية للسكان بالكويت لتساهم مع بقية اللجان الوطنية للسكان بدول المجلس في تنفيذ الإطار العام للاستراتيجية السكانية.