برحيل العم يوسف ابراهيم الغانم تفقد الكويت احد رجالاتها الكبار ممن ساهموا في صناعة تاريخ الكويت الحديث وبناء الدولة في مرحلة ما قبل النفط وبعدها ويصعب على اي منا تذكر اي تطور في تاريخ مسيرة الكويت دون ان يكون لأبو ابراهيم فيها بصمة من بصماته.
فرحمه الله كان الوالد والعم والخال الذي يجتمع على محبته اهل الكويت ويتنسمون عبره عبق مرحلة مضيئة من صفحات بلدنا ويرون فيه هامة وطنية واقتصادية واجتماعية وثقافية نادرة، فهو القطب الاقتصادي الكبير الذي اعطى كل شيء قدره فلم يأخذه الاقتصاد من السياسة ولم تأخذه السياسة من الثقافة ولم تأخذه الثقافة من الديبلوماسية التي لم تأخذه ايضا من العمل التطوعي الذي كان الاحب الى قلبه فنجح في كل الميادين وخط اسمه بحروف من ذهب على كل المرافق التي خبرها ودعم اركانها وثبت اسسها. هو الرجل السياسي والوطني الذي كان يُحرص دائما على تواجده عند اتخاذ القرارات المصيرية وما ازمة عبدالكريم قاسم ومؤتمر جدة الا شاهدا عيان على مرجعيته وحنكته السياسية والديبلوماسية. هو سيرة ومسيرة من العطاءات التي ساهمت في انشاء المؤسسات وبناء الاقتصاد الحديث فكان مع فريق متجانس قاسما مشتركا وراء معظم المنشآت والشركات التي تأسست في الخمسينيات والستينيات.
بدأ العم يوسف الغانم (رحمه الله) حياته الدراسية متنقلا بين الكويت والبصرة والقاهرة فنال الشهادة الثانوية من البصرة اما اجازته الجامعية فقد حصل عليها من جامعة القاهرة عام 1949 في ادارة الاعمال.
مسيرة اقتصادية مميزة
اما خطواته الاولى في حياته المهنية والاقتصادية فقد بدأت مبكرا حيث بنى نفسه بنفسه ووضع نصب عينيه النجاح وكان له ما اراد عبر تأسيسه شركة يوسف ابراهيم الغانم عام 1953 التي كانت باكورة مسيرته التجارية الناجحة والنقطة الاساسية في انطلاقته نحو الجانب الاقتصادي الرحب، فلعب دورا حيويا في هذا القطاع وعمل على الارتقاء به فكرس بنشاطاته وانجازاته دورا بارزا للتجار بشكل عام في الحياة السياسية الكويتية وخاصة في المسائل الوطنية الكبرى.
غرفة التجارة
شغل العم يوسف الغانم عضوية مجلس ادارة غرفة التجارة والصناعة التي تم تأسيسها عام 1959 ولكن البذرة الاساسية تعود للعام 1952 عندما بحث المجلس البلدي، الذي كان العم يوسف الغانم رحمه الله) عضوا فيه في بداية الخمسينيات، موضوع تأسيس غرفة تجارية وجاء في العدد العاشر من جريدة الكويت اليوم مرسوم تأسيسها، فساهم في تنمية التجارة التي اصبحت ركنا من اركان نهضة الكويت واسس لمسار اقتصادي جديد يعطي القطاع الخاص الوطني دوره التنموي الريادي ولعب دورا فعالا في اتحادات الغرف العربية والمشاركة في النشاطات المتعددة المتنوعة عنها، كما عين عضوا في مجلس ادارة بنك الكويت المركزي عام 1978 وعضوا في مجلس ادارة الهيئة العامة للاستثمار عام 1982 وعضوا في لجنة سوق الكويت للأوراق المالية في سبتمبر 1983 وغيرها العديد من عضويات المؤسسات والشركات.
التخطيط والتنمية
كان العم يوسف الغانم (رحمه الله) من المساهمين الاساسيين في تنمية الكويت حيث كان عضوا في مجلس الانشاء والتنمية الاقتصادية مع كل من حمود زيد الخالد، خليفة خالد الغنيم، محمد عبدالرحمن البحر، يعقوب يوسف الحمد وبرئاسة الشيخ سالم العلي الصباح.
ومجلس الانشاء اسس عام 1951 وانيط به العمل في تخطيط وتنفيذ مشاريع الدولة فكان (رحمه الله) من اصحاب الرأي السديد في المشاريع التي قام بها ذلك المجلس وكان ابرزها انشاء مطار الكويت وكانت فكرة انشاء مطار حديث تراود المسؤولين منذ نهاية الأربعينيات فقرر المجلس حينها اناطة مهمة انشاء المطار بدائرة الاشغال العامة آنذاك.
مدينة الكويت
ومن المشاريع ايضا التي كان الفقيد شاهدا عليها ومشاركا في صياغة قراراتها تخطيط مدينة الكويت وضواحيها، وقد شكل المجلس حينها لجنة خاصة لاقرار ذلك المشروع حيث لم تكن مساحة مدينة الكويت القديمة داخل السور تزيد على 8 كيلومترات مربعة، واول من قام بتصوير مدينة الكويت من الجو كان مجلس الانشاء وذلك للوقوف على حقيقة وضع المدينة آنذاك لاعادة تنظيمها.
ايضا من المشاريع البارزة للمجلس كان مشروع انشاء مستشفى الصباح للتخفيف عن الضغط المتزايد على مستشفى الأحمدي والمستشفى الأميركي وشكل لذلك لجنة فرعية سميت «لجنة المستشفيات».
درة الخليج
فالعم يوسف الغانم (رحمه الله) كان من السواعد التي ساهمت في بناء اسس الكويت التي كانت حينها اشبه ما تكون بورشة بناء والتي تغيرت معالمها في فترة قصيرة لا تزيد على عشر سنوات، واستطاعت ان تصبح جوهرة الخليج ونجحت في ان تسبق الكثير من الدول العربية ودول الخليج في مجال العمران والتطور الحديث الذي كان (رحمه الله) احد ابرز المساهمين فيه. وفي فترات لاحقة تم تعيينه عضو اللجنة التنفيذية العليا في المجلس الأعلى وعضوا ممثلا عن القطاع الخاص في مجلس التخطيط عام 1962 وعام 1971.
أزمة عبدالكريم قاسم
لم يكن المجال الاقتصادي والتنموي ميدانه الوحيد بل زاحم بنجاحاته السياسية نجاحاته الاقتصادية اذ كان (رحمه الله) شخصية بارزة على الصعيد الوطني، فمع استقلال الكويت عام 1961 دخلت الكويت مرحلة جديدة من مسيرتها التاريخية خاصة مع ازمة «عبدالكريم قاسم» ونتيجة لذلك قام سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد (رحمه الله) بالسفر على رأس وفد كويتي الى الدول العربية لشرح موقف الكويت الثابت من ازمة عبدالكريم قاسم، وكان العم يوسف ابراهيم الغانم (رحمه الله) من ضمن الوفد الذي ضم ايضا عبدالعزيز الصقر، نصف النصف، حمد العيسى، عبدالعزيز الصرعاوي وبدر النصرالله. فالتقى (رحمه الله) مع اعضاء الوفد جلالة الملك سعود والرئيس جمال عبدالناصر والحبيب بورقيبة وملك المغرب بالاضافة لزيارتهم دولا اخرى. واستطاع الوفد ان يؤدي الامانة من اجل الكويت ومصيرها ومستقبلها.
مؤتمر جدة
كان العم يوسف ابراهيم الغانم (رحمه الله) من طراز سياسي نادر فعرف العمل السياسي وكان شاهدا على نشوء الدول المعاصرة وآمن بالعلاقة بين الحاكم والمحكوم وفق نظام دستوري يحافظ على الهوية الوطنية والنسيج الاجتماعي بين اركان عملية الحكم في البلاد. وعند الاحتلال العراقي الآثم كان (رحمه الله) واحدا من ضمن الفعاليات السياسية التي شاركت في مؤتمر جدة الشعبي عام 1990 فاثبت الكويتيون عبر ذلك المؤتمر ان العلاقة بين الكويتيين وحكامهم علاقة خاصة ومتينة كعلاقة الأب بابنائه.
مجلس 1967
عرف عن الفقيد (رحمه الله) ايمانه التام بالديموقراطية، ومن هذا المنطلق كان من ضمن 38 شخصا وقعوا على بيان تنديد بتزوير انتخابات مجلس الامة الثاني اي مجلس 1967.
الزهد في المناصب
رغم التاريخ السياسي المشهود للعم يوسف ابراهيم الغانم (رحمه الله) ومواقفه البطولية العديدة، الا انه تمنع عن كل العروض الوزارية التي قدمت اليه ورفض اسناد اي منصب وزاري له وارتأى خدمة الكويت من خارج النادي الوزاري، اذ كان (رحمه الله) بعيدا عن الاضواء، ينجز عمله ومشروعه دون بهرجة اعلامية ودون جلبة وضوضاء وكان يفضل دائما ان يتحدث عمله عنه.
الوفاق الوطني
يعتبر الغانم (رحمه الله) احد مؤسسي تجمع الوفاق الوطني الذي عمل على تشخيص ازمة الشلل السياسي في 2002 ومحاولة ايجاد الوسائل والسبل للخروج من الحالة التي تضر بالوطن والمواطنين مع المحافظة على دلالات المواطنة وصيانتها وتعزيزها، وقد التقى هذا التجمع بالعديد من الشخصيات البارزة والمؤثرة، وضم التجمع الى جانب الغانم (رحمه الله) يوسف النصف وجاسم عبدالله الصقر.
مرحلة انتقال الحكم
كما كان له دور بارز وايجابي خلال مرحلة انتقال الحكم في يناير 2006 حيث التقى عددا من الشخصيات البارزة في الاسرة لتقريب وجهات النظر وبعد مبايعة صاحب السمو الشيخ صباح الاحمد اميرا للبلاد شكل وفدا آخر لتهنئة سموه لتسلمه مقاليد الحكم ودخول الكويت مرحلة وعهدا جديدين.
الهلال الأحمر
تاريخ العم يوسف ابراهيم الغانم (رحمه الله) مع العمل التطوعي حافل بالعطاء فكان احد مؤسسي جمعية الهلال الأحمر التي انشئت في ديسمبر 1965 كجمعية تطوعية وتم اشهارها في يناير 1966 واستمر في عضوية مجلس ادارتها لما يربو على الـ 43 عاما قدم خلالها المساعدة دون تمييز من حيث الجنسية أو اللون او العرق أو المعتقد الديني أو السياسي او الفكري. كما كان (رحمه الله) من مؤسسي نادي الخريجين الذي كان امتدادا لجمعية الخريجين وأحد الذين ساهموا في تأسيس جامعة الكويت في الستينيات.