محمد الحسيني
ان مآسي التاريخ لا تُبرز الا الكبار مع انها نتيجة لآلام الصغار وحدهم.. وهل اغلب التاريخ الا سلسلة من المآسي المتواصلة مع كل لحظة لدوران الأرض؟
لم يوفر عصر الاحادية الاميركية «الهدنة الانسانية» بل استمرت الصراعات والنزاعات خاصة «العالمثالثية» منها وانفجرت بوجه اميركا نفسها في 11 سبتمبر 2001 حين ضرب التطرف الاسلامي بقوة، مشعلا الحرب على الارهاب التي استعرت ووصلت الى كل مكان في وقت استمرت فيه نزاعات اخرى كانت اصلا مندلعة ومنها الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي الطويل والحرب الاهلية في الصومال وغيرها.
قليلة كانت الاحداث الحكيمة التي تنبهت الى ان احتواء كل الازمات «رغم خصوصية كل منها» يحتاج الى حوار عالمي بين مكونات الصراع، فكانت دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لحوار الاديان ودعوة الرئيس الايراني السابق محمد خاتمي لحوار الحضارات، والخميس الماضي شكل الخطاب التاريخي للرئيس الاميركي باراك اوباما الى العالم الاسلامي من القاهرة محطة مهمة على مستوى هذا الحوار بعد ما حمله هذا الخطاب من «لهجة جديدة» ورسائل الى كل المعنيين بردم الهوة الموجودة اليوم بين الاسلام والغرب.
وبمناسبة هذا الخطاب تلقت «الأنباء» دعوة الى جلسة نقاشية في السفارة الاميركية حول ابرز مضامينه وكانت مناسبة لنغوص مع السفيرة ديبورا جونز ومجموعة من الاعلاميين والاكاديميين من اهل الاختصاص والخبرة في اعماق الخطاب ووقعه على العالم الاسلامي من جهة والداخل الاميركي من جهة اخرى.
في البداية كان لافتا الاحساس بالرضا التام والارتياح الذي بدا على محيا السفيرة جونز التي شاركت الحضور في الاجماع على اهمية الخطاب في مكانه وتوقيته وايجابيته بشكل عام.
ورغم ذلك اثيرت عدة نقاط احداها من د.سعد بن طفلة الذي رغم اشادته بأغلب مضمون الخطاب ابدى «انزعاجه» من المساواة فيه بين «الضحية» والجلاد في مقاربة الصراع العربي ـ الاسرائيلي، بينما رأى د.عبدالله الشايجي ان الخطاب لن يؤتي ثمارا ما لم تقترن الاقوال بالافعال، متسائلا: تحدث الرئيس اوباما عن تجميد الاستيطان ولكن ماذا عن المستوطنات التي تم تشييدها؟ وسأل د.محمد الرميحي الحضور من الاميركيين عن رأيهم فيما ستكون عليه آثار الخطاب على جمهور الداخل الاميركي الذي لاتزال احداث 11 سبتمبر ماثلة في ذهنه، فكان هناك اجماع على ان اوباما كان جريئا في طرحه واستشهاده بالقرآن الكريم وحديثه عن قيم الاسلام وحرية المعتقد في اميركا.
واثارت د.ابتهال الخطيب نقطة مختلفة تماما، اذ تحدثت عن شعورها بالمفاجأة من لجوء الرئيس الاميركي الى خطاب ديني في الوقت الذي تشجع فيه اميركا القيم المدنية والفصل بين المعتقد الديني والسياسة، فكان الرد من الحضور بأن الخطاب موجه للعالم الاسلامي ولهذا كان من الواجب استخدامه لغة يفهمها من توجه الرسالة اليهم للتأكيد على ان اميركا لم ولن تعادي المسلمين كما قال اوباما، كما ان الرئيس الاميركي وجه كلامه الى «المسلمين والمسيحيين واليهود والهندوس وغير المتدينين».
ووصف د.عبدالواحد الخلفان الخطاب بأنه كان «ممتازا» معربا عن ثقته بأنه سيؤدي الى نتائج ايجابية في تحقيق التقارب بين الشعوب والعواصم.
ودار احد محاور النقاش حول ابعاد استباق الرئيس اوباما لزيارته الى القاهرة بزيارة الرياض وابعاد هذه الزيارة ردا على سؤال للعنود الشارخ، وكان هناك تأكيد على اهمية دور المملكة المحوري في العالم الاسلامي وفي المنطقة سياسيا واقتصاديا اضافة الى دور الملك عبدالله بن عبدالعزيز تحديدا في موضوع حوار الاديان.
وتحدث الزميل احمد الجارالله عن ردود الفعل السلبية لبعض الفصائل في المنطقة مثل «حماس» على الخطاب، وتطرق الى موضوعي الديموقراطية وحقوق المرأة اللذين اثارهما الرئيس اوباما في الخطاب وتأكيده على عدم جدوى فرض الديموقراطية الاميركية على الشعوب والدول.
وفي نهاية الجلسة اعطى كل من الحضور تقييما من 10 للخطاب فتراوحت التقييمات بين 5 و9.2 مع تعهدات بمراجعة اصحاب التقييمات المنخفضة لدرجاتهم بحسب النتائج في المرحلة المقبلة مع التشديد على ضرورة متابعة المواقف المقبلة للرئيس اوباما.