بقلم: حسين جلال في حوار مع أستاذي عالم اللغة المرموق عندما التقيت به في احد مؤتمرات تعريب العلوم التي تقيمها جامعة عين شمس وكنت أسأله عن رأيه في جدوى عملية التعريب قال: ما أشد حاجتنا الى التمسك بهذه اللغة والالتفاف حولها والاعتصام بها في وجه العواصف التي تريد اقتلاعنا من جذورنا ووصمنا بالتخلف والدونية، ان هذا الاعتصام بلغتنا هو الرد الحاسم على المشككين بهويتنا.
ومما يؤسف له ان كل شعوب الأرض عنيت بلغاتها في القديم والحديث وكان هذا سببا من أسباب الحفاظ على هويتها من المحو او التبعية، ففي اواخر القرن التاسع عشر الميلادي عندما ازمع اليهود انشاء وطن قومي لهم ظهرت حركة احياء للغة العبرية بعد ان كانت مقصورة على اداء الشعائر الدينية في المعابد، وأصبحت لغة التخاطب لكل من يسكن دولة الصهاينة، اما نحن في عالمنا العربي فقد سادت لدينا فكرة غريبة حقا فحواها ان العجمة هي عنوان المدنية والتحضر، وان اللغة العربية لا تصلح الا لتدريس العلوم الشرعية والتراثية لكنها لا تصلح للدراسة العلوم التجريبية والطبيعية وان الماهر بالعربية كتابة وتحدثا لا يستفيد منها في حياته العملية شيئا لان عصر العلم والتكنولوجيا يتطلب اتقان لغة اجنبية لاسيما الانجليزية او الفرنسية.
واستطرد: انني اعجب من امة العرب هؤلاء القوم المستغفلين بفتنتهم بكل ما هو اجنبي والمستعبدين بتبعيتهم الثقافية للغرب لقد كان أسلافهم يسمون من لا يتكلم العربية أعجميا تشبيها له بالحيوانات العجماوات لأنهم كانوا يعدون اللسان العربي هو اللسان المبين وكان اعتزازهم بلغتهم هذا سببا في احتفاظهم بهويتهم وعدم ذوبانهم في حضارات فارس والرومان.
وأضاف إن النظام العالمي بكل ما يطرحه من دعوات صريحة للحداثة والعولمة وغيرهما من صيحات انما يمثل تحديا مباشرا لهويتنا وإقصاء متعمدا لعروبتنا، وان لم ننتبه لهذه الدعوات فستنحو بنا ناحية التبعية والهيمنة الثقافية للغرب الذي يريد وبكل السبل والطرق أن يفرض علينا قيمه وثقافته وبالجملة يفرض علينا وصايته.
قلت بدهشة ولكنني ألحظ انه في كل مؤتمرات التعريب ـ وقد حضرت عددا كبيرا منها ـ تخرج توصيات وقرارات يكون مصيرها الحفظ في الأدراج!
وابتسم استاذي وقال: إن للمشكلة بعدا اجتماعيا إذ يجب ان يكون لدينا وعي بالهوية العربية وهذه مسؤولية الدول والحكومات، إن شبابنا يجب ان تتاح له السبل للتعامل مع الثقافات العالمية بنظرة واعية ناقدة ولن يتأتى هذا الا بتعزيز الهوية الوطنية من خلال تعزيز اللغة القومية.كما يجب ايضا التأكيد على ضرورة الارتقاء باللغة والتمسك بالتعريب للحفاظ على ثقافتنا وقيمنا.
انني وان اتفقت معه على ضرورة تعريب العلوم الطبيعية والتجريبية الا انني اختلف معه في ان يكون الأمر مجرد تعريب وفقط، بمعنى انه لا ينبغي ان يكون التعريب مجرد وضع ألفاظ عربية لآلات او ادوات اخترعها غيرنا لأننا بذلك نكون مجرد ناقلين لاختراعات غيرنا، وانما يجب ان يكون التعريب مرحلة اولى وتكون المرحلة التالية هي الاستفادة مما ابتكره غيرنا ومحاولة تطويره بمخترعات ومنجزات تضارعه بل تتفوق عليه.
[email protected]