تعيد «الأنباء» نشر رأي غرفة التجارة في مشروع قانون العمل في القطاع الأهلي والذي كنا انفردنا بنشره الأسبوع الماضي وفيما يلي التفاصيل:
منذ طرحه للنقاش امام مجلس الامة قبل اسابيع ومشروع قانون العمل في القطاع الاهلي يحظى باهتمام كبير لدى مختلف الاوساط وعلى مختلف المستويات، وتعرض وسائل الاعلام المسموعة والمرئية والمقروءة يوميا اسهامات متنوعة تتناول عناصر المشروع بالتقييم والتحليل والتعديل، وغرفة تجارة وصناعة الكويت اذ تؤكد تقديرها الكامل للاهداف النبيلة التي قصدها مشروع القانون بداية والتي تعززها هذه الاسهامات بعد ذلك، تجد من واجبها ـ حيال مثل هذا التشريع البالغ الاهمية ـ ان تلقي الضوء على أبعاده الاقتصادية والتنموية عموما، وفي اطار التركيبة الهيكلية للعمالة في القطاع الاهلي على وجه الخصوص. لعل في ذلك ما يساعد المشرع على اصدار قانون يحقق اهدافه الاجتماعية والتنموية، وينسجم مع الطبيعة الخاصة لهيكل العمالة في البلاد ويجتذب العمالة الوطنية الى القطاع الخاص في آن معا. وفيما يلي تحاول الغرفة ان تسلط الضوء على ابعاد الموضوع من خلال وقفات اربع:
أولا: وقفة مع المنطلقات
كانت الغرفة ولاتزال في مقدمة الداعين ـ وفي مناسبات عدة ـ لاصدار قانون جديد للعمل في القطاع الاهلي لعلاج ما شاب القانون الحالي من تشوهات وثغرات رصدها اصحاب الاعمال قبل غيرهم، ليس فقط بسبب ما الحقته بالقانون من قصور، بل لأنها كانت ايضا ـ ولاتزال ـ مصدر حرج بالغ لممثلي الكويت من رسميين واصحاب عمل وعمال في المحافل الدولية، ومثار انتقاد من قبل لجنة تطبيق الاتفاقيات والتوصيات بمنظمة العمل الدولية، لهذا كان من الطبيعي ان يلقى اي تسريع لاصدار القانون ترحيب الغرفة، شريطة الا ينقلب التسريع الى تسرع وهذا ما تحاول الملاحظات التالية تفاديه:
ـ في مواجهة ما يقال ان افراط المشروع في تحسين مستويات العمل، قصد به جذب العمالة الوطنية للعمل في القطاع الخاص، نود ان نؤكد ان الآلية الطبيعية لأي رغبة صادقة او عاطفة مشروعة لاصلاح هيكل القوى العاملة واجتذاب العمالة الوطنية للعمل في القطاع الخاص لا يمكن ان تكون من خلال قانون العمل في القطاع الاهلي الذي يخضع دائما لمجهر خبراء منظمتي العمل الدولية والعربية والمنظمات الدولية الاخرى المعنية بحقوق الانسان، التي لا تقبل التمييز في العمل بأي صورة من الصور، او لأي سبب من الاسباب.
وقد يكون المجال متاحا بشكل افضل من خلال اضافة مواد بديلة ضمن قانون دعم العمالة الوطنية وتشجيعها للعمل في القطاعات غير الحكومية رقم 19 لسنة 2000 تنص على ان تتساوى مستويات وشروط عمل الكويتيين العاملين في القطاع الخاص مع نظرائهم في الحكومة كحد ادنى، على ان تصاغ الاستحقاقات التي ستترتب على المواد المقترحة باعتبارها من حقوق المواطنة، وذلك على نسق المادة 3 من قانون دعم العمالة الوطنية رقم 19 لسنة 2000 والتي تقضي بأن تؤدي الحكومة لكل كويتي يلتحق بالعمل لدى القطاع الخاص او القطاع الحكومي علاوة اجتماعية وعلاوة اولاد بالنسب والشروط والضوابط التي يضعها مجلس الوزراء، فهذه المادة تضع حكما ينسحب اثره على جميع الكويتيين دون غيرهم من العمالة الوافدة ضمن حقوق المواطنة ودون ان ينطوي ذلك على اي شبهة تمييز بسبب العمل.
ـ من الضرورة بمكان ادراك ان التشريع موجه لاكثر من مليون ومائتي الف عامل يعملون في القطاع الخاص وليس للعاملين في قطاعات بعينها، ولا للعمالة الكويتية فقط، اننا من اجل منح امتيازات ومكتسبات لنسبة لا تزيد على 4% من اجمالي قوة العمل في القطاع الخاص يمثلون العمالة الكويتية، سيتم الاغداق بالقدر نفسه من السخاء على الـ 96% الباقين دون تحسب لمدى الآثار السلبية لذلك على تكاليف الانتاج والمزايا التنافسية، وهذا ما لا يستقيم مع اي قياس اقتصادي سليم.
ـ ان التشريع للعمل في القطاع الاهلي ينبغي ان يكون ذا بعدين اقتصادي وهو الاهم ثم يأتي بعد ذلك البعد الاجتماعي، والاهمية النسبية للبعد الاقتصادي تأتي من انه هو الذي يحمل البعد الاجتماعي على عاتقه ويجعل تحقيقه ممكنا، ومن ثم كان من الطبيعي ان نتعامل مع المشروع الذي بين ايدينا من منظور اقتصادي انتاجي مثلما تفعل دول الجوار، لأننا في النهاية نتنافس في سوق خليجي واقليمي ودولي واحد، واذا كانت ظروف العمل في الدول التي نتنافس معها اقل ارهاقا لصاحب العمل وتحرص على التخفيف من اعبائه والتزاماته بشكل افضل مما هي عليه في الكويت، فإن ذلك يعني ببساطة اننا نمنح تلك الدول ـ بوعي او من دون وعي منا ـ ميزات نسبية في تكلفة اي منتج لكي تكون اكثر قدرة وكفاءة على منافسة منتجاتنا في الاسواق المحلية والخارجية.
ثانياً: وقفة للمقارنة
قد تكون المقارنة ضرورية في مواجهة قناعات مبنية حصريا على الاجتهاد والرغبة في الاصلاح دون غيرهما لتبيان مدى حاجة هذه القناعات الى منظور اوسع ومفهوم اشمل لضبط اتجاهها وتطوير موقفها.
وقد اخترنا للمقارنة اربع دول تعتبر الاكثر تماثلا مع اوضاع الكويت: ثلاث منها خليجية والرابعة من بين الدول العربية ذات النهج الاقتصادي الحر.
وتتركز ابرز التفاوتات فيما يلي:
ـ بالنسبة لساعات العمل يقترح التعديل ان تكون 40 ساعة في الاسبوع في حين تبلغ 48 ساعة في الدول الاربع.
ـ بالنسبة للتغيب عن العمل الموجب للفصل ينص التعديل على انه في حال انقطاع العامل لمدة 15 يوما متصلة او 30 يوما متقطعة، بينما في الدول محل المقارنة 7 ايام متصلة و15 يوما متفرقة.
ـ بالنسبة لساعات العمل الاضافي في الاقتراح يحسب الاجر عنها مضاعفا، بينما في الدول الاربع مقابل 25% زيادة في الاجر.
ـ بالنسبة لتشغيل العامل يوم راحته الاسبوعية حسب الاقتراح ضعف الاجر + اجره الاصلي + يوم راحة بديل اي ان تشغيل العامل يوم راحته الاسبوعية يكلف صاحب العمل ثلاثة اضعاف الاجر + يوم بديل، اما في الدول الاربع فمقابل 150% او يوم بديل.
ـ بالنسبة لاجازة الحج في الاقتراح وفي المشروع تبلغ 21 يوما براتب كامل، وبعد سنة واحدة من الالتحاق بالعمل بينما في الدول الاربع من دون راتب، وبعضها بعد خمس سنوات والاخرى تربطها بالاقدمية وظروف العمل.
ـ جميع قوانين الدول الاربع لا تتضمن نصوصا تتعلق بفصل العامل دون مبرر.
ـ كما ان قوانين العمل في الدول الاربع لا تتضمن نصا بإعطاء المرأة العاملة اجازة عدة مدفوعة الاجر.
ـ بالنسبة لحق صاحب العمل في انهاء عقد العمل غير محدد المدة، جعل المشروع ذلك بعد اخطار العامل بثلاثة شهور على الاقل، في حين تجعل القوانين الاخرى مدة الاخطار شهرا واحدا فقط.
في ضوء هذه النماذج التي يمكن القياس عليها في مختلف مواد القانون، يقتضي الامر اعادة دراسة نصوص المشروع والتعديلات المقترحة من خلال مقارنة موضوعية مع قوانين العمل في دول مجلس التعاون ودول اخرى ذات نهج اقتصادي حر، مع ادراك كامل بأن اي تفاوت في مستويات وشروط العمل يترتب عليه فرض اعباء جديدة على صاحب العمل سيضعف تنافسيته ويضر باقتصاد البلاد والشرائح الاجتماعية التي استهدف مشروع القانون مصلحتها.
ثالثا: وقفة مع التكلفة
لتبيان بعض ما تنطوي عليه التفاوتات التشريعية من فروق باهظة في التكلفة فيما بين المشروع ومقترحات التعديل من جهة والنصوص المماثلة لها في تشريعات الدول الاربع نسوق فيما يلي نماذج واضحة الدلالة:
ـ من المقترحات المطروحة جعل ساعات العمل 40 ساعة في الاسبوع بدلا من 48 ساعة المطبقة في دول الخليج العربية وفي معظم دول العالم والمقبولة عالميا، وينبغي ان ندرك هنا انه سيترتب على ذلك زيادة في تكلفة عنصر العمل تصل الى 20% من كلفتها الحالية وعلى فرض ان حجم العمالة الوافدة في القطاع الاهلي حاليا يناهز 1.200.000 فسيكون حجم العمالة المطلوب استقدامها لتعويض النقص المترتب على تقليل ساعات العمل هو 240 الف عامل تصل تكلفتهم السنوية المباشرة نحو 865 مليون دينار بخلاف ما تتكلفه الدولة مقابل المرافق والخدمات.
ـ ثمة اقتراح آخر يدعو الى احتساب الاجر عن ساعات العمل الاضافي مضاعفا بدلا من احتسابه على اساس 25% زيادة على الاجر العادي المطبقة في كل الدول المحيطة، وهذا يعني ان العمل الاضافي في حال الاخذ بهذا الاقتراح سيكلف صاحب العمل اربعة اضعاف ما يدفعه في ظل القانون الحالي، وعلى سبيل المثال فإن صاحب العمل الذي اعتاد ان يدفع 1000 دينار مقابل العمل الاضافي بموجب القانون الحالي ـ وهو نفس المعدل الساري في دول الجوار ـ سيكون عليه ان يدفع 4000 دينار سنويا وفقا للنص المقترح.
ـ ان كل هذا السخاء الذي حققه المشرع للمرأة العاملة بمنحها اجازة عدة لمدة اربعة اشهر وعشرة ايام، واجازة وضع لمدة سبعين يوما تتمتع معها باجازتها الاعتيادية كاملة، وساعتين للرضاعة، وجواز حصولها على اجازة لمدة لا تزيد على اربعة اشهر لرعاية الطفولة، ولو قدر لها ان تحصل على اجازة وضع مع الاجازة الاعتيادية وساعتي الرضاعة فقط ـ وهو امر طبيعي ومعتاد ـ لبلغ اجمالي ايام انقطاعها عن العمل 172 يوما في العام الواحد، هذا بخلاف الاجازات المرضية والحج والعطل الرسمية، وهذا يعني في النهاية انها تعمل بطاقة لا تتجاوز 52% من طاقة عمل الرجل، ومع وجود نص في المشروع يقضي بمساواة المرأة بالرجل في الاجر، ونص آخر لا يجيز لها العمل ليلا، فاننا نخلص الى نتيجة ذات شقين: اولهما ان عمل المرأة يحمل صاحب العمل تكاليف باهظة تجعله ينصرف عن تشغيل النساء لما ينطوي عليه من تكلفة عالية بلا مردود مواز، وثانيهما ان المشروع في هذه الحالة يكون قد اضر بقضية عمل المرأة من حيث اراد ان ينفعها، وظلمها من حيث اراد ان ينصفها.
هذه نماذج مختارة لايضاح فداحة التكاليف التي يمكن ان يتحملها صاحب العمل اذا تمت ترجمة جميع التفاوتات التشريعية الى فروق في التكلفة.
رابعاً: وقفة مع حق التشاور
ـ تشكل القرارات الوزارية التي يصدرها وزير الشؤون الاجتماعية والعمل تشريعا موازيا ومكملا لقانون العمل، من هنا تكتسب اهميتها وضرورة التحسب لانعكاساتها على اصحاب العمل، وكل ما تتطلع اليه الغرفة ان تأخذ هذه القرارات حقها من الدراسة والتشاور، حرصا على استقرار علاقات العمل، وحفاظا على متانة الاقتصاد الكويتي وقدرة المنتج الكويتي على المنافسة داخليا وخارجيا، واذا كانت التشريعات القائمة والمواثيق الدولية فضلا عن اصول الممارسة الديموقراطية تفرض عليها ابداء الرأي، وتلزم الجهات الرسمية بالتشاور معها في كل ما يتعلق بدوائر اختصاصها فإن الغرفة كمنظمة تمثل اصحاب العمل في الكويت تسعى جاهدة الى تعزيز وانعاش آليات التشاور والتنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في مختلف الامور التشريعية والتنظيمية التي تهم اصحاب العمل في الكويت والتي تؤثر بالقطع في كفاءة اداء القطاع الخاص ودوره المحوري في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.
ـ وتجدر الاشارة في هذا السياق الى ان منظمة العمل الدولية منذ تأسيسها عام 1919 اعتمدت ثلاثية التنظيم والتشكيل والتمثيل هيكلة وتشريعا، وجاء ميثاق المنظمة المعروف باسم ميثاق فيلادلفيا الذي تم قبول عضوية الكويت في المنظمة عام 1961 على اساس الالتزام به مؤكدا ان جهود تحسين ظروف المعيشة داخل كل امة وعلى المستوى الدولي لابد ان يسهم فيها ممثلو اصحاب العمل والعمال على قدم المساواة مع ممثلي الحكومات، مشتركين معهم في النقاش الحر والحوار الديموقراطي بغرض تحقيق الرفاه للجميع.
وفي اطار هذا المفهوم كان توجه الغرفة للمطالبة بتضمين مشروع القانون نصا يؤكد تفعيل مبدأ التشاور كحق اصيل لمنظمات اصحاب العمل والعمال.
ـ وفيما يتعلق بالمادة 139 التي تنص على ان تشكل بقرار من الوزير لجنة استشارية لشؤون العمل تضم ممثلين عن الوزارة ومنظمات اصحاب الاعمال والعمال ومن يراه الوزير تكون مهمتها ابداء الرأي فيما يعرضه عليها الوزير من موضوعات ويتضمن القرار اجراءات دعوة اللجنة والعمل فيها وكيفية اصدار توصياتها.
ويتضح من قراءة النص انه جاء مفرغا من اي مضمون فاللجنة مشكلة بقرار من الوزير وتضم في عضويتها من يراه الوزير ومهمتها ابداء الرأي فيما يعرضه عليها الوزير، وتجتمع متى شاء الوزير ويتضمن قرار الوزير اجراءات دعوة اللجنة والعمل فيها وكيفية اصدار توصياتها، لذا ترى الغرفة ان مثل هذه اللجنة لا تلبي مطلب الغرفة في تأكيد مبدأ التشاور الثلاثي.
ـ ان كل ما تتطلع اليه الغرفة هو ان يتضمن القانون نصا يؤكد مبدأ التشاور كحق اصيل لأطراف الانتاج باعتبارهم اطرافا رئيسية في علاقات العمل في القرارات الوزارية التي ترتب التزامات على صاحب العمل وتؤثر في علاقته بالعاملين لديه، وذلك في ضوء الاعتبارات التالية:
ان الغرفة ستكون سندا للحكومة من خلال التشاور وتبادل الرأي والحوار، اذا ما تسنى لها الوقوف على الدوافع والمبررات لإصدار القرارات وربما تسهم في تهيئة اصحاب العمل لقبولها والالتزام بها رغم ما قد يترتب عليها من تأثير سلبي في الظاهر على نشاطهم.
ان القوانين والقرارات المنظمة للعمالة لها بعدها الاقتصادي وانعكاساتها المباشرة على نشاط اصحاب العمل من التجار والصناعيين ومن ثم يصبح من حق الغرفة ومن واجبها في آن معا ان تطالب بإعمال مبدأ التشاور والحوار في مثل هذه الامور بصفتها مؤسسة ذات نفع عام غايتها تنظيم المصالح التجارية والصناعية وتمثيلها والدفاع عنها، وفق نص المادة الأولى من قانون الغرفة.
مع ان الحوار المطلوب يبقى مجرد تشاور وللسلطة المسؤولة بعد ذلك ان تأخذ اولا بما اسفر عنه، الا انه سيضفي نوعا من التفاهم والانسجام على العلاقة بين سلطة اتخاذ القرار والاطراف المتأثرة به حتى ان تضررت منه.
قد يكشف الحوار والتشاور للجهات المسؤولة عن امور غابت عنها او اشكلت عليها، وقد يسفر عن اقتراحات وحلول بديلة تؤدي الغرض ولا تلحق ضررا بأحد.
هذه رؤية غرفة تجارية وصناعة الكويت تطرحها بكل الشفافية والوضوح.