- المذكور: توجه حامل المرض للحج مع العلم بإصابته يوقعه تحت الإثم لتعريضه حياة الكثيرين للخطر
- الطبطبائي: بذل الأسباب لا يتعارض مع التوكل على الله وعدم السفر فيه تجنب للمهلكات
- العنزي: فتوى مفتي السعودية بحرمة السفر للدول الموبوءة عين الصواب ودرء للمفاسد
- معرفي: الحفاظ على النفس من مقاصد الشريعة ومنع السفر للدول الموبوءة من هذا الباب
- المسباح: المنع على الإطلاق فيه نظر وعلينا متابعة المرض ومقارنته بالطاعون لجواز القياس
ليلى الشافعي سؤال يتبادر إلى أذهان المسلمين كل يوم هل نذهب للحج والعمرة هذا العام أم ننتظر ونؤجل اداءهما خوفا من وباء انفلونزا الخنازير؟ الأطباء يؤكدون ان المرض ليس شديد الخطورة ولكنه سريع الانتشار وعلماء الشرع منهم لجنة الفتوى في الازهر الشريف اجازت تأجيل رحلات العمرة والحج لحين انتهاء خطر مرض انفلونزا الخنازير مؤكدة ان تأجيل رحلات الحج والعمرة خوفا من الوباء يستند الى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع وانتم بأرض فلا تخرجوا فرارا منه». فما رأي علماء الشرع في عموم البلوى وانتشار مرض انفلونزا الخنازير؟ «الأنباء» استطلعت الآراء وفيما يلي التفاصيل:
أكد رئيس اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الاسلامية ورئيس بعثة الحج الكويتية د.خالد المذكور جواز منع العمرة والحج من قبل السلطات وولي الامر حال تفاقم مرض انفلونزا الخنازير، وقال إن قرار منع الحج والعمرة لا تستطيع لجنة شؤون الحج ان تقرره، ولكن توصي به، ووصاياها غير ملزمة. وبين د.المذكور ان النصائح التي يقدمها الاطباء بمنع كبار السن واصحاب الامراض والحوامل والاطفال من الحج يجب تلبيتها لأن اعمال الحج تتطلب بذل مجهود كبير وبالتالي فهم لا يستطيعون بذل هذا المجهود.
واشار الى ان حامل مرض انفلونزا الخنازير اذا توجه للحج وهو يعرف انه حامل المرض فهو آثم لأنه يعرض حياة الكثير من البشر للخطر.
وزاد: حقا ان المرض اصبح وباء عالميا عبر الحالات الموجودة سواء في مصر او الكويت او من يأتي من دول اخرى حاملا لهذا المرض والإنسان ملزم شرعا بإبعاد نفسه عن مخاطر الهلاك والضرر.
أسباب الوقاية
ويؤكد العميد السابق لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية وعضو هيئة الإفتاء لوزارة الأوقاف د.محمد الطبطبائي ان عدم السفر إلى البلاد الموبوءة فيه تجنب للأسباب المهلكة والأخذ بأسباب العافية وهو من بذل الأسباب الذي لا يتعارض مع التوكل على الله سبحانه وتعالى. واستشهد د.الطبطبائي بقول الرسول صلى الله عليه وسلم «اذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه واذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه»، واضاف ان الله سبحانه وتعالى امرنا بأن نتخذ اسباب السلامة وما نحن فيه الا ابتلاء من الخالق ومن عقوبة للعاصين ورفع درجة المتقين، ومن مات من المسلمين من هذا الوباء فهو شهيد لما ورد في الحديث الصحيح «الطاعون شهادة لكل مسلم».
وقال د.الطبطبائي ان الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الخروج من البلد الذي وقع به الطاعون منعا لانتشاره وانه لن يصيب احدا الا بإذن الله، ودعا الطبطبائي الدول الى اتخاذ اسباب العلاج والوقاية من هذا المرض لحماية المجتمعات من مثل هذه الامراض الفتاكة لما لها من مقصد من مقاصد الشريعة الاسلامية والتي يجب المحافظة عليها.
بيد ولي الأمر
ويرى د.سعد العنزي ان من حق ولي الأمر او من ينيبه منع السفر الى البلاد المنكوبة طبيا والمنكوبة صحيا حفاظا على المصلحة العامة ودرءا للمفاسد الناتجة عن السفر، وتابع هذا ما نلاحظه الآن بعد اكتشاف وباء انفلونزا الخنازير ووصول عدد من رحلات الطيران القادمة من بعض الدول الأجنبية وهم يحملون الفيروس مما يؤثر سلبا في الصحة العامة للبلاد، وكذلك ايضا الذهاب لهذه البلاد قد تنتج عنه الاصابة بسبب هذه الامراض والاوبئة مما يجعل الامر بيد ولي الامر او من ينوبه في اتخاذ القرارات المناسبة للحد من انتشار الوباء في البلاد.
وحول فتوى مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ بحرمة السفر الى الدول الموبوءة قال د.العنزي: ما افتى به سماحة الشيخ مفتي المملكة العربية السعودية هو عين الصواب درءا للمفاسد وجلبا للمصالح حتى لا تصاب البلاد والعباد بهذه الاوبئة، وشدد على الحكومات بضرورة التشديد مع الصحة العامة في بلادها وان تفرض هذه الحكومات القيود على افراد مجتمعها في الذهاب الى مثل هذه البلدان الموبوءة حتى لا تنتشر هذه الامراض بين افراد المجتمع. واشار الى ان الشريعة الاسلامية لا تمنع مثل هذه الاحكام بل جعل الشرع لولي الامر سلطة اتخاذ القرار في مثل هذه الظروف.
وبالنسبة لأداء الفريضة هذا العام قال العنزي من حق السلطات السعودية ان تمنع للمصلحة العامة دخول الافراد الى بلادها ممن يحملون هذا المرض كما هو منتشر في اميركا وكندا وغيرها حتى لا ينتشر من خلالهم الاوبئة فلها منع دخول بعض سكان الاماكن الموبوءة حتى لا ينتشر المرض، وتساءل لماذا لم يعلن الاطباء في منظمة الصحة العالمية الحجر الصحي وفرض الحصار بالكامل على الدول الموبوءة؟ ومن المسؤول عن الارواح التي تموت جراء هذا الوباء؟
الاحتياط واجب
ويوافق الاستاذ بكلية الشريعة والدراسات الاسلامية د.سليمان معرفي ما اكده مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ من حرمة السفر من الدول التي ظهر فيها مرض انفلونزا الخنازير واليها مؤكدا ان هذا هو الحق اذا وقع الوباء في بلد فلا ندخله واذا كنا فيه فلا نخرج منه لنهي الله عز وجل عن اصابة الانسان بالضرر، ففي القرآن الكريم يقول الله تعالى (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)، وقوله تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم «لا ضرر ولا ضرار»، مشيرا الى ان احد مقاصد الشريعة العظمى الحفاظ على النفس وان منع السفر الى البلاد الموبوءة بانفلونزا الخنازير حفظ للنفس البشرية وخاصة ان الذي يذهب ربما يأتي بعدوى منها وهذا نوع من الاحتياط ومنع انتشار المرض.
حديث الطاعون
ويرى رئيس لجنة الفتوى بجمعية إحياء التراث الاسلامي الداعية ناظم المسباح ان تأصيل صدور الفتوى التي صدرت على اساسها فتوى الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث الطاعون صحيح ولكن يبقى مدى خطورة مرض انفلونزا الخنازير فهل هذا المرض يقاس على الطاعون من حيث الخطورة ومن حيث سرعة انتشاره وتفشيه وعدم توافر العلاج له؟
وقال لا يقاس على مرض الطاعون هذا المرض الفتاك والذي ليست هناك سيطرة عليه وان المنع على الاطلاق فيه نظر اذا كان السفر لضرورة ما لشخص يريد متابعة اعماله ومشاريعه او يزور اهله وكان السفر بمسوغ شرعي فأرى أن ما ذهب إليه المشايخ الأفاضل ينظر فيه، ونسلم بأن هذه الفتوى إذا كانت بخطورة الطاعون او ازيد حتى يكون القياس صحيحا، اما ونحن نعيش في زمن متوافر فيه العلاج ووسائل الحجر الصحي الموجودة في كل مكان ما ادى الى ان المرض ليست خطورته كمرض الطاعون، لذا لا ينبغي ان نمنع الناس لحاجة ملحة او ضرورة، اما اذا منع ولي الامر ذلك من باب تحقيق المصلحة فالتقيد هنا من طاعة ولي الأمر لأنه اقدر على تقدير المفاسد والمصالح. وعن منع السفر للحج قال المسباح: الامر متروك لأولياء الامور في الحرمين الشريفين فهم الذين يقدرون هذا الامر ويصدرون الفتاوى فيه.
الحساوي: ضرورة منع كبار السن والمصابين بأمراض مزمنة والنساء الحوامل والأطفال
يعرف الطبيب الحاصل على ماجستير الأمراض الباطنية د.منذر الحساوي مرض انفلونزا الخنازير فيقول: حسب تعريف منظمة الصحة العالمية هو مرض تنفسي حاد وشديد العدوى ويسببه واحد أو أكثر من ڤيروسات انفلونزا الخنازير من النمط a ومن أشهرها النمط الفرعي h1n1 والقابل للانتشال للبشر، ويتسبب هذا المرض عادة بمعدلات مرضية عالية ومعدلات وفيات منخفضة، فعلى سبيل المثال أصيب حوالي ربع مليون شخص في العالم بهذا المرض منذ انتشاره في مارس الماضي، ومع هذا فإن نسبة الوفيات المسجلة لم تتجاوز الـ 1% وهذا يدل على ان نسبة الوفيات لاتزال بسيطة.
وحول أعراض المرض قال الحساوي: أعراضه عند البشر مماثلة لأعراض الانفلونزا الموسمية وتتمثل في ارتفاع مفاجئ لدرجة الحرارة والسعال والرشح والاحتقان وألم في العضلات وإجهاد شديد وأحيانا الاسهال والقيء، ولا يمكن التفريق بين الانفلونزا العادية وانفلونزا الخنازير الا عن طريق الفحوصات المختبرية التي تحدد نوع الفيروس. اما عن طريق انتقال المرض بين البشر فقال، يعتقد العلماء ان طرق انتقال المرض بين البشر هي ذاتها التي تنقل الانفلونزا الموسمية مثل ملامسة سطح ملوث ثم ملامسة الفم والانف، او عن طريق رذاذ التنفس الذي ينتقل بالعطاس والسعال.
أسباب ظهوره
ويبين د.الحساوي أسباب ظهور المرض بقوله: هناك حقيقة شرعية وكونية أكدها النبي صلى الله عليه وسلم «لا تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت على اسلافهم الذين مضوا» ولقد سجل العالم أكثر من 30 مرضا جديدا خلال الثلاث عقود الاخيرة مثل مرض الايدز والايبولا وانواع من السرطانات ومرض سارس وانفلونزا الطيور والخنازير وغيرها. ولا اظن أن هناك آفة على مر العصور استحلت واظهرت الذنوب والمعاصي كما فعل الغرب اليوم حتى الأمم التي أهلكها الله عز وجل اشتهرت بذنوب معينة مثلا قوم لوط اشتهروا بالفاحشة وقوم شعيب بتخفيف الميزان وهكذا، وأما الغرب والعالم اليوم فإنه استحل الذنوب والمعاصي بكل أنواعها وصورها، فتعاطى جميع انواع الخمور والمسكرات والمخدرات التي لم تعهدها الامم، أتى بفواحش جميع انواع الخمور والمسكرات والمخدرات التي لم تعهدها الأمم، وأتى بفواحش غريبة وممارسات جنسية منحرفة مثل زنا المحارم والشذوذ واتيان البهائم، وغيرها حتى وصل الى عبادة الشيطان، وهذه كلها اسباب لظهور وتفشي الأمراض. وعن إمكانية الذهاب لأداء العمرة والحج في ظل انفلونزا الخنازير اكد د.الحساوي ان اغلب الحالات التي اعلن عن وفاتها نتيجة الاصابة بانفلونزا الخنازير ونسبتها تقريبا 1% نجد أنها كانت مصابة بأمراض أخرى مثل امراض الجهاز التنفسي، أمراض نقص المناعة سواء المكتسبة او الوراثية والأمراض المزمنة ونحو ذلك. وعلى هذا فلا بد ان يكون هناك قيد على الحج والعمرة للاشخاص الأكثر عرضة للتضرر من الاصابة بانفلونزا الخنازير مثل كبار السن نظرا لقلة مناعتهم أو الاشخاص المصابين بأمراض مزمنة وأمراض الجهاز التنفسي والنساء الحوامل والأطفال. وقال وفي الوقت ذاته أرى أن منع الحج والعمرة من الجميع على الاطلاق هو قرار غير منطقي فلو اردنا أن نسير على هذا المنهج فلابد أن نمنع ايضا صلوات الجماعة في المساجد ونغلق جميع المدارس والجامعات وجميع المرافق العامة التي يرتادها الناس مثل الاماكن الترفيهية والمجمعات والدواوين وغيرها.
الوقاية
وعن طرق الوقاية من المرض أثناء الحج والعمرة أوصى د.الحساوي بعدة وصايا منها غسل اليد بالماء والصابون عدة مرات باليوم وخصوصا عند ملامسة الاسطح المشتركة في الأماكن العامة، وحبذا لو كان عند الإنسان سائل معقم يحمله معه ويغسل به يده متى استدعت الحاجة، مع تجنب الاقتراب من الشخص المصاب او الشخص الذي تبدو عليه أعراض المرض، والتقليل من المصافحة والتقبيل دون حاجة، مع أهمية تغطية الأنف والفم من السعال لمنع انتشار الڤيروس في حال كون الشخص مصابا.
كما أوصى باستخدام كمامات على الأنف والفم لمنع انتشار المرض وتجنب لمس العين والانف والفم عند تلوث اليدين، والاكثار من شرب السوائل ما لم يكن هناك مانع طبي، وكذلك لابد من التغذية الصحية السلمية، مع أخذ لقاح الانفلونزا الموسمية قبل موعد الحج والعمرة بأسبوعين وهذا أمر اختياري.
مفتي مصر: دفع الوباء واجب
أكد مفتي مصر د.علي جمعة جواز تأجيل العمرة والحج بسبب المخاوف من انتشار وباء انفلونزا الخنازير وقال إذا وصل الوضع إلى درجة الوباء المسبب للخطر المحدق والضرر الشامل بصحة النــاس وحياتهــم فيكــون دفعــه واجبا أخذا بالقاعدة الفقهية «درء المفاسد مقدم على جلب المصالح».
وشدد على أن أخذ المسلم بالمحافظة على صحته لا يتنافى مع التوكل على الله فقد ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: «نفر من قدر الله إلى قدر الله» فإذا أصبح الوباء شديدا أصبح الذهاب إلى العمرة والحج من الأمور المساعدة على انتشار الوباء واعتبر بمنزلة إلقاء النفس في التهلكة والله تعالى يقول: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة).
شيخ الأزهر: نؤيد التأجيل
أيدّ الإمام الأكبر شيخ الأزهر د.محمد سيد طنطاوي مفتي مصر د.علي جمعة في تأجيل العمرة والحج هذا العام لكبار السن أكثر من 56 عاما وأصحاب الأمراض المزمنة والأطفال أقل من 12 عاما للحيلولة دون إصابتهم بمرض انفلونزا الخنازير أو تعرضهم لأي مخاطر صحية وقال طنطاوي: أؤيد وزراء الصحة العرب في كل ما قالوه لأنهم هم أهل الاختصاص والذين يستطيعون أن يقولوا الكلمة الحاسمة في هذا الشأن بحكم تخصصهم.