بقلم: د.خالد الجارالله - كلية الطب - جامعة الكويت
كتب الأستاذ الفاضل سامي النصف في جريدة «الأنباء» مقالا تحت عنوان «هل اللقاح هو الحل..؟ الاثنين 31 اغسطس الماضي، انتقد فيه فكرة الدعوة إلى تأجيل الدراسة أملا في وصول لقاح الانفلونزا الوبائي h1n1 (انفلونزا الخنازير التسمية السابقة) مستشهدا بمعلومات أوردها من موقع على شبكة الانترنت تتضمن سردا للأضرار الناجمة من اللقاحات أو التطعيمات على صحة البشر، ولما كانت فكرة المقال ترمي إلى التأكيد على أهمية التعامل العلمي مع هذه الأزمة أود أن استدرك بعض الأمور على ذلك المقال إثراء للنقاش العلمي لهذه القضية.
أولا: تزخر شبكة الانترنت بمئات المواقع التي تعارض فكرة التطعيم كمبدأ وتستدل على ذلك من أحداث تاريخية وبيانات منشورة للمضاعفات الجانبية لتلك الطعومات وذلك وفق قراءة متحيزة لفكرة معارضة المبدأ وذلك لأسباب عديدة، وهنا أود أن استرعى انتباه القارئ إلى الدراسة المنشورة في مجلة «بحوث الانترنت الطبية» تحت عنوان «vaccine criticism on the world wide web».
وهي اكبر مراجعة بحثية في موضوع نقد التطعيم لأطباء من جامعة بتسبرغ بالولايات المتحدة المنشورة عام 2005م وهي دراسة جديرة بالقراءة للمهتمين في هذا الموضوع، فالدراسة حذرت المختصين من خطورة تلك المواقع وتأثير تلك الادعاءات على الجمهور وما قد ينجم عنه من ارتفاع نسب الأمراض المعدية والتي يمكن الوقاية منها عبر اللقاحات، كما ناقشت الدراسة حجج معارض مبدأ التطعيم والرد عليها.
ثانيا: إن من نافلة القول الإقرار باستحالة وجود عقار أو لقاح يخلو من أي عرض جانبي او مضاعفة ولذا يعتمد المختصون على مراجعة إرشادات الهيئات العلمية المرموقة والمؤسسات الأكاديمية المعروفة بالتزامها بالقواعد والأصول البحثية المحكمة والخاضعة للرقابة والمراجعة الدورية من اجل التحقق من سلامة تلك الأمصال وتجاوز نسبة منافعها للإنسان على الاضرار أو الآثار الجانبية منها.
وهنا يمكن للجمهور مراجعة مواقع هيئات مثل مراكز مكافحة الأمراض والوقاية بأتلانتا (cdc) أو مواقع منظمة الصحة العالمية للاسترشاد بالتوصيات المبنية على الأدلة والبراهين للقاحات الأمصال.
ثالثا: ان فكرة التطعيم لمكافحة بعض الأمراض المعدية (وبالذات مرض الجدري) من الأمور التي تبنتها منظمة الصحة العالمية ولا أدل على ذلك من حملة مكافحة مرض الجدري ذلك المرض الذي قضى على مليارات البشر منذ ألاف السنين وعانت منه الكويت الأمرين في القرن الماضي وكان نجاح حملة المنظمة في القضاء على المرض منذ ثلاثين عاما علامة فارقة في تاريخ منظمة الصحة العالمية وردا عمليا على تيار معارض مبدأ التطعيم.
رابعا: وعودة إلى وباء انفلونزا h1n1 لعام 2009 فانه من غير المتوقع وفق استقراءات خبراء علم الوبائيات أن يحدث توافر لقاح انفلونزا h1n1 في خريف هذا العام (أواخر شهر أكتوبر) تغيرا في سلوك انتشار الڤيروس بين البشر نظرا لمحدودية الكميات المنتجة لسكان العالم ولحاجة الجهاز المناعي في الإنسان إلى فترة زمنية لتكوين الأجسام المضادة (فترة لا تقل عن 5 أسابيع من الجرعة الأولى للقاح) أي في شهر ديسمبر (أواخر موسم الانفلونزا) وعليه ستظل جدلية تعليق التعليم مستمرة خلال الأسابيع القادمة في ظل توقع ارتفاع معدل الإصابات واحتمالية زيادة نسب الوفيات الناجمة عنه وارتفاع الحالات الحرجة التي تتطلب عناية خاصة في المشافي فضلا على القلق من تمحور الڤيروس ومقاومته للأدوية المضادة للڤيروسات (تافعلو) كما ظهر ذلك في بعض الدول مما سيشكل تحديا حقيقيا على الهيئات الطبية للتعامل مع الحالات المصابة بالمرض مع التأكيد على أهمية التعامل مع إدارة أزمة الوباء وفق قواعد علمية وفنية بعيدا عن التسييس. كما ستظل مبادئ النظافة والعزل والوقاية هي الأساسيات التي يمكن أن تسهم في الحد من انتشار الوباء وذلك بعد رحمة الله تعالى ولطفه بعباده.