محمد راتب
من الصعب على النفس أن تتناول ما يجود به البحر الخضم من أسماك وثمار، وهي تتجاهل كارثة بيئية ككارثة «مشرف»، ولعل سبب ذلك هو الذعر الذي أصاب المجتمع الكويتي إثر تسرب المياه الملوثة إلى «جون الكويت» وما لذلك من أبعاد صحية سيئة على الثروة السمكية واحتمال انتقال بعض الأمراض كالكوليرا عن طريق تناول الأسماك في رمضان المبارك.
ورغم ذلك كله، لم تثن هذه الكارثة بعض رواد السوق عن الذهاب بكل شجاعة وإقدام لشراء الكميات الاعتيادية من هذا السمك، والاستفادة من فرصة هبوط الأسعار، وهي تضع نصب أعينها شعار «البحر طاهر مطهر وما يضره شي».
«الأنباء» ومن خلال جولة في سوق السمك، رصدت انعكاس الكارثة على الزبائن وعلى الأسعار التي انكسرت حدتها وخصوصا سمك الميد، واستشفت كذلك رأي مكتب الهيئة العامة للزراعة والثروة السمكية وما تنوي القيام به إزاء المشكلة الأخيرة. وبين الزبائن والهيئة، رصدنا أيضا انطباع صيادي السمك الذين أبدوا تعجبهم من تهويل المشكلة إلى هذا الحد، وأعربوا عن استيائهم من الوضع الحالي مع هبوط الأسعار لاسيما أن الكارثة تحدق بهم أكثر إذا ما اتخذت الهيئة قرارا يمنع الصيد خلال هذه الفترة.
محمود: الإعلام جعل من «الحبة قبة»
من جانبه، يعتبر عبدالرحيم محمود، أن ما يثيره الإعلام حول حدوث مشكلة صحية في تناول السمك خلال الفترة الحالية هو أمر مبالغ فيه كثيرا، فالتخوف من قبل الناس جراء تحويل مياه الصرف الصحي إلى البحر أخذ أكثر من حجمه. لافتا إلى أن الأسعار انخفــــــــضت بعد المشكلة هذه، وقال: إنه غير متخوف من تناول سمك الميد أو أي أنواع أخرى من السمك، حيث يرى أن المسألة ستكون سليمة بمجرد غسل السمكة وتنظيفها وإزالة أمعائها بعد التسمية بالله.
وأضاف أن الإعلام صور السمك وكأنه لا يتغذى إلا على مياه الصرف الصحي، ومن هنا بالغ في تضخيم المسألة، وهول الأمور على الناس، وجعل من «الحبة قبة».
العتيبي: على الهيئة خفض الأسعار وتشديد الرقابة
أما صالح العتيبي، فيضم صوته إلى قائمة المتخوفين، فرغم أنه يفضل تناول الأسماك على اللحوم، وخصوصا سمك الميد، إلا أنه يبدي تخوفه من تلوث البحر بمياه الصرف الصحي، وقال: إن ذلك مدعاة لانتشار أمراض مثل الكوليرا وغيرها، وهذا ما دعاني للتحفظ خلال هذه الفترة على تناول المزيد من المأكولات البحرية.
ويضيف صالح أن المفترض بوزارة التجارة والهيئة العامة للزراعة والثروة السمكية أن تعمل على خفض الأسعار مع هذه الأزمة، حتى ترغب الناس في شراء الســمك، داعيـــا الهيئة إلى الانتباه وفرض الرقابة الـشديدة على السوق وعلى بائعي السمك، ومحاربة الغــش الذي يحدث بخلط السمك المحلي مع السمك المستورد وبيعه على أنه سمك محلي.
حسين: الصرف الصحي لم يثننا عن تناول السمك
سجاد محمود حسين، أحد رواد سوق السمك باستمرار، والذي يعتبر أن السمك عموما وسمك الميد خصوصا يشكل أهمية كبيرة بالنسبة له ولعائلته، يؤكد أن المشكلة الأخيرة في تسرب الصرف الصحي لمياه البحر لم تثنهم عن تناول السمك في شهر رمضان المبارك، فهو سيد المائدة بالنسبة لهم، وإن الحدث الأخير لم يؤثر عليه، لكنه يعتبر أن اسعار الأسماك مازالت مرتفعة رغم هذه المشكلة، باستثناء سمك الميد، والذي كان ولايزال رخيصا مقارنة ببقية أنواع السمك المتوافرة في السوق.
ويوضح سجاد أنه إذا تأكد من تأثر سمك الميد بالتلوث الذي أصاب البحر، فإن ذلك سيجعله يفكر في أنواع أخرى من السمك مثل الزبيدي والسبيطي والشعوم.
عبدالحسن: البحر ما يضره شي
أما كفاية عبدالحسن، فتذكر أن السمك كان ولايزال الأفضل للصحة من اللحوم الحمراء، حيث اعتادت عائلتها أن يكون السمك جزءا أساسيا من برنامجها الغذائي، غير أن المشكلة هي غلاء أسعاره مقارنة باللحوم الحمراء، لافتة إلى أن تلوث مياه البحر سيزيد أسعار السمك ارتفاعا فيما لو منعت الحكومة صيد السمك، وتبدي عدم تخوفها من أي أمراض في السمك جراء التلوث، وقالت: لا أعتقد أن البحر يتأثر كغيره من البيئات الأخرى، حيث إنه يحافظ على نظافته ونظافة الكائنات الموجودة فيه إلى حد كبير جدا و«البحر طاهر مطهر ما يضره شي».
وتدعو كفاية الجهات الحكومية المختصة وعلى رأسها الهيئة العامة للزراعة والثروة السمكية لأن تقوم بجميع الإجراءات الممكنة والسريعة للتخلص من مشكلة التلوث التي أصابت البحر، مضيفة أن المجتمع الكويتي منشغل حاليا بمرض إنفلونزا الخنازير، ولن يتحمل أمراضا أخرى بسبب تقصير في الناحية البيئية.
الشرقاوي: يكفينا ما نحن فيه من إنفلونزا الخنازير
ويبدي أحمد فؤاد الشرقاوي نيته في الإحجام عن شراء سمك الميد بالذات، خصوصا أن الحكومة أبدت نيتها في منع صيد هذا النوع من السمك إذا ما ثبت تأثره بالتلوث الذي أصاب البحر، حيث إنه سيساعد على انتشار مرض الكوليرا.
ويذكر أحمد أن هناك أنواعا أخرى من الأسماك يمكن الاستفادة منها، مثل سمك الشعوم والنويبي، داعيا الحكومة إلى اتخاذ تدبيرات لازمة للحد من انتشار الأمراض في البحر وانتقالها للناس عن طريق تناولهم للسمك، خصوصا أن انفلونزا الخنازير أرهقت كاهل المجتمع بأسره.
العنزي: إعادة الثقة للسوق مرهونة بتحليل الأبحاث
ولدى زيارتنا لمكتب الهيئة العامة للزراعة والثروة السمكية في سوق السمك ـ شرق، أفادنا دخيل عبيد العنزي بأن الثقة بالسمك تدنت لدى الناس بعد مشكلة الصرف الصحي تخوفا من الأمراض التي يمكن أن ينقلها تناول المأكولات البحرية.
وكشف دخيل عن أن معهد الأبحاث قام بأخذ عينة من السمك الموجود في مياه البحر للكشف عنها، معربا عن أمله أن تكون نتيجة التحليل سليمة، وأن تنقل وســائل الإعلام ذلك إلى الناس لإعادة الثقة إلى نفوسهم وعودتهم إلى شراء السمك.
وقال: إن المشكلة أثرت على جميع أنواع السمك، فالسمك الزبيدي مثلا كان يباع بـ 60 و70 دينارا، لكنه الآن يباع بـ 25 و30 دينارا نظرا لخوف الناس، فالسوق اليوم انخفض بما في ذلك الروبيان والذي تراوح سعره اليوم بين 35 و40 دينارا.
وذكر أن الهيئة ستمنع صيد سمك الميد فيما لو تبين لها من خلال تحليل معهد الأبحاث أنه تأثر سلبا، وأن تناوله قد ينقل الأمراض إلى الناس، لكن ذلك سيكون مؤقتا بالانتهاء من مشكلة الصرف الصحي. ولفت إلى أن البعض صار يفضل شراء الأسماك المستوردة بدل الاسماك المحلية بسبب هذه الأزمة، مشيرا الى أن المشكلة أخذت أكثر من حقها، ومن غير المنطقي بلوغها هذا الحد، فالوزير أحمد صفر والشيخ أحمد الفهد اكدا أن المشكلة ستؤول إلى الحل عاجلا.
وتوقع دخيل أن يحدث في سوق السمك هبوط حاد إذا ما ظهر تأثر السمك بالمياه الملوثة، وهذا ما سيؤدي إلى أزمة عند الصيادين.
البدوي: أماكن صيد الميد بعيدة عن المناطق الملوثة
أما صياد سمك الميد عبدالسلام البدوي فذكر أن السمك بجميع أصنافه لا يعاني من أي مشكلة ولا يسبب أي ضرر لمتناوليه، وقال: إنه يتناول السمك يوميا، وإن تلوث جزء من مياه البحر لا يعني تأثر السمك، إنما يتأثر السمك في منطقة التلوث نفسها، أما مكان اصطياد الميد فهو بعيد عن المساحة الملوثة، وهو يتغذى على الشعب الموجود في البحر، وليس على النفايات الضارة، بعكس القريب من البر أو من منطقة التلوث، وقد كشفت لجنة من وزارة الصحة عن سمك الميد وأثبتت أنه لا يعاني من أي مشكلة.
ويضيف عبدالسلام أن الأسعار تأثرت كثيرا وهبطت إلى ما دون النصف بعد مشكلة الصرف الصحي الأخيرة، فسمك الروبيان يتراوح سعره بين 30 و35 دينارا وقبل ايام كان يصل سعره إلى 45، أما سمك الميد فسعره اليوم 5 دنانير في حين أنه كان قبل ايام يتراوح بين 10 و15 دينارا.