زينب أبوسيدو
صدر عن دار النفائس رواية «لعنة البيركوت» للمؤلفة رانيا محيو الخليلي ابنة الزميل الراحل مصباح محيو ـ رحمه الله ـ وتحتوي على 216 صفحة من القطع الصغير، وقد جرت احداثها على «مسرح الجنون العربي» في لبنان والكويت، ومعظم ما ورد فيها واقعي، وقليل منه خيالي أدبي.
الرواية تحكي قصة فتاة لبنانية عايشت مع أسرتها اهوال الحرب الاهلية اللبنانية وويلاتها، فأجبرتها ظروف الحرب على الهجرة الى الكويت.
وهي تصف الاحداث بإحساسها المرهف وتصورها الادبي الشائق، وتكتب بروحها لا بقلمها، وبخاصة في وصفها شراسة المقاتلين، وتعاطف المحبين فتجسد التناقض البشري، وكأنها ترسم بريشة ولا تكتب بقلم، فتجعل القارئ يعيش معها الاحداث بنفسه وروحه، ويعيد النظر في كثير من أفكاره ومسلماته.
طريقة سرد الاحداث تشد القارئ وتشوقه لمعرفة ما حدث وكيف حدث، من خلال حياة تلك الفتاة وأسرتها التي كتبت لها النجاة.
تنقسم الرواية الى اربعة فصول، الفصل الاول بعنوان بيروت، والثاني بعنوان الكويت، الثالث: بيروت اما الرابع فعنوانه: بيروت، الكويت، بيروت.
ويحكي الفصل الاول قصة حياة عائلة مكونة من بطلة الرواية دانيا وشقيقيها سامر وزينة ووالدتها ووالدها أبوسامر وهي تعيش في بيروت في وسط الاحداث التي مرت به من حروب الشوارع ومن الاجتياح الاسرائيلي عام 1982، بما فيها الثلاثاء الاسود في الرابع عشر من آذار عام 1989، وكيف تضطر هذه العائلة الى المغادرة، وتصف الرواية حالة دانيا وهي في السادسة عشرة من عمرها: انها تبكي المغادرة بهذه الطريقة التي تعرف عادة بالهروب، لكن الوضع لم يعد يطاق، المعاناة مستمرة منذ ستة اشهر، ولا احد يعلم متى ستنتهي. وتصف الرواية كيف استطاع اللبنانيون في تلك الفترة العصيبة ان يفبركوا من الملجأ مكانا للترفيه، فيجتمع سكان العمارة كلهم فيه: عائلة ابوسامر، والاستاذ رياض الصحافي وشقيقته نعمت، والحجاج كما اسماهم سامر، لأن الوالدة والفتيات الاربع ينزلن الى الملجأ مرتديات ثياب الصلاة فوق ثيابهن التي قد لا تكون مناسبة للظهور بها كمحجبات، والاستاذ منير ايضا.
حاولت دانيا التعرف على الصحافي المخضرم عن قرب لشعورها بأنها تملك ميولا أدبية من الممكن ان تتحول الى ميول صحافية، باعتبار ان الصحافة فن من فنون الكلمة، كانت وعلى الرغم من صغر سنها تواظب على قراءة الصحف، ومن حين الى آخر لفتتها مقالات الاستاذ رياض لكونه جارهم، وحين اطلعت على كتاباته اعجبت بأسلوبه، فانتهزت فرصة تواجده معهم في الملجأ للتعرف عليه عن كثب ورؤية تعامله مع الناس كإنسان عادي وليس كصحافي معروف. أبوسامر المهندس المدني المحترف يتلقى عرضا للعمل في الخارج من شركته التي أوقفت اعمالها في لبنان لتنقلها بموظفيها الى الكويت.
ثم بدأت رحلة السفر والمعاناة عن طريق سورية الى ان وصلوا الى الكويت «مشهد الغروب هذا كان اول ما اعجب دانيا بالكويت، كانت تغوص فيه من شباك الطائرة، لقد شعرت بالامان لأول مرة ومنذ اشهر طويلة، هل هو سحر الصحراء المميزة ام انه مجرد شعور ينتابنا عند احتمائنا بشخص نثق به».
هنا بدأ الفصل الثاني من الرواية، وهي الحياة في الكويت فانخرط المهندس اللبناني مع ظروف العمل الجديد وتمكنت زوجته من الحصول على عمل كمديرة في احدى المدارس التي تأسست حديثا، ودخلت زينة الى المدرسة الفرنسية وانتسب سامر ودانيا الى احد المعاهد المتخصصة بالتدريس بالمراسلة تحت اشراف السفارة الفرنسية.
وتعرفت دانيا على فتاة كويتية معها في المعهد واسمها هند، عندما دعتها الى الغداء في منزلها لتتعرف على افراد اسرتها، اذ بها تلتقي فاضل شقيق هند، وتفاجأ بعد ذلك بأنه يطلبها من اهلها وتتم الخطوبة، ويأتي وقت الامتحان وتنجح: لقد نجحت بعد طول كفاح محققة انجازا كبيرا قهرت خلاله كل الصعاب والمشقات، الحياة ابتسمت لها اخيرا، نجاح وحبيب وبداية لعودة الاستقرار في لبنان، كل قسوة الايام السابقة بدأت تتلاشى امام السعادة الكاملة، هذه السعادة التي لا تأتي الا بعد طول انتظار فتحقق النهاية المرجوة التي نريدها كما في الافلام والروايات.
وتحدد موعد الزواج في الحادي عشر من اغسطس من العام 1990، وسيكون في لبنان، وسيلحق بهم فاضل بعد أسبوع لافساح المجال لهم لتدبير أمورهم بعد طول غياب. صباح الخميس الثاني من اغسطس استيقظوا متسائلين عن الطلقات النارية التي سمعوها ليلا والتي لم تزحزهم من فراشهم لأن هذا الأمر كان طبيعيا بالنسبة اليهم.
الخبر كان كارثيا على الجميع وبخاصة على العروس المجهزة، لتزف الى عريسها الكويتي، فأسرعت الى الهاتف تطمئن عليه، وعلى عائلته من دون أن يجيبها أحد، اتصلت بخالته، فلم تجد من مجيب ايضا، فجن جنونها وراحت تتصل، وتعاود الاتصال بكل الارقام التي تعرفها علها تجد ما يطمئنها، ويطفئ النار المشتعلة في قلبها وصدرها.
حاول افراد عائلتها تهدئتها ووعدها والدها بأنهم اذا لم يعرفوا شيئا عنهم حتى الصباح فسيذهب للسؤال عنهم. لقد مر الليل بقساوة، هل هو قدرها ان تحطم احلامها حرب مجنونة لتتقاذفها الهواجس والمخاوف من المجهول؟ أيعقل انها كلما اجتازت مرحلة من حياتها تعود ادراجها الى اقصى الخلف لتبدأ من جديد وبالإمكانات المتوافرة؟ الحرب تلاحقها حيثما ذهبت، هذا هو قدرها، لكن المهم عندها أن يكون فاضل بخير. اتصل بهم فاضل بعد ذلك من الامارات العربية المتحدة مبررا ذلك باضطرارهم الى الفرار مباشرة بعد الغزو خوفا على أفراد الأسرة، تعجبت دانيا من عدم تفكيره بها على انها من الأسرة، فقررت العودة مع أهلها الى لبنان بعدما كانت تؤجل السفر لحين الاطمئنان على فاضل. في الفصل الثالث تعرض المؤلفة الحياة في بيروت، وقبلت دانيا في الجامعة الأميركية لدراسة العلوم السياسية والعلاقات العامة، وهناك التقت بالأستاذ غسان السعيد وهو مدير أهم وكالة أنباء سباقة في تغطية الأحداث، فقد كان مدعوا من قبل ادارة الجامعة ليلقي ندوة، وعندما حدثت رياض عنه طلب منها ان تأتيه برقمه لأن بينهما معرفة قديمة، فرياض كان صديقا لوالد غسان. في ابريل من العام 2003 موعد اعلان الحرب على العراق، المنطقة كلها كانت متأججة، دخلت دانيا الى مديرها غسان وفي خاطرها الطلب منه اشراكها في التغطية، فأرسلها الى الكويت.
رواية ممتعة تستحق القراءة، أما كلمة البيركوت فهي كلمة روسية معناها النسر الذهبي وهي مقاتلة تجريبية نفاثة أسرع من الصوت طورت بإحدى شركات الطائرات.