محمد راتب - عبدالكريم العبدالله
عقب موجة الامطار التي شهدتها الكويت مؤخرا، وادت الى حدوث حالات اختناق وازمات ربو وحساسية شديدة وزحام في بعض المستشفيات، بالاضافة الى عدد من الوفيات، تداولت عبر مواقع التواصل الاجتماعي معلومات تفيد بأن اشجار «الكونوكاربس» المنتشرة في البلاد هي المسبب الأول لتلك الحالات، وتباينت الآراء بين مؤيد ومعارض لتلك الشائعات، «الأنباء» قامت باستطلاع رأي الهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكية، وأحد الاطباء من اخصائيي أمراض الحساسية والمناعة لمعرفة حقيقة تلك الاتهامات وفيما يلي التفاصيل:
في البداية، نفت الهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكية وجود أي علاقة بين إصابات الربو التي شهدتها الكويت خلال الأيام الأخيرة وشجرة «الكونوكاربس» الأكثر انتشارا في البلاد، ملقية باللوم في تلك الأزمات الحادة على زيادة نسبة الرطوبة في الجو والتي بلغت نحو 90%، موضحة أن الحساسية لأي نبات أو شجر لا تكون عامة للجميع وإنما تصيب أشخاصا دون غيرهم.
وقال نائب المدير العام لقطاع الثروة النباتية في الهيئة م. فيصل الصديقي ان «الكونوكاربس» بريئة من تلك الاتهامات، ومن الإشاعات التي تفتقر إلى مستند علمي، موضحا ان الأمر لا يعدو كونه كلاما مرسلا لإثارة البلبلة بين الناس.
ولفت إلى أن هذه الشجرة أثبتت نجاحها بعد زراعتها لأول مرة منذ تسعينيات القرن الماضي، وذلك بناء على دراسات علمية وتجارب ناجحة في ملاءمتها لبيئة الكويت وأجوائها الصيفية التي تتجاوز الـ 50 درجة مئوية أحيانا.
بدوره، كشف استشاري امراض الحساسية والمناعة بمركز عبدالعزيز الراشد لامراض الحساسية د.ناصر الاحمد عن ان «حبوب اللقاح» مثل نبات «الغضراف» و«الثيل» هي أكثر النباتات التي تسبب الحساسية التنفسية في البلاد، وهما من النبانات الصحراوية، مشيرا الى ان مواسم هذه النباتات معروفة، ولدى مركز الراشد للحساسية اختبارات دقيقة لتشخيصها.
وقال الاحمد: ان الحساسية بسبب حبوب اللقاح تأتي للشخص الذي لديه القابلية للتحسس، وتحتاج الى ثلاثه مواسم تقريبا حتى تولد حساسية جديدة، وهناك العديد من الأشخاص الذين لديهم حساسية تختفي لديهم أعراض الحساسية عند السفر، ولكن مع ذلك، قد تتولد لديهم حساسية جديدة إذا بقوا في هذا البلد لمدة ثلاثة فصول أو مواسم تقريبا، لافتا الى ان حبوب اللقاح عبارة عن بروتينات سكرية تتكون لأجل الاخصاب والتكاثر النباتي، مشيرا الى انه عند اكتمال نموها فإن معظم حبوب اللقاح تكون مكورة الشكل، ويتراوح قطرها بين 10 و30 ميكرومتر، علما ان سطحها يحتوي على نتوءات أو ندبات تعطيها خاصية الانتقال في الهواء الى مسافات بعيدة.
وأضاف: ان المرضى المصابين بأمراض الحساسية التنفسية يكون لديهم خلل ببرمجة الجهاز المناعي، حيث يقوم الجهاز المناعي بانتاج الاميونوجلوبيولين المناعي (E) والذي بدوره يتسبب في افراز الهيستامين ومواد كيميائية أخرى عند ملامسة سطح الأغشية المخاطية في الجهاز التنفسي لبروتينات تعتبر غير مؤذية مثل حبوب اللقاح وغيرها، وعما يشاع عن أن نبات «الكونوكاربس» هو المسبب لمرض الربو والحساسية، اوضح الاحمد أن قسم الحساسية بالمركز منذ سنوات قام بعمل دراسة على مجموعة من المرضى بعد أخذ عينات وإرسالها الى أحد مصانع اختبارات الحساسية، ووجدت الدراسة أن نسبة قليلة من المرضى لديهم حساسية تجاه نبات «الكونوكاربس».
وأشار الى أن هناك عدة عوامل أخرى تعمل على زيادة حدة أمراض الحساسية التنفسية، ومنها التبغ، الدخان، المواد الكيميائية، الروائح القوية، مواد الرش، أو التعرض للأدخنة الكيميائية والالتهابات الفيروسية المعدية والمجهود العضلي والرياضة وارتداد الحامض في المعدة إلى أعلى الحجاب الحاجز وبعض الأدوية والقلق النفسي والتعب الناتج عنه والتغيرات في حالة الطقس.
العواصف الرعدية
واعتبر الاحمد ان العواصف الرعدية من أهم المؤثرات على مرضى الربو وتعرف علميا بـ «Thunderstorm asthma»، وقد يظن الكثيرون أن نزول المطر يريح مرضى الحساسية التنفسية بسبب حبوب اللقاح، وذلك عن طريق غسل مياه الأمطار لحبوب اللقاح، ولكن هذه المعلومة ليست دقيقة، حيث ان الأمطار الكثيفة قد تتسبب في تدهور بعض مرضى الحساسية، لافتا الى ان «الربو» بسبب العواصف الرعدية يتكون عندما تحدث العاصفة أثناء الأوقات التي تصاحبها زيادة شديدة بالمحسسات الهوائية وكذلك زيادة في الرطوبة، علما بأن هذه العوامل الجوية بالاضافة الى زيادة ضغط الجو تؤدي الى تفتت حبوب اللقاح، ما يسهل دخولها الى رئة الشخص المصاب وبالتالي حدوث أعراض تنفسية شديدة.
وزاد: على الرغم من أن حبوب اللقاح هي أكثر مسبب للربو بسبب العواصف الرعدية، الا أن حبيبات الفطريات والمنتشرة في الهواء الخارجي لها دور مهم أيضا، كما ان حبوب الفطريات تصل الى ذروتها في بعض المواسم وخصوصا في الشتاء، والتي بدورها تتفتت خلال العواصف الرعدية بفعل ضغط الجو الخارجي، ومن المهم معرفة أنه ليس جميع المصابون بالربو بسبب العواصف الرعدية يكونون مصابين بالمرض من قبل، الا ان العديد من هؤلاء المرضى يشكون فقط من حساسية أنفية موسمية، ونظريا تفتت المحسسات يسهل وصولها بكثافة الى الشعيبات التنفسية في الرئة، ما يؤدي الى إصابتهم بنوبة ربو، وهناك مؤثرات أخرى تؤدي الى الاصابة بالربو بسبب العواصف الرعدية، ومنها ارتفاع نسبة الرطوبة والحرارة بحدة وبفترات قصيرة، كما ان الربو بسبب العواصف الرعدية يعتبر ظاهرة طبية شائعة الحدوث في الدول الغربية، وخلال الأسبوع الماضي أدت هذه الظاهرة الى دخول الآلاف من المرضى الى المستشفيات مع حدوث العديد من حالات الوفيات في استراليا، وكذلك بالنسبة للعديد من الدول المتقدمة، اذ انه من الصعب تفادي حدوث تدهور في أعراض الربو في مثل هذه الظروف المناخية، علما انه افضل ما يمكن للمريض عمله لتفادي حدوث هذه الحالة هو اتباعه للخطة العلاجية الموصوفة من قبل الطبيب المعالج مع أخذ الأدوية بانتظام، وكذلك عمل فحوصات تنفسية وفحوصات حساسية بشكل دوري لتحديد أنسب علاج.
العلاج
وأشار الى ان العلاج الصحيح مهم، خاصة للمرضى الذين يشكون من مرض الربو، حيث ان هنالك العديد من الأدوية الوقائية وسريعة المفعول ذات الكفاءة العالية، علما انه من الأفضل أخذ هذه الأدوية احتياطا وقبل حدوث أعراض تنفسية، مبينا ان العديد من المرضى والذين لديهم ربو تحسسي كنتيجة لإصابتهم بأمراض الحساسية التنفسية يحتاجون الى أخذ تطعيمات خاصة لعلاج المحسسات لديهم، وتأتي هذه العلاجات «علاجات مناعية» بطريقة الابر تحت الجلد أو البخاخات تحت اللسان، ولها كفاءة عالية جدا بعلاج المحسسات الهوائية.
وللحصول على هذا النوع من العلاجات، ذكر الاحمد انه يجب عمل فحوصات دقيقة لمعرفة المحسسات لدى المريض وبالتالي تحديد مكونات العلاج، مؤكدا على ان أطباء الحساسية بالكويت اتخذوا العديد من الخطوات المتبعة عالميا، حيث يحصل مركز الراشد للحساسية على دعم غير محدود من قيادات وزارة الصحة للارتقاء بالخدمات المقدمة في مجال أمراض الحساسية في الكويت، مشيرا الى انه منذ إنشاء مركز الراشد لأمراض الحساسية في عام 1984 وهو يقدم خدمات متخصصة في أمراض الحساسية بمختلف أنواعها، حيث يعتبر المركز الوحيد للحساسية في الكويت على مستوى القطاعين الحكومي والأهلي، ويخدم جميع محافظات الكويت، ويستقبل المواطنين والوافدين على حد سواء، ويشارك أطباء الحساسية باستمرار في المؤتمرات وورش العمل الاقليمية والعالمية، وذلك من أجل تبادل الخبرات وتقديم آخر ما توصل اليه العلم للمرضى في الكويت.