-
صانع تاريخ الوطن ووالد المنظومة الخليجية
-
الإرادة الخليجية الواحدة والعزم المشترك يحافظان على المجلس ككتلة مؤثرة وفاعلة
«الكويت يشرفها استضافتكم والاحتفاء بكم بين أهلكم وإخوانكم» بهذه الكلمات توجه صاحب السمو الامير الشيخ صباح الأحمد الى إخوانه قادة مجلس التعاون في ختام قمة مسقط 2008، ليأتي الموعد وتفتح الكويت أبوابها وقلوبها لضيوف أعزاء قدموا الكويت متطلعين لتقدم ورخاء وخدمة قضايا المواطن الخليجي والعمل على تمتين واستقرار قضايا الأمتين العربية والإسلامية.
فمسيرة الكويت وتحديدا صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد مع مجلس التعاون مسيرة تاريخ عمرها سنوات طوال بدأت بذورها عام 1975 عندما توجه سموه لزيارة السعودية وعلق على أهمية إيجاد كتلة خليجية متماسكة، ثم تتالت الاجتماعات حتى أصبح يوم 4 فبراير 1981 يوما تاريخيا عندما اجتمع في الرياض وزراء خارجية كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان وقطر والكويت وأصدروا بيانا ختاميا أعلنوا فيه موافقتهم على إنشاء المجلس.
والد المنظومة الخليجية
وتفخر الكويت بأن سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد (رحمه الله) صاحب فكرة إنشاء مجلس التعاون الخليجي، وبأن صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد هو والد مشروع المنظومة الخليجية، ولاتزال القيادات والأوساط الخليجية تذكر عند إعلان ميثاق المجلس عندما قال وزير خارجية المملكة العربية السعودية الامير سعود الفيصل أمام الصحافيين بعد انتهاء مؤتمر وزراء الخارجية في الرياض: «أمامكم أبو المشروع»، مشيرا الى صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الذي كان حينها نائبا لرئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية، حيث قرر الوزراء حينها اختياره لرئاسة اجتماع الرياض تقديرا منهم لذلك.
وذكر صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد في تصريح نشر في ذلك الوقت ان الفكرة ولدت في عقل وضمير سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد منذ كان وزيرا للمالية وانه فاتح إخوانه قادة الخليج العربي بما تراه الكويت من تصور فحظيت تلك الرؤية بالموافقة بإجماع الآراء.
فصاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد يعد واحدا من دعاة قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية، إذ كان له دور ايجابي منذ السنوات الأولى من عقد السبعينيات في الدعوة الى التعاون بين دول الخليج العربي في كل المجالات السياسية والاقتصادية والإعلامية والتربوية، ويحسب له نجاحه في وضع الكثير من نصوص الاتفاقيات والمعاهدات الثنائية مع دول الخليج العربية عقب استقلالها وظهورها في الساحة الدولية، وما لبثت تلك الاتفاقيات والمعاهدات الثنائية ان تحولت الى معاهدات جماعية بين أكثر من دولتين. وكان عقد تلك الاتفاقيات نابعا من إدراكه بأهمية التنسيق الاقتصادي والثقافي والإعلامي والتربوي بين دول الخليج.
وقد ظل صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد خلال عقد السبعينيات وفي أعقاب استقلال دول الخليج العربية، يدعو الى أهمية التعاون بين تلك الدول، وتوحيد الإرادة السياسية فيما بينها من باب حماية الذات والمصير المشترك، كما كان يرى ضرورة توافر قوة الردع العسكري موصولة بالطاقة القتالية العربية كلها، ولتحقيق ذلك فإنه يتحتم إزالة الخلافات والترسبات القديمة بين دول المنطقة وإيجاد حلول عادلة للمشكلات الحدودية القائمة فيما بينها.
وقد علق سموه أهمية كبرى على المملكة العربية السعودية في إيجاد كتلة خليجية عربية متماسكة، ومن اجل ذلك كانت زيارته الرسمية للمملكة في أغسطس 1975، حيث عني في تلك الزيارة، ومن خلال المباحثات التي أجراها مع المسؤولين السعوديين، بتشكيل لجنة سعودية ـ كويتية مشتركة تجتمع دوريا لبحث الأمور التي تهم الدولتين بصفة خاصة، وتهم المنطقة بصفة عامة، ومن اجل التنسيق بين دول الخليج كان يرى أهمية الدعوة لعقد مؤتمر قمة خليجي على ان تتولى الدعوة لعقد هذا المؤتمر كل الدول الخليجية مداورة.
وكان سموه حريصا على قيام كتلة خليجية تشترك فيها جميع دول المنطقة، كما بدا ذلك في الاجتماع الذي عقد في مسقط في عام 1976، وحضره وزراء خارجية دول الخليج جميعها لمناقشة قضية الأمن في الخليج.
وفي كلمة سموه التي ألقاها أمام مؤتمر وزراء خارجية دول عدم الانحياز المنعقد في نيودلهي في فبراير 1981، كان تأكيده على إيمان دول الخليج العربية بضرورة إرساء أسس التعاون بينها في مختلف المجالات بما يخدم مصالح شعوبها، ولن يتحقق ذلك إلا بوجود تماسك فيما بينها يؤدي الى تعزيز السلام والرخاء والاستقرار في المنطقة دون تدخل أجنبي، وبعيدا عن جميع اشكال الصراعات الدولية والإقليمية.
وإدراكا من صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد لأهمية توثيق الروابط بين مجلس التعاون الخليجي وبين التكتلات الاقتصادية الإقليمية والعالمية، خاصة مجموعة الدول الأوروبية، كان دوره واضحا في تأسيس المجلس الوزاري المشترك بين دول مجلس التعاون والمجموعة الأوروبية، إذ كان من رأيه ان التعاون الاقتصادي بين الجانبين سيؤدي الى تعاون سياسي بينهما، ما يساعد على تحييد منطقة الخليج. وفي الكلمة التي ألقاها في مؤتمر الحوار الأوروبي ـ الخليجي المنعقد في مسقط في 17 مارس من عام 1990، أوضح فيها ان المجلس الوزاري المشترك يجسد الحرص على تعميق وتأصيل الروابط الاقتصادية والتجارية بين المجموعة الأوروبية ومجموعة دول مجلس التعاون الخليجي.
بناء الأمة
واعتبر صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الاحمد في تصريح له عام 1981 اثناء لقاءات وزراء الخارجية الخليجيين بالسفراء العرب ان خطوة إنشاء مجلس التعاون تشكل ركنا في بناء الأمة العربية وخطوة ايجابية لتدعيم أهدافها، وقال: انه لمن دواعي السعادة ان وفقنا الله الى تحقيق هذه الخطوة المباركة، على طريق التضامن والتعاون والتنسيق الخليجي، الذي يشكل في حد ذاته، دعما لأهداف أمتنا العربية المتطلعة لإثبات دورها، وأساسا متينا للأجيال المقبلة، لكي تبني مستقبلا أفضل في ظل الأمن والاستقرار.
وفي حديث آخر لسموه عام 1983 اعتبر ان تشكيل مجلس التعاون بين 6 من دول الخليج العربية يدل على اهتمام المسؤولين فيها بمصالح شعوبهم أمام التيارات المتصارعة التي تسعى للإضرار بتلك المصالح.
واعتبر سموه ان المجلس الذي يضم الكويت والمملكة العربية السعودية وقطر ودولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان والبحرين يشكل دعما وقوة لصالح المنطقة ولصالح الأمن والاستقرار فيها لأنه جاء ليدفع مسيرة التعاون بين دولها دفعة قوية الى الأمام.
وأعرب صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد عن اعتقاده بأن المجلس يستطيع ان يواجه التحديات التي تهدد وحدته وتريد الإضرار به وبمصالحه في اي مجال من المجالات.
خامس القمم
فبعد أعوام 1984 و1991 و1997 و2003 تستعد الكويت لاستقبال قادة المجلس للمرة الخامسة في تاريخها وللمرة الاولى برئاسة صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد كأمير للبلاد الذي وصف انعقاد إحدى القمم السابقة بأنه عبارة عن لقاء الخير لأصحاب الجلالة والسمو الذي يتطلع إليه بتفاؤل وأمل أبناء دول المجلس باعتباره مناسبة تاريخية تلتقي فيها إرادة أصحاب الجلالة والسمو على الخير ليتواصل البناء في هذا الصرح الخليجي الذي يجسد آمالهم وتطلعاتهم في تحقيق التلاحم والانطلاق بمسيرة عملنا المشترك الى آفاق أرحب نتمكن معها من الوفاء بمتطلبات الأمن والاستقرار لدولنا والرخاء والتقدم لأبنائنا.
كفاءة ومقدرة
ويؤكد صاحب السمو الأمير ان مجلس التعاون الخليجي «أثبت طوال السنوات الماضية كفاءة ومقدرة عالية في التعامل مع الأزمات والصعاب التي واجهناها سواء في حقبة الحرب العراقية ـ الإيرانية، او في التجربة المرة التي نجمت عن الاحتلال الصدّامي الغاشم للكويت، او خلال الفترة الحالية من التطورات العالمية».
وأرجع صاحب السمو الأمير نجاح مسيرة مجلس التعاون الى الإرادة الخليجية الواحدة والعزم المشترك ككيان خليجي واحد، فالأمر بالنسبة لسموه كما قال في احد تصريحاته «ليس هناك موقف سعودي وآخر بحريني وآخر كويتي، بل موقفنا موقف واحد».
ويحمل سموه من بين ما يحمل «هما كبيرا» هو استقرار منطقة الخليج باعتبار الكويت إحدى لبناتها الفاعلة والمتأثرة بأي اهتزازات فيها، ولذلك حرص سموه على تأسيس وتمتين العلاقات الخليجية ـ الكويتية من منطلق الأخوة الحقة والمساعدة المشتركة بين الأشقاء بغية تأمين المصالح الخليجية جمعاء.
فسلامة منطقة الخليج أولوية بالنسبة لسموه للمحافظة على المجلس ككتلة مؤثرة وفاعلة.
جولة خليجية
ومع تولي سموه مقاليد الحكم قام بجولة خليجية، أجرى خلالها محادثات مع قادة المجلس تناولت العلاقات الأخوية المتميزة وسبل تعزيزها وتطويرها، اضافة الى عدد من القضايا التي تهم دول مجلس التعاون الخليجي وتبادل وجهات النظر حول آخر المستجدات والتطورات على الساحتين الإقليمية والدولية.
ووصف جولته الخليجية بالمثمرة والناجحة على جميع الأصعدة، مشيرا الى ان مباحثاته ومشاوراته مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي حول آخر التطورات والأحداث في المنطقة استهدفت الرؤى والأهداف المشتركة.
وخلال هذه الجولة، قام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بتقليد صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد قلادة الملك عبدالعزيز، وقام ملك البحرين حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة بتقليد سموه وسام الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة من الدرجة الممتازة، وقام الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير قطر بتقليد سموه قلادة الاستقلال، وقام الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الإمارات العربية المتحدة بتقليد سموه وسام زايد، وذلك تقديرا لصاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد وللدور البناء الذي قام به في خدمة القضايا العربية وقضايا مجلس التعاون لدول الخليج العربية، اضافة الى دعم مسيرة الإخاء والتعاون بين الكويت وهذه الدول.
أسس ثابتة
فتاريخ الخليج العربي يشهد لصاحب السمو الأمير على إنجازاته واقتراحاته وديبلوماسيته وحكمته ورؤيته. ففي أعقاب الانسحاب البريطاني منه شغلت مشكلة الأمن في الخليج جانبا كبيرا من جهود واهتمامات صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد منذ ان قررت بريطانيا الانسحاب من الخليج العربي، وخلال الفترة من نهاية 1971 حيث أنهت بريطانيا وجودها العسكري في الخليج، وحتى العام 1990 واحتلال العراق للكويت، ارتكزت سياسة سموه على أسس ثابتة فيما يتعلق بأمن الخليج وكان له موقف من أزمة الطاقة التي أعقبت حرب 1973 عربيا وخليجيا، وفي سبتمبر 1981 أعلن من منبر الأمم المتحدة ان مسؤولية الأمن والخليج تقع على عاتق دوله فقط، ودفع في اتجاه توثيق التعاون الخليجي وعول على السعودية في إيجاد كتلة خليجية متماسكة واعتبر قيام مجلس التعاون الخليجي خطوة كبرى ومهمة، وكان له دور في التصدي للاتهامات التي وجهت للمجلس ودفع في اتجاه توثيق الروابط بين المجلس والتكتلات الاقتصادية الإقليمية والعالمية ولعب دورا في تأسيس المجلس الوزاري المشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي والمجموعة الأوروبية.
فوحدة الصف الخليجي والعربي ظلت هدفا أساسيا لرؤية صاحب السمو الأمير الذي حمل في عباءته عشرات المبادرات التي ارتقت بمسيرة المجلس ومكنته من مواجهة مختلف الأزمات التي عصفت بمنطقتنا ليبقى صرحا شامخا موحدا بوحدة أبنائه.