بيان عاكوم
لاشك في ان لمجلس التعاون أهمية بالغة لما يشكله من نقطة التقاء لدول الخليج العربية ومركز أساسي للتحاور والتناقش وتبادل الآراء بما يصب في مصلحة وشعوب المنطقة الخليجية، حتى ان هناك من يرى ان صمود مجلس التعاون أمام ما شهدته المنطقة من خلافات وحروب وحده انجاز كاف على اعتبار ان المنظومة العربية الوحيدة التي استمرت ونجحت على المستويين الاقتصادي والسياسي.
وبما ان الدورة الثلاثين للمجلس الأعلى لدول الخليج العربية ستكون على أرض الكويت أصدرت وكالة الأنباء الكويتية (كونا) كتابا بهذه المناسبة حمل عنوان «قمة الكويت والطموح الخليجي».
وقسم هذا الكتاب الى ثمانية محاور لعدد من الكتاب والأكاديميين من جامعة الكويت ومراكز أخرى، حيث تم خلال هذه المحاور عرض الأهداف الأساسية من قيام مجلس التعاون، واستعراض المراحل الأساسية اللازمة لتحقيق وانجاز التكامل الاقتصادي والذي تهدف من ورائه دول الخليج الى تحقيق الحرية الاقتصادية من خلال القضاء على التعرفة الجمركية وجميع المعوقات والقيود أمام حرية تدفق السلع والخدمات وعناصر الإنتاج بين دول مجلس التعاون الخليجي.
وتحدث في هذا المحور عن الإنجازات التي حققها المجلس على هذا الصعيد من خلال الاتفاقية الاقتصادية الموحدة التي أقرها المجلس عام 1981 وذلك لتحقيق العمل الاقتصادي المشترك ورسم مراحل التكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء التي شكلت نواة العمل التي انطلق منها الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة ومنذ تفعيل المنطقة الحرة وإقامة الاتحاد الجمركي أوجد ذلك مزيدا من الحرية في انتقال السلع والخدمات دون أي قيود جمركية.
وقد اعتبرت خطوات اقرار السوق الخليجية المشتركة عام 2007 من الخطوات المهمة على صعيد تحقيق التكامل الاقتصادي، ويشير الكتاب الى ان مبدأ المواطنة الخليجية تطور بعد اقرار السوق الخليجية ليشمل مسارات عدة منها حرية التنقل والإقامة والمساواة بين مواطني المجلس في مزايا العمل بالقطاعات الحكومية والأهلية، الى جانب حرية تملك العقار وسهولة تنقل رؤوس الأموال، كما أدت إقامة منطقة تجارية حرة والاتحاد الجمركي والسوق المشتركة الى ارتفاع حجم التجارة البينية لدول مجلس التعاون من 6 مليارات عام 1983 إلى 53 مليار دولار عام 2007. وتطبيقا لمتطلبات السوق المشتركة والمواطنة يتم حاليا استكمال آلية توحيد جوازات السفر لمواطني المجلس وتوحيد المعلومات الأساسية للبطاقة المدنية لاستبدالها ببطاقات ذكية موحدة تستخدم للتنقل بين الدول، وتطبق الآن البطاقة الموحدة في البحرين والسعودية وعمان.
تحديات تواجه المجلس
إلا انه بالرغم من ذلك ذكر الكتاب ان هناك تحديات كثيرة تواجه مجلس التعاون من نواح اقتصادية مختلفة اعتبارا من ان هذه الدول أحادية الموارد، ولابد لها من وضع مصادر ووسائل بديلة لتنويع اقتصاداتها لإيجاد فرص عمل للعمالة الوطنية. وإلى جانب ذلك هناك تحديات اجتماعية وتعليمية بسبب تزايد النمو السكاني وهجرة العقول ورؤوس الأموال مما يستدعي مواجهة ذلك الى جانب خلق مناخ استثماري وتشريعي قادر على جذب المستثمرين وتوطين رؤوس الأموال، كما ركز الكتاب على ضرورة مراجعة الإنجازات لأن هناك تحديات جديدة تواجه دول المنطقة.
الخليجي والتكتلات العالمية
وفي محور «دول الخليج والتكتلات العالمية» سلط الكاتب الضوء على هدف دول الخليج من الدخول في مفاوضات مع التكتلات العالمية للتوصل الى إنشاء مناطق للتجارة الحرة، وذلك لتعزيز علاقاتها التجارية مع تلك التكتلات من أجل الحصول على معاملات تفضيلية للصادرات والاستثمارات الخليجية المتدفقة على هذه الدول. وذلك نظرا لأهمية التكتلات في الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية، خصوصا بعد حصول التحولات في النظام التجاري العالمي بعد سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1990.
وتحدث الكاتب بشكل مفصل عن المفاوضات بين مجلس التعاون والدول والتكتلات الاقتصادية، مشيرا الى مفاوضات المجلس لإنشاء منطقة تجارة حرة مع الصين وباكستان والهند وتركيا واليابان واستراليا ورابطة جنوب شرق آسيا (الآسيان) الى جانب المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي.
ورأى الكاتب ان النتائج في هذا الإطار متواضعة ولم توقع دول المجلس أي اتفاقية تجارة حرة نهائية الا مع لبنان، مرجعا الأسباب الى وجود تفاوت بين دول المجلس في نظمها وتشريعاتها ورؤيتها للانفتاح على العالم وعدم تكافؤ الموازين بين دول التعاون والتكتلات التي تتفاوض معها. كما رأى ان للأزمة الاقتصادية العالمية تأثيرا على سير المفاوضات، متحدثا عن عوامل سلبية وأخرى إيجابية لذلك.
وقدم الكاتب بعض التوصيات للتركيز على حجم اقتصاد الدول وعدد سكانها ومتوسط دخلها وحجم التبادل التجاري وحجم الاستثمارات الخليجية المتوقع دخولها لهذه الدولة أو التكتل.
مشروع الطاقة النووية السلمية
ومن ثم تطرق الكتاب الى المبادرة التي تقدمت بها الكويت عام 2006 بخصوص تنفيذ برنامج مشترك لاستخدام الطاقة النووية بين دول مجلس التعاون على ان يكون هذا المشروع سلميا وعلنيا ويتوافق مع العهود الدولية.
وتحدث الكاتب عن أسباب سعي دول التعاون لامتلاك طاقة نووية، مشيرا الى انه لا يمكن الاعتماد على النفط الى الأبد، كما يؤدي الى بناء جيل من العلماء والفنيين القادرين على إدارة المفاعلات النووية الى جانب أسباب أخرى منها التصاعد في معدلات استهلاك الطاقة المحلية وارتفاع معدل النمو السكاني وندرة المياه العذبة وتذبذب أسعار النفط.
وبيّن الكاتب ان الفريق الخليجي تمكن من اعداد دراسة جدوى أولية بالتنسيق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية حيث ركزت الدراسة على تلبية الاحتياجات الأساسية والمستقبلية للثلاثين عاما القادمة.
الإعلام الخليجي والتنمية
المحور الخامس في الكتاب تحدث عن الإعلام الخليجي والتنمية، حيث تطرق الكاتب الى مكونات الإعلام الخليجي من صحافة واذاعة وتلفزيون ومسرح وسينما وملكية الإعلام، حيث لفت الكاتب الى ان الصحافة معظمها في الخليج تعود لملكية خاصة، اما الإذاعة فمعظمها تملكه الحكومة مباشرة، والمحطات التلفزيونية كانت حكومية والآن المحطات الخاصة أصبحت تفوق الحكومية عددا وحضورا لدى الجمهور.
وتحدث الكاتب عن هامش الحرية في الخليج، مشيرا الى ان الكويت تأتي في الصدارة لأعلى معدل هامش حرية تتمتع به أي صحافة في العالم العربي.
ورأى ضرورة ان تساهم وسائل الإعلام في تنمية المجتمع من خلال الوفاء بالمعايير الدولية المعتمدة بشأن دور الإعلام في النظام الاجتماعي.
الربط الكهربائي
يركز محور الربط الكهربائي على الفوائد المرجوة منه، حيث أشار الكاتب الى ان مشاركة الدول في احتياط التوليد يخفض احتياطي قدرات التوليد الى نصف الاجمالي المطلوب، والى جانب ذلك يحقق الربط المساندة الاستراتيجية والاستغناء عن بناء محطات توليد تزيد قدرتها على 5000 ميغاواط وتوفير أسس تبادل الطاقة بين الدول، وتقليل الاستثمارات اللازمة للطاقة الكهربائية.
ثم تحدث الكاتب عن المراحل التي اعتمدها مجلس دول التعاون لتنفيذ المشروع.
المرأة والتنمية
تضمن المحور السابع الحديث عن المرأة والتنمية، حيث تحدثت الكاتبة بداية عن المرأة والتنمية من منظور دولي ومن منظور العالم العربي ومن ثم في دول مجلس التعاون. وبالرغم من إشارتها الى تأخر المرأة في هذه الدول عن غيرها في مسيرة التعليم والعمل والمشاركة السياسية الا انها استطاعت ان تحجز مكانا لها ضمن الصفوف الأولى التي تحمل لواء التنمية في دولها على مختلف المستويات، كما قسمت الكاتبة دراستها الى ثلاثة محاور، الأول: يتعلق بالمرأة والتعليم في دول الخليج، حيث أشارت الى التطور الذي حققته المرأة في السعودية وولوج مجال التعليم، وكذلك في غيرها من الدول كعمان مثلا.
اما المحور الثاني: فتحدثت فيه عن المرأة والعمل في دول الخليج مشيرة الى نماذج مشرقة في مجال عمل المرأة في دول الخليج واثبات نفسها وقدراتها وتحقيق الكثير من الإنجازات.
اما المحور الثالث: فهو عن المرأة الخليجية والمشاركة السياسية وأعطت مثالا عن المرأة البحرينية التي تعد نموذجا مميزا للمرأة الخليجية المكافحة.
وتحدثت مطولا عن مسيرة المرأة الكويتية في هذا المجال ومعاناتها طوال سنوات عديدة ومحاولاتها للحصول على حقوقها السياسية مقسمة تاريخ مطالبات المرأة بحقوقها السياسية الى أربع مراحل تبدأ في السبعينيات لحين 2005 حيث اقر البرلمان الكويتي الموافقة على إعطاء المرأة حقوقها السياسية، وبعد تجربة لم تحقق فيها الفوز منذ عام 2006 استطاعت ان تحقق ذلك عام 2009 وتفوز 4 نساء بعضوية مجلس الأمة، كما تحدثت الكاتبة عن تجربة المرأة الكويتية في توليها للحقائب الحكومية.
التعليم والصحة والتنمية
المحور الأخير في الكتاب تحدث عن التعليم والصحة في دول التعاون، حيث اشارت الكاتبة الى اهتمام القياديين في دول التعاون بهذا الجانب حيث عملت دول الخليج على اعداد بعض المشروعات التربوية التي من شأنها ان تعمل على تطوير شامل للتعليم.
وعن القطاع الصحي رأت الكاتبة ان دول المجلس حققت الكثير من الإنجازات في هذا الجانب مؤكدة حرص دول التعاون مجتمعة على وضع استراتيجيات موحدة للتخطيط الصحي ومكافحة الأمراض والأوبئة منها انفلوانزا h1n1.
الا ان الكاتبة أوردت بعض التحديات التي تواجهها دول الخليج في قطاع التعليم حيث انه لم يعد يؤمن الوظائف المطلوبة للشباب، وبالتالي هناك اجماع على تغييره، اما بخصوص القطاع الصحي فإن التحديات التي تواجهه تتمثل في ارتفاع تكاليف الخدمات الصحية وارتفاع مستوى توقعات الشعوب لخدمة صحية أفضل ووصول أسرع للخدمة.
الدعيج: القمة لبنة في مسيرة المنظومة الخليجية
يعقد قادة مجلس التعاون لدول الخليج العربية في ديسمبر 2009 القمة الخليجية الثلاثين على أرض الكويت، هذه القمة التي ستقطف من خلالها دول المجلس مؤسسات وأفرادا ثمار ما اتخذته القمم السابقة من قرارات، وقد تجسدت على أرض الواقع ركائز عدة للتعاون من أجل دفع عجلة التنمية الخليجية الاقتصادية والاجتماعية التي طالما تطلعت اليها شعوب دول الخليج.
وتأتي هذه القمة وقد احتلت منظومة مجلس التعاون الخليجي مكانة متميزة على المستويين العربي والدولي منذ انطلاقتها في مطلع ثمانينيات القرن الماضي لما لها من سجل مشرف تجاه القضايا الاقليمية والدولية والتي كانت تمثل لها تحديا سياسيا وأمنيا حقيقيا الا ان تجانس منظومة المجلس قد مكنها من اجتياز تلك التحديات بكل اقتدار.
كما سعى مجلس التعاون الخليجي الى استحداث مفهوم المواطنة الاقتصادية الخليجية الذي يقوم على منح مواطني الدول الأعضاء جميع المزايا الاقتصادية ومعاملتهم المعاملة الوطنية في أي دولة من الدول الأعضاء. وقد جاء هذا الانجاز بعد ان سخرت دول المجلس امكانياتها وطاقاتها لتهيئة الأرضية المشتركة لإقامة مؤسسات اقتصادية عدة مثل السوق الخليجية المشتركة والاتحاد الجمركي الخليجي.
وقد قطع مجلس التعاون الخليجي شوطا كبيرا في تنفيذ الاتحاد النقدي الخليجي وتبني عملة نقدية موحدة لما لها من منافع ايجابية على اقتصادات دول المجلس، ولتكون بمنزلة الأرضية الصلبة التي يقف عليها مجلس التعاون الخليجي لتوطيد علاقاته بالدول والتكتلات الاقتصادية الأخرى والدخول في مفاوضات تجارية لفتح الأسواق العالمية امام صادراته واستثماراته الخارجية.
كما خطا مجلس التعاون خطوات حثيثة نحو التنمية المستدامة مؤكدا بذلك تلاحمه وترابطه وتكاتفه لدفع عجلة التنمية في جميع المجالات، فعلى سبيل المثال وليس الحصر ستحتفل القمة الخليجية الثلاثون بتدشين مشروع الربط الكهربائي بين دول المجلس على نحو يحقق الفائدة والنفع على شعوبها.
وإيمانا بدور وكالة الأنباء الكويتية (كونا) وما تقوم به من مواكبة لأحداث هذه القمة الخليجية التي تفخر الكويت باستضافتها للمرة الخامسة منذ انشاء مجلس التعاون الخليجي، فقد ارتأينا ان يشاركنا هذا الاصدار نخبة من الأكاديميين المتخصصين في قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية لطرح آرائهم وتصوراتهم حول عملية بناء الإنسان الخليجي.
ان انعقاد القمة الخليجية الثلاثين على أرض الكويت وما يتمخض عنها من قرارات سيضيفان بلا أدنى شك لبنة جديدة في مسيرة بناء هذه المنظومة الخليجية التي نتطلع اليها لتحقيق طموحات وآمال شعوب دول المجلس.