بقلم: د.وليد حمد الموسى السيف
تحتضن الكويت مؤتمر القمة لمجلس التعاون للدول الخليج العربية الثلاثين في ظل تحديات اقتصادية وسياسية حقيقية غير مسبوقة ذات طابع محلي اقليمي دولي تتطلب اقصى درجات التعاون بين اصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون الخليجي في سبيل ابعاد الآثار السلبية عن شعوبهم.
ان من اهم القضايا والتحديات التي تواجه دول مجلس التعاون الخليجي هي الازمة المالية العالمية وتداعياتها لمختلف القطاعات الاقتصادية والمالية المختلفة. ان جميع دول التعاون الخليجي تأثرت بدرجات متفاوتة بتلك الازمة واجتهدت الحكومات بوضع اجراءات لحماية قطاعاتها المصرفية وشركاتها ودخل مواطنيها. وعلى الرغم من ذلك لايزال شبح هذه الازمة يخيم على دول المنطقة والدليل على ذلك ما حدث مؤخرا لكبرى شركات حكومة دبي، وتدهور اسعار اسهم بورصات دول الخليج، وتوقف المشاريع التنموية وتعثر بعض الشركات الصغرى والمتوسطة لعدم توافر مصادر التمويل.
ان هذه القضايا تتطلب وقفة من حكومات مجلس التعاون تتلخص في زيادة انفاقها الاستثماري وتوفير الدعم والضمانات لتلك الشركات العاملة للتسهيل لها في الحصول على قروض وتسهيلات بنكية بتكلفة منخفضة وتأمين نجاحها في اجتياز هذه الازمة، لاسيما ان هناك فوائض في الايرادات النفطية تمكن دول المنطقة من توفير ذلك الدعم والضمانات. وقد أثبتت التجربة الفعلية للدور الحيوي الذي قامت به حكومات دول الاقتصاد الحر وكيف تمكنت من تجاوز هذه الازمة أو التخفيف من اعراضها. وتجدر الاشارة الى ان احد متطلبات المستثمر الاجنبي في دول مجلس التعاون الخليجي هو جدية الحكومات في دعم مؤسساتها الاقتصادية وشركاتها التجارية والمالية وخفض تكلفة المخاطر التي تتعرض لها. وأي تصريح رسمي حكومي بعدم التدخل في دعم تلك المؤسسات سيحرم الدولة من الاستثمارات الاجنبية وحتى المحلية في المستقبل.
القضية الثانية هي التركيبة السكانية لدول مجلس التعاون الخليجي حيث ان الاحصائيات السكانية تشير الى التقلص السنوي المستمر في نسبة المواطنين في اجمالي السكان نتيجة لتدفق الوافدين المتنامي دون ضوابط أو خطة. ان التداعيات الوخيمة لهذه الظاهرة بدأت تبرز وبشكل واضح اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا. ففرص العمل للمواطنين بدأت في الانحسار، وصول استهلاك الكهرباء والماء الى معدلات غير مسبوقة، بات الاكتظاظ المروري في ساعات الذروة أمرا لا يطاق، اما المشاكل الاجتماعية والامنية فلا حصر لها وهي معروفة لدى الجميع. لهذا فإن من الضروري ان يتم تقنين قدوم العمالة الوافدة وفقا لخطة مدروسة آخذين بعين الاعتبار الطاقة الاستيعابية لمرافق الكهرباء والماء والطرق.
القضية الثالثة هي البطالة، حيث تعاني دول مجلس التعاون الخليجي وبدرجات متفاوتة من مشكلة البطالة الحقيقية على الرغم من الفوائض النفطية والتوسع الملحوظ في اعداد الجامعات. ونعني بالبطالة الحقيقية هي التوقف عن العمل أو عدم توافر فرص العمل لشخص قادر عليه وراغب فيه لفترة طويلة من الزمن تزيد على عام، وهذا النوع من البطالة يختلف عن البطالة المقنعة المتفشية في القطاع العام في الدول الخليجية ومعناها زيادة عدد العاملين عن حاجة العمل الفعلية. والبطالة الحقيقية أصبحت ظاهرة تصيب الدول على الرغم من تحقيق النمو والانتعاش الاقتصادي كدول مجلس التعاون الخليجي ويتطلب الامر علاجا لهذه الظاهرة من خلال تشغيل العاطلين عن العمل في المؤسسات الاقتصادية وتدريب كل من يحتاج الى تأهيل أو اعادة تأهيل حتى يتحول العاطل الى انسان منتج وفعال في الدورة الاقتصادية، غرس «ثقافة العمل» في نفوس الشباب الخليجي في مرحلة دراستهم في المعاهد والجامعات وقبل تخرجهم وتفرغهم للعمل، وهذا المقترح يشغل ذهن الشباب الخليجي في امور تدر عليهم بالخير والمنفعة. أما الشباب الخليجي في الوقت الحاضر، فهناك شريحة منه تعيش في عالم الترف واللامبالاة والاستهتار، فهي مستهلكة لا منتجة، وشريحة اخرى تعاني من الفراغ الذهني الذي يسهل على اصحاب النفوس الفاسدة توجيههم الى عالم الشر كالمخدرات والارهاب والاجرام التي عانت ولا تزال تعاني منها دول مجلس التعاون الخليجي، لهذا نتطلع من القادة واصحاب الجلالة والسمو زيادة الاهتمام بالشباب الخليجي وفتح فرص العمل اثناء الدراسة وبعد تخرجهم ويكون هذا القرار حصنا منيعا وسيفا رادعا بوجه أصحاب النفوس الفاسدة التي تغرر بشباب الخليج كل يوم وترميهم في التهلكة.
القضية الرابعة ـ الاكبر اهمية ـ هي فصل التنمية الاقتصادية الخليجية عن السياسة. الجميع يعلم ان الاقتصاد والسياسية لا يلتقيان في جميع الاحوال. وهناك العديد من الوقائع التي استخدم الاقتصاد كأداة لتنفيذ سياسة «عقابية» بين بعض دول مجلس التعاون. كما ان الكل يعلم ان نجاح مشروع السكك الحديدية بين دول مجلس التعاون مرهون «بالانسجام السياسي» فيما بينها. فلا يجوز ان تتوقف القطارات وتعطل المصالح التجارية وتمنع من الدخول لدولة خليجية بسبب نقد أو اختلاف سياسي في وجهات النظر صادر من احد المسؤولين في دولة مجاورة.
انه من الضروري معالجة القضايا السياسية بأدوات سياسية فقط اذا كنا نريد ان نعمق مفهوم كلمة «التعاون» في اسم مجلس التعاون الخليجي. واذا يرى المسؤولون ان هذا الرأي يصعب تطبيقه والالتزام به على ارض الواقع، فمعنى ذلك ان التكامل أو الترابط الاقتصادي الخليجي الذي ينشده قادة الخليج وشعوبهم مجرد شعار غير قابل للتنفيذ وبالتالي ينصحون بحفظ هذه المليارات التي ستنفق على هذا المشروع. كما نرجو من حكومات مجلس التعاون ان تطلق حريات التنقل لرعايا دول مجلس التعاون الخليجي في بطاقة ذكية واحدة تستخدم كجواز خليجيا حتى لا تتأخر القطارات بسبب «اجراءات امنية في ادارة الجوازات».
وبعد هذا كله، فإننا نسأل الله العلي القدير ان يحفظ قادة دول مجلس التعاون الخليجي ويوفقها لما فيه الخير ويسدد خطاها ويمن على الشعب العربي الخليجي بالأمن والامان والرخاء ويقيهم شر الفتن والانقسام، ويجعل قمة الثلاثين في الكويت قمة التعاون الحثيث الصادق سالكين قوله تعالى في محكم كتابه: بسم الله الرحمن الرحيم (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) صدق الله العظيم.