المذكور: الإسلام يدعو إلى منع الاختلاط ويتفق مع تهيئة الأجواء لتطبيق الأحكام
النشمي: المفاسد الناتجة عن الاختلاط اجتماعية وتربوية لا تقاومها المصالح المادية
الكوس: نرجو أن يراجع الغامدي كلامه ويتراجع عنه لأنه لبس الحق بالباطل
الطبطبائي: الاختلاط بين الطلبة في المدارس والجامعات مخالف لمقاصد الشريعة
الجرمان: النبي صلى الله عليه وسلم حث النساء على أن يطفن ليلاً أو وهن راكبات تجنبا للاختلاط
النجدي: لماذا خصص النبي صلى الله عليه وسلم مجلساً للنساء دون الرجال وفرق بين صفوفهم في الصلاة؟
ليلى الشافعي - ضاري المطيري
أثارت التصريحات المشككة في تحريم الاختلاط بين الجنسين التي أطلقها رئيس هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية د.احمد الغامدي مؤخرا ردودا واسعة من العلماء والدعاة حولها اتفقت جميعها على رفضها واستهجانها، مؤكدين أن الشريعة دعت إلى فصل الرجال عن النساء كما في صفوف الصلاة ومجالس التعليم النبوي، ومنعت من الحديث بينهما دون حجاب لدرء الفتنة وصون المجتمع، كما استنكروا تهميشه واستخفافه بفتاوى العلماء العديدة التي تقضي بتحريم الاختلاط في مقاعد الدراسة والعمل، متسائلين كيف يمكن أن يسمح باختلاط الرجال بالنساء ويؤمروا بغض البصر في الوقت نفسه؟ داعين الغامدي إلى مراجعة كلامه. وابدى الدعاة استغرابهم: كيف تأتي مثل هذا التصريحات المضللة في وقت بدأت الأمم الغربية تعمل على الفصل بين الجنسين في المدارس نتيجة ما رأوا من مساوئ وويلات الاختلاط؟ «الأنباء» ألقت الضوء على بعض الآراء الفقهية حول هذه القضية، وفيما يلي التفاصيل:
أكد العميد السابق لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية د.عجيل النشمي ان الإسلام منع الاختلاط بين الرجال والنساء بعامة واعتبره أصلا، ورخص فيه في حدود معينة ووضع له قيودا، فرخص للنساء ان يحضرن مجالس العلم والصلاة مع الرجال في المساجد وجعل لهن مكانا خاصا ومنعهن من التبرج والزينة او ان تضع المرأة طيبا أو عطرا أو بخورا وغيره فقال صلوات الله وسلامه عليه «أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء» فأوجب مع ذلك غض البصر على الرجال والنساء فقال تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم... وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) وإنما قيد الإسلام رخصة الاختلاط مع القيود والضوابط المذكورة سدا لذريعة الفساد المحتملة فإن هي وقعت وجب منع التقاء الرجال بالنساء سواء في ذلك أماكن العبادة أو دور العلم وغيرها، وزاد د.النشمي: ولا يكابر أحد في ان الاختلاط الواقع في الجامعة خاصة وفي غيرها بعامة هو محل فتنة واقعة ولا ينفع معه وضع الضوابط الشرعية كما لا ينفع معه من باب أولى وضع اللوائح المنظمة لأماكن الجلوس وأوصاف الألبسة الى ذلك فإن باب الفتنة والذريعة اليها مفتوح وان لم يلجه الأغلب فإن الأقل قد يلجه ولا عاصم إلا الله.
وأكد د.النشمي ان من قواعد أحكام الشرع المقصود منها حفظ النفوس والأعراض ان «درء المفاسد مقدم على جلب المصالح» فمن قال ان الاختلاط يحقق مصلحة معتبرة فإنه لا يذكر غير المصالح المادية ولا شك ان المفاسد الواقعة والمتوقعة أخلاقية واجتماعية وتربوية لا تقاومها المصالح المادية وان القول ان منع الاختلاط يتعارض مع التقدم والحضارة نقول لا يحتاج في رده الى دليل إذ لا صلة بين الدعوى ونتيجتها.
وحول اختلاط المرأة بالرجال في العمل أكد د.النشمي انه لا يجوز الاختلاط في العمل ما لم تدع له طبيعة العمل كالتمريض والتطيب والتدريس ونحوه، أما في الوظائف الحكومية العامة فينبغي ان نفصل الرجال عن النساء ولا يستلزم العمل الاختلاط وهذا واجب ولي الأمر، وكذلك الوزير ومعاونوه إذا أمكنهم الفصل فهذا مطلوب منهم.
وحول قانون منع الاختلاط في الجامعات الذي اصدرته اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق احكام الشريعة الاسلامية قال رئيس اللجنة د.خالد المذكور: هذا القانون يتفق على تهيئة الاجواء لتطبيق الشريعة الاسلامية والاسلام يدعو الى منع الاختلاط.
وتابع نفرق بين الاختلاط في الجامعة والاختلاط في الاسواق، فالجامعة حرم تربوي والطالب يلتقي بالطالبة طوال اربع سنوات يجلسان على مقعد واحد وفي قاعة محاضرات وامتحانات واحدة، فربما يؤدي هذا الاختلاط الى نتائج سيئة بين الطلبة، وهذا ما يرفضه الاسلام وينهى عنه، اما الاختلاط في الاسواق وفي الشوارع او الطرقات فهو للحظات او دقائق.
مخالف لمقاصد الشريعة
ويتفق عميد كلية الشريعة والدراسات الاسلامية السابق د.محمد الطبطبائي مع د.المذكور في ان الاختلاط بين الطلبة مخالف لمقاصد الشريعة الاسلامية ولا يجوز شرعا.
وقال: لقد اثبتت الدراسات ان الاختلاط بين الطلبة والطالبات في المرحلة الجامعية وغيرها يعتبر احد العوائق امام التحصيل العلمي لديهم ولذلك نرى سعي الدول غير الاسلامية الى الفصل بين الطلبة والطالبات لاعتبارات تربوية وتعليمية، اما نحن المسلمين فلدينا من القواعد الشرعية التي تمنع الاختلاط وذلك لما يترتب عليه من المفاسد التي لا يعلم مداها الا الله.
فتاوى مفسدة
واوضح د.سعد العنزي ان الاختلاط نوعان، اختلاط في الاماكن العامة كالاسواق والاماكن المفتوحة فهذا لا شيء فيه والدليل على ذلك انه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانت المرأة تبيع في الاسواق واخريات يذهبن لقضاء حوائجهن ومنهن من تذهب للجهاد والتطبيب، هذا بصفة عامة وهذا ليس فيه حرمة ولكن الحرمة ما نشاهده الآن من جلوس الرجال والنساء في الجامعات لفترات طويلة وعدم الالتزام باحكام الشرع.
واكد د.العنزي ان فتح الباب لمثل هذه الفتاوى فيه ضرر كبير على العالم الاسلامي ونحن الآن نعاني الأمرين من الانفتاح على الغرب وتسلط الفضائيات والانسلاخ من ادبنا واخلاقنا الاسلامية ثم تجيء هذه الفتاوى لتزيد الطين بلة مما يسيء منهجها عند البعض او يتخذها الليبراليون حجة لمزيد من الانفتاح الى الشيطان.
وزاد: نقول هناك مقاصد للشريعة الاسلامية وهناك ايضا مفاسد ومصالح ولذلك دائما ننظر الى المقاصد العامة للاحكام الشرعية ولا بأس ان تخرج المرأة لقضاء حاجتها ولسد امورها الخاصة وهذا لا يعني الانفتاح على الجنس الآخر بالاختلاط في المدارس والجامعات حتى في العمل في المناطق المغلقة وهذا مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم تقول السيدة عائشة رضي الله عنها «كنا لا نخرج الا لقضاء حاجتنا» وتقول ام سلمة رضي الله عنها «كنا نخرج كالغربان لا يرى منا شيء».
واكد د.العنزي ان مثل هذه الفتاوى تضر بحالنا اليوم خاصة بعد فساد كثير من الاخلاق وذهاب القيم وسرعة تأثر الشباب بذلك.
وقال ان الغامدي بفتواه هذه يظهر فتنا جديدة زيادة على الفتن التي تظهر من آن لآخر آخرها من مفتي مصر وأخرى من شيخ الأزهر وغيرها.
كلام خطير
من جهته استنكر الداعية احمد الكوس فتوى الغامدي بقوله: هذا كلام خطير وهو اطلاق للأمر على عواهنه في اباحة الاختلاط عموما بين الرجال والنساء عندما قال انه ليس من الممانعين للاختلاط ولانه لم يكن موضوع مسألة لحكم شرعي كغيره في مسائل الفقه وهذا تلبيس والحاق الحق بالباطل ويخشى من هذا الكلام نشر الفتنة في العالم الاسلامي حيث سيفرح افراخ العلمانية والجهلاء واعداء الاسلام لهذا الكلام قبل المسلمين وعليه ان يتقي الله سبحانه ويتراجع عن كلامه خصوصا انه دكتور ويعرف المنهج العلمي وزيادة على ذلك انه رئيس هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والمفترض فيه ان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
واضاف: وردي ان استدلال د.الغامدي في احاديثه في غير محله واستدلال خاطئ وهو من قبيل انزال الاحكام في غير محلها فهناك احكام اصولية وقواعد مهمة واصول فقهية ينبغي استنباط الاحكام منها.
وزاد: وكذلك هناك مسألة خطيرة قالها د.الغامدي حين زعم ان مصطلح الاختلاط غير موجود وقال هو مصطلح طارئ وغير معروف عند المتقدمين وهذا كلام غير صحيح وهذا زعم خاطئ من د.الغامدي لان مصطلح الاختلاط موجود عند كل العلماء في كتب الفقه وفي كل العصور الاسلامية خاصة في المذاهب الاربعة ومن خلال الاحاديث.
وتابع: لدينا حديث في البخاري عن ابن جرير قال قلت لعطاء بن ابي رباح كيف يخالط الرجال النساء في الطواف فقال لم يكن يخالطن.
وكذلك في الصحيحين قال مسروق رضي الله عنه سمعت عائشة رضي الله عنها وهي من وراء الحجاب وكذلك في البخاري انها رضي الله عنها كان لها ستر في المسجد تكلم الناس وتسأل من ورائه، وهذا دليل على ان الصحابة والصحابيات ما كانوا يختلطون، واما في الجهاد فهو ضرورة للتطبيب وغيره وكذلك في الاسواق يكون لتقضية واجب ضروري ومع ذلك لابد ان تتحدث المرأة بأدب وان تلتزم بالزي الشرعي، وتأسف الداعية الكوس لقول د.الغامدي وقال لقد فتح الباب على مصراعيه وذلك فيه تلبيس الحق بالباطل ونرجو ان يتراجع عن كلامه حتى لا يفتح باب الشر على النساء والرجال وحتى لا يتخذ ذريعة في نشر الاختلاط في الجامعات والمدارس وفي ذلك نشر للفساد والباطل وقد قال الله تعالى: (ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة) ونحن نربأ بالغامدي عن ان يكون ذلك اجتهادا في غير محله.
وقال الإمام والخطيب في وزارة الأوقاف د.راشد العليمي قرأت مثلما قرأ الكثير من المسلمين الموضوع الذي تكلم به د.احمد الغامدي، وتمنيت لو كان الشيخ الفاضل عرض ما أراد قوله على هيئة كبار العلماء في المملكة أو استقى من فتاواهم، وهو قريب موضع وعهد بهم، نظرا لحساسية الكلمة الصادرة منه، لأنه يمثل جهة لها وزنها البالغ في المملكة العربية السعودية والتي نفخر ونسعد بوجودها في بلد الحرمين الشريفين، ولأهمية ما أصدره مع طبيعة عمله.
كما استنكر وصفه بمن يحرم الاختلاط بأنهم «قلة من العلماء»، متسائلا: هل هناك استقراء وإحصاء يثبت أنهم قلة؟ ومن هم أولئك القلة في مقابل الكثيرة المجيزة للاختلاط؟ وكذلك اتهامهم بانهم لم يعتبروا بالبراءة الأصلية، وأن ضجيج المانعين وأصواتهم ارتفعت، وأنهم لم يفقهوا معنى الاختلاط الموجود في أحاديثهم أو فتاواهم مما قد يفهم منه اللمز والهمز، خاصة إذا علمنا أنهم كثرة من العلماء الربانيين من أمثال هيئة كبار العلماء وفيهم سابقا سماحة العلامة ابن باز وابن عثيمين وابن جبرين رحمهم الله جميعا الذين أفتوا بتحريم الاختلاط.
نعم الاختلاط محرّم
بدوره، استنكر رئيس اللجنة العلمية بجمعية إحياء التراث الإسلامي د.محمد النجدي أن يأتي من بني جلدتنا ومن ينسب نفسه للعلم ليدعو إلى الاختلاط ويزينه ويتساءل عن حكمه ويطلب الدليل عليه؟ مجيبا عنه بقوله: نحن نقول له بكل صراحة ووضوح إن الذي نهى عن الاختلاط هو الله جل شأنه ورسوله الهادي الأمين صلى الله عليه وسلم، مشيرا إلى أن الشريعة جاءت بالفصل التام بين الجنسين، وهو ما سمي بالاصطلاح الحادث «منع الاختلاط»، وهو لفظ وإن لم يأت بهذا الاسم الذي أنكره هذا الرجل بجهله إلا أن الشريعة دلت عليه وعلى معناه وأرادته بغير شك ولا ريب، حيث جاءت الشريعة لصون المجتمع وحفظه من الفتن والشرور والرذائل، والعمل على تزكية المسلمين والمسلمات.
واستشهد النجدي بقوله تعالى (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن)، قائلا ان الله منع السؤال لهن إلا من وراء حجاب، أي يكون هناك حائل بين المرأة والرجل، وهذا هو منع للاختلاط، ذلك أن انجذاب الرجل إلى المرأة والعكس من القوة بحيث إذا لم يوضع هذا الحاجز خيف عليهما من الوقوع في المحرم، فالحجاب إذن مقصوده ستر محاسن المرأة عن الرجل، فلا يقع نظره على ما يفتنه منها، وأتم ذلك وأحسنه حجاب البيت، وهو قرارها في بيتها كما قال تعالى (وقرن في بيوتكن).
وتابع قوله انه لما كان من الضرورة أن تخرج المرأة في حاجاتها كان لها الإذن في ذلك، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذن لكن أن تخرجن لحاجتكن»، لكن بشرط الحجاب الذي يحقق لها الستر والصون، ولن يكون ذلك إلا بأمرين، بأن يكون الحجاب في نفسه يحقق الستر، وذلك أن يكون ساترا لكل البدن وواسعا لا يبدي شيئا من المفاتن، وصفيقا لا يشف عما وراءه، وأن تبتعد قدر الإمكان عن طريق الرجال ومخالطتهم والحديث معهم، فلا تتعرض لهم إلا بقدر الحاجة كبيع وشراء.
الحجاب بمعناه الحقيقي
وقال النجدي فإذا كان هذا هو معنى الحجاب فإن من يعترض على دعاة التبرج والسفور ولا يعترض على اختلاطها بالذكور إنما يأخذ من معنى الحجاب ظاهره وهو اللباس دون أن يتأمل المعنى الحقيقي للحجاب وهو منع افتتان الرجل بالمرأة والعكس بالنظر والكلام والاقتراب وصيانة المرأة من عدوان الرجل عليها، وكذلك كل من يفهم هذا المعنى من الحجاب، فلا يمكن أن يرضى للفتاة أن تشارك الفتى مقاعد الدراسة، ولا المرأة أن تشارك الرجل في مقاعد العمل.
وأشار النجدي إلى أن صفوف النساء كانت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في مؤخرة المسجد خلف صفوف الرجال، مؤكدا أن النساء كن يصلين على حدة مع بعضهن ولم يكن يشاركن الرجال في الصف أو يختلطن بهم، فلا نجد رجلا داخلا في صفوف النساء أو العكس، ولو كان الاختلاط مباحا لكانت صفوف الصلاة أولى وأحسن مكان لذلك، لأن المساجد أشرف البقاع حيث إن كل مصل إنما يأتي ليناجي ربه وليطلب منه الرحمة لا لأمر دنيوي.
وأضاف أنه صلى الله عليه وسلم جعل للنساء بابا خاصا فقال «لو جعلنا هذا الباب للنساء» فبقي هذا الباب بهذا الاسم إلى يومنا هذا في مسجده النبوي الشريف، ومنها أنه صلى الله عليه وسلم جعل للنساء يوما خاصا يأتيهن فيه ليعلمهن أمور دينهن، متسائلا لماذا لم يجمع النبي صلى الله عليه وسلم الرجال والنساء ليتلقوا جميعا عنده في مجلس واحد؟!
مصطلح «الاختلاط» في السنة
من جهته، بين الإمام والخطيب في وزارة الأوقاف فيحان الجرمان أن لفظ الاختلاط ورد نهيه في الشرع وفي كلام أهل العلم ولا ينكره إلا جاهل أو متجاهل، ومثله كمثل الذي يقول إن تعاطي الحشيش والمخدرات جائز وغير محرم لعدم ورود نص ينهى عن ذلك معرضا عن المفاسد المترتبة على ذلك.
وساق الجرمان شيئا من النصوص الشرعية التي صرحت بمصطلح «الاختلاط»، منها ما رواه البخاري أن عطاء قال: إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال قال كيف يمنعهن وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال؟ قلت أبعد الحجاب أو قبل؟ قال إي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب، قلت كيف يخالطن الرجال؟ قال لم يكن يخالطن كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حجرة مع الرجال لا تخالطهم فقالت: امرأة انطلقي نستلم يا أم المؤمنين، قالت: عنك وأبت وكن يخرجن متنكرات بالليل فيطفن مع الرجال ولكنهن كن إذا دخلن البيت قمن حتى يدخلن وأخرج الرجال، وكنت آتي عائشة أنا وعبيد بن عمير وهي مجاورة في جوف ثبير قلت وما حجابها؟ قال هي في قبة تركية لها غشاء وما بيننا وبينها غير ذلك ورأيت عليها درعا موردا.
ومنها ما رواه البخاري أيضا قوله صلى الله عليه وسلم «طوفي من وراء الناس وأنت راكبة»، قال ابن حجر رحمه الله: لأن ذلك سنة طواف النساء لئلا يختلطن بالرجال، ولئلا يعثر مركبها بالطائفين فيؤذيهم، وعلى هذه العلة، فكذلك يكون حكم الرجل إذا طاف راكبا.
وأورد فتوى العلامة ابن عثيمين التي جاء فيها: طواف النساء مع الرجال لا بأس به، ولا يمكن منعه خصوصا في أوقاتنا هذه، لأن كل امرأة مع محرمها، ولو منع النساء من الاختلاط مع الرجال لضاعت النساء وحصل من الشر أكثر، ولكن لو جعلن كما تفعل عائشة حجرة، يعني بعيدات عن الرجال لكان هذا طيب، وكانوا هنا يفعلونه في الأيام التي ليس فيها زحام شديد، يجعلون النساء على الجانب، وهو عمل طيب ويقال لهن لا تطفن إلا في الليل مثلا فهذا صعب، وفي وقتنا هذا الأمر أصعب، لو قلنا الرجال وحدهم والنساء وحدهم لحصلت فتنة كبيرة كل إنسان يستطيع أن يصيد المرأة دون من يعارضه، لكن على الإنسان أن يتقي الله عز وجل ويتجنب زحام النساء بقدر المستطاع.
أما العلامة ابن باز رحمه الله فقال: إن الاختلاط وسيلة لشر كثير وفساد كبير لا يجوز فعله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع، إنما أمر صلى الله عليه وسلم بالتفريق بينهم في المضاجع لأن قرب أحدهما من الآخر في سن العاشرة وما بعدها وسيلة لوقوع الفاحشة.
الدخول على النساء
بدوره، أشار الإمام والخطيب في وزارة الأوقاف حاي الحاي الى ان النبي صلى الله عليه وسلم حذر الرجال من الدخول على النساء والاختلاط والخلطة بهن، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: أرأيت الحمو أي قريب الزوج، فقال: الحمو الموت، أخرجه البخاري.
وأضاف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى النساء أن يتوسطن الطريق ويأمرهن أن يلتزمن حافات الطريق خشية من اختلاطهن مع الرجال ووقوع الفتنة بمماسة الرجال لهن أثناء السير، فقد روى أبو داود عن أبي أسيد الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو خارج المسجد وقد اختلط الرجال بالنساء في الطريق «استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق»، فكانت المرأة تلتصق بالجدار، حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها، مشيرا إلى أن في هذا دليلا واضحا وجليا على عدم جواز الاختلاط في الطرقات والمشي في الأماكن العامة، مطالبا بالتأمل في سرعة استجابة نساء السلف الصالح لكلام النبي صلى الله عليه وسلم.
وحول دعوى الغامدي أن الاختلاط موجود في البيوت بين الخادمة والرجال، أوضح الحاي بأن هذه الدعوى حقيقتها اختلاط بالفهم وأن خدمة الخادمة لأسرة لا تسمى اختلاطا، مشيرا إلى أن الاختلاط المذموم والوارد النهي عنه في النصوص الشرعية هو الاختلاط الذي يأتي بالفتن والبلايا والرزايا وسخط الرب.
أما الإمام والخطيب في وزارة الأوقاف محمد العصيمي فأوضح انه صدم عندما قرأ تصريح من يتبوأ منصبا دينيا رفيعا بجواز الاختلاط وتسفيه من يرى حرمته ووصفهم بأنهم يعيشون تناقضا بين اقوالهم وافعالهم من خلال جلب الخادمات والخدم للعمل في بيوتهم، والاخطر والامر الاستدلال على هذا الرأي بأدلة حرف فيها وبدل وتعدى وظلم.
وحول دعوى ان مصطلح الاختلاط مصطلح دخيل متأخر اجاب العصيمي بأنه لا مانع ان يصطلح الناس على مصطلح اخذت احكامه ومسائله من ادلة شرعية متكاثرة كالقرآن والسنة والاجماع فكلنا يعلم أنه قد ورد في كتاب الله وفي سنة رسول الله ما يدل على هذا المعنى بجلاء ووضوح كلفظ الخلوة والمنع من الخضوع في القول، والأمر بغض البصر والنهي عن الضرب بالأرجل في الأرض، والحث على القرار في البيوت، والنهي عن التبرج، والحذر من التطيب عند الخروج حتى للمسجد خاصة انه اودع في نفس كل واحد من الجنسين الميل تجاه الآخر والتعلق به الذي يبتدئ بنظرة ثم يفضي الى الوقوع في الفاحشة ان لم يتداركهم الله برحمة منه وفضل.
حبيب: عدم جواز الاختلاط محل اتفاق السنّة والشيعة
صرح الباحث الاسلامي راضي حبيب على خلفية اثارة الجدل حول تصريح د.احمد الغامدي بجواز اختلاط النساء بالرجال الاجانب بأن الاصل في الشريعة هو عدم جواز اختلاط النساء بالرجال الاجانب ولا يستثنى من هذا الاصل الا ما جاء به الدليل الصريح، لبعض امور تكليفية ولكن ليس على اطلاقه وانما بشرطها وشروطها، واولها ان تلتزم المرأة بالحجاب والستر، وهذا النوع من التكليف جعله الله كابتلاء تمتحن به النساء لحكمة التمسك الشديد بحجابها وسترها.
وتابع يؤكد: ثبوت هذا الاصل الشرعي عدم جواز الاختلاط، وذلك قبل صدور الرسالة المحمدية ما جاء في سورة القصص في قوله تعالى: (ولما ورد ماء مدين وجد عليه امة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما
قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير). فكانتا لا تسقيان حتى يذهب الرجال من الرعاء فدل بصريح
عبارة النص ان النساء كن يمتنعن من التداخل مع الرجال الاجانب.
رئيس هيئة الأمر بالمعروف بمكة: الاختلاط مشروع وأدلته صريحة
قال رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة مكة المكرمة د.أحمد بن قاسم الغامدي: إن مصطلح الاختلاط الذي أثار الجدل بعد تدشين جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) لم يعرف عند المتقدمين من أهل العلم، لأنه لم يكن موضوع مسألة لحكم شرعي كغيره من مسائل الفقه، بل كان الاختلاط أمرا طبيعيا في حياة الأمة ومجتمعاتها. واعتبر أن الممانعين له يعيشونه واقعا في بيوتهم التي تمتلئ بالخدم من النساء اللواتي يقدمن الخدمة فيها وهي مليئة بالرجال الغرباء، وهذا من التناقض المذموم شرعا». وعد الغامدي «الاختلاط» مصطلحا طارئا غير معروف بذلك المعنى عند المتقدمين في مباحث الفقه. وأكمل قائلا: لذلك كان الخلط في حكمه أكثر جناية حين قال بتحريمه قلة لم يعتبروا بالبراءة الأصلية في إباحته، ولم يتأملوا أدلة جوازه، ولم يقتفوا هدي المجتمع النبوي فيه، وهو قدوتنا في امتثال التشريع في كل شؤون الحياة المختلفة، والحق أنه لم يكن الاختلاط من منهيات التشريع مطلقا بل كان واقعا في حياة الصحابة. وأضاف في حديث لصحيفة «عكاظ» السعودية الأربعاء 9/12/2009 أن استعمال الفقهاء لعبارة الاختلاط لا يعدو استخدامهم لمفردات المعجم العربي مثل: أخذ، وأعطى، ولذلك لو بحثت عن مصطلح الاختلاط بهذا المعنى المستحدث لم تجده عندهم، كمصطلح: «الخلوة، والنكاح، والطلاق، والرجعة» كما عليه بقية مصطلحات أهل العلم مثل: البيع، والربا، والسلم، وغيرها، وكالمصطلحات المعاصرة التي يمكن قبولها وإدخالها في المعجم الفقهي ضمن نوازله مثل: «التأمين، المرابحة، السندات، بدل الخلو، الحق المعنوي.. إلخ»، لكن بعض المتأخرين لما بالغ في موضوع اختلاط النساء بالرجال وصار اللفظ المعاصر ينصرف إليه بإطلاق، تولد ذلك المصطلح الدخيل المتأخر، فغالط به من لم يميز أو من أراد التلبيس، ومثل ذلك لو بالغ الناس في التحذير من جلوس النساء والرجال ولو كان لمصلحة أو عادة، ولا خلوة ولا ريبة فيه، فتولد من كثرة دوران ذلك اللفظ تحذيرا وزجرا مصطلح: «القعود»، كما تولد مصطلح: «الاختلاط» مثلا بمثل، ولهذا خطورته متى ألصق بعلوم الشريعة، وفيه مد سلبي على تراثنا الفقهي متى أعطي مزية المصطلحات.