دورة نظمتها «الأوقاف» في المواريث التحقت بها وكنت أسجل كل ما أسمعه وأعود لمراجعته وحل التمارين المتعلقة به فكانت الانطلاقة مع هذا العلم
تغلبت على قلة المكتبات والكتب قديماً فكنت أقصد العلماء لتلقي العلوم الشرعية على أيديهم
الإخلاص ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب وعدم تغليب الواسطة وإنصاف الكفاءات أمور لابد من أخذها بعين الاعتبار في القطاع الحكومي
أفتخر بمساهمتي في تطوير العمل بإدارات «السكنية» من الطريقة اليدوية وما فيها من بطء إلى الطريقة الإلكترونية عن طريق الكمبيوتر
ما أجمل أن يجعل الإنسان رحلته في الحياة للبناء والتعمير في شتى المجالات التي تفيد المجتمع وتساهم في رقيه، والأجمل عندما يسخر الواحد منا جزءا من وقته للدعوة إلى الله، إذا كان يملك المقومات لذلك. ضيفنا هذا الأسبوع هو الداعية حمد بن صالح الأمير الذي أبصر النور في منطقة الجهراء وفيها تعلم في سنواته الأولى مجتهدا حريصا على العلم والاستفادة، أما أوقات فراغه فكان يقضيها في المكتبة بين الكتب والمجلدات يقرأ في مختلف الفنون إلى أن انتقل بعد ذلك للدراسة في ثانوية الشويخ التي عاش فيها تجربة مفيدة تعلم منها الجلد والمثابرة ليس من أجل التحصيل العلمي فقط بل من أجل الذهاب والعودة، فقد كانت معاناة يروي لنا تفاصيلها. تخرج حمد الأمير من الثانوية العامة ليلتحق بجامعة الكويت قسم المحاسبة، فكان من أبناء الجهراء الأوائل الذين دخلوا الجامعة قسم المحاسبة، وفي الجامعة كان أمام تجربة جديدة مليئة بالتحديات، إلا أنه سرعان ما تأقلم معها ليحقق فيها نجاحا وتميزا، فقد كانت اهتماماته منصبة على الدراسة وبعض المشاركات الرياضية مع المنتخب الجامعي وسار هكذا حتى أنهى الدراسة الجامعية وكان الأمل في السفر للخارج رغبة في استكمال الدراسات العليا إلا أن هذا المشروع تعذر ليبدأ رحلته مع العمل الحكومي. أشهر قليلة في ديوان المحاسبة بعدها سنوات طويلة في المؤسسة العامة لرعاية السكنية بدأ الرحلة موظفا ليتدرج في العديد من الوظائف الإشرافية مخلصا في عمله محبا لما يقدمه مهتما بنقل الأعمال اليدوية إلى أعمال آلية، في رحلة طويلة جعلته يفضل العمل الحكومي على العمل الخاص. أما رحلته الدعوية فقد كانت بدايتها من خلال طلب العلم الشرعي على يد العديد من الدعاة والعلماء إما استماعا مباشرا أو عن طريق الأشرطة، ساعات من العمر أفناها في قراءة الكتب الدينية في شتى علومها ليبرز في علم المواريث بعد أن قرأ فيه والتحق بدورات أصبح الآن يدرس هذا العلم. رحلة في العمل الحكومي بموازاة أخرى في العمل الدعوي، وعبر هذا اللقاء نتعرف على أبرز المحطات في حياة الداعية حمد الأمير.
حدثنا عن بدايتك وذكريات الطفولة.
أبصرت النور في منطقة الجهراء القديمة وترعرعت داخل قرية صغيرة كان بها مسجدان فقط، وكانت منطقة زراعية فيها حركة وعمل وكان أهلها على قلب رجل واحد رغم بساطة الحال وقلة الإمكانيات وبدأت مشواري التعليمي في البستان، وكانت فكرة البستان مثل الروضة اليوم محاولة لتأهيل الطفل وجعله يتأقلم مع الحياة الدراسية، وطبعا لم تكن هناك وسائل مواصلات حديثة مثل الموجودة اليوم، ثم انتقلت للدراسة الابتدائية فأخذت أساسيات اللغة العربية ووعيتها بشكل جيد لاسيما من مدرس مصري اسمه عبدالجواد الجمل الذي كان مثالا للمدرس المخلص، ثم انتقلت إلى «المتوسطة» ولم يكن معي إلا قلة من الطلبة لكنني تعلمت من تلك البدايات أنه لابد من المثابرة ولابد من الدراسة الجادة.
في ظل هذه الظروف كيف كانت دراسة الثانوية وما الهوايات التي كنت تحرص على ممارستها؟
فترة الثانوية أمضيتها في ثانوية الشويخ، وكانت بعيدة عن بيتنا ولكنني وجدت من يشجعني على العلم والتعلم مهما كانت الظروف فكنت أحب الدراسة وتستهويني المواد العلمية وخصوصا مادة الرياضيات، وفي وقت الفراغ كنت أمارس هواياتي من خلال نادي الشهداء قبل أن يسمى نادي الجهراء وكان المكان الوحيد الذي نمارس هوايتنا من خلاله ولم يكن ناديا رياضيا فقط، بل كان يحتوي على مكتبة ولجنة ثقافية وفيه فرصة لشغل الوقت بما يعود بالنفع، حتى الأندية الصيفية في العطلة كانت مميزة بالنسبة لي فكنت أحرص على القراءة وأعتبرها وسيلة من وسائل الترفيه، فقرأت كل ما وقع بين يدي من الكتب الأدبية والثقافية والفكرية حتى مجلة سمير وميكي وسوبر مان قرأتها دون ملل ودون أن أجد من يوجهني، وإضافة إلى ذلك كانت لي اهتمامات رياضية في كرة القدم وكرة اليد حتى أنني وصلت في كرة اليد إلى الفريق الأول، لكنني لم أكمل مشوار الرياضة، حيث كنت دائما أضع الدراسة في مقدمة أولوياتي.
معاناة وتعلم
بما أن المدرسة كانت بعيدة عن منزلك هل وجدت معاناة في الذهاب والعودة وماذا تعلمت من ذلك؟
في بداية الأمر وجدت معاناة كبيرة في مسألة الذهاب إلى المدرسة والعودة منها لبعد المدرسة عن البيت وكنت أحيانا مع مجموعة من الزملاء نقف في الطريق ونبحث عمن يوصلنا إلى منازلنا ثم أعطونا كروتا للمواصلات وأذكر حتى هذه اللحظة رقم الخط الموصل إلى الجهراء خط 103 وخط 11 بهذه الطريقة كنت أصل الى المدرسة وأعود إلى بيتي وفي الامتحانات كنت أسكن قريبا من المدرسة خوفا من تفويت موعد الامتحان، وتعلمت من ذلك الجلد والمثابرة ولكن تحت شعار «مجبر أخاك لا بطل» والآن أصبحت تلك المعاناة مجرد ذكريات.
وماذا بعد التخرج من الثانوية العامة أين اتجهت؟
بعد التخرج من الثانوية العامة دخلت إلى الجامعة وتخصصت في المحاسبة وكنت من أول طلبة الجهراء الذين يدخلون هذا التخصص، فكنت أذهب إلى الجامعة وحدي ووجدت طريقة التعليم مختلفة والبيئة بالنسبة لي بيئة جديدة إلا أنني تأقلمت مع الوضع وكونت صداقات وعلاقات اجتماعية مع الكثير من الطلبة، وكانت لي مشاركات رياضية مع منتخب الجامعة الذي سافرت معه أكثر من 4 مرات، أما الأنشطة الأخرى فلم أكن أشارك فيها حتى أنه عندما يكون هناك إضراب في الجامعة أعود إلى الجهراء دون المشاركة في ذلك وأجلس لمذاكرة الدروس وبذلك أستفيد من هذه الأوقات.
مفاتيح العلوم
كيف وجدت الدراسة الجامعية خلال سنواتك الأربع التي قضيتها فيها؟
الدراسة الجامعية تحتاج إلى جهد من الطالب ودائما أساتذة الجامعة يقولون للطالب نحن نعطيك فقط مفاتيح العلوم، لذا فعلى الطالب أن يجتهد، وفي الجامعة مكتبة تضم مختلف المراجع والذي يريد التفوق عليه أن يأخذ من الدكتور وينطلق إلى المراجع فالنجاح في الجامعة أمر سهل ولكن الطموح ينبغي أن يكون منصبا على التفوق وهذا ما يطمح إليه الناجح.
ألم تفكر في استكمال دراستك العليا بعد التخرج من الجامعة؟
بعد التخرج من الجامعة فكرت في استكمال دراستي العليا، ولكني لم أجد الفرصة متاحة لاستكمالها داخل الكويت خصوصا في تخصص المحاسبة، وكان لابد من السفر إلى الخارج وتحديدا إلى الولايات المتحدة الأميركية، وأنا وحيد لوالدي فذهبت إلى الوالد رحمه الله وقلت له لو ذهبت إلى أميركا للدراسة أتذهب معي؟ فلم يوافق على ذلك، لذا فضلت البقاء بجانب والدي ووالدتي مع أن الفرصة كانت متاحة إلا أن الظروف الاجتماعية في بعض الأحيان تجعل الإنسان يسلك مسارا آخر غير الذي يفضل.
بعد أن تعذر السفر لاستكمال الدراسة أين اتجهت بطموحاتك؟
بعد ذلك قررت العمل لتبدأ رحلتي الوظيفية من داخل ديوان المحاسبة لكنها كانت تجربة سريعة لم تستمر لأكثر من 10 شهور فالديوان جهاز رقابي وحتى تنجح فيه لابد أن تصل إلى المعلومة الدقيقة، وأذكر عندما كنت أذهب إلى المسؤولين في الجهات المختلفة كنت أجد احتراما وتقديرا وحفاوة، فكنت أقول في نفسي يقومون بكل هذا ونحن نبحث من ورائهم، لكن العمل لابد أن يؤدى كما يليق به، وانتقلت بعد ذلك إلى المؤسسة العامة للرعاية السكنية.
مرحلة الانطلاق
ماذا عن رحلتك في المؤسسة العامة للإسكان كيف كانت تفاصيلها؟
بدأت في مؤسسة الإسكان موظفا عاديا تحت مسمى محاسب، لكنني أحببت عملي منذ اللحظة الأولى وقررت أن أبدع فيه وفق إمكانياتي وحرصت على الحضور مبكرا وأداء عملي بما يرضي الله تبارك وتعالى، وهكذا وجدت نفسي في الإسكان، ثم بعد ذلك تدرجت في الترقيات حسب السلم الوظيفي من موظف إلى رئيس قسم إلى أن وصلت إلى مراقب إدارة.
كيف وجدت العمل الحكومي بالنسبة وهل كانت هناك فرصة للإبداع مثل القطاع الخاص؟
العمل الحكومي فيه فرصة للتطوير والإنجاز وقد وجدت ذلك فيه كما وجدت فيه الاستقرار لكن في الوقت نفسه فيه دعوة للموظف لأن يكون خاملا كسولا، لأنه سواء اجتهد أو لم يجتهد يحصل على راتبه كاملا، أما في القطاع الخاص فالوضع مختلف تماما فقيمة الموظف بما ينتج ويقدم إن كان ناجحا وجد الدعم والتقدير وإن كان عقبة في طريق الإنجاز وجد الإقالة وبالنسبة لي أحببت العمل الحكومي أكثر من العمل في القطاع الخاص.
الموظف الناجح
برأيك علام يتوقف النجاح في العمل؟
النجاح في العمل بشكل عام يحتاج إلى إخلاص وإتقان في تأدية العمل الذي يكلف به الموظف، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «إذا عمل أحدكم عملا فليتقنه» وأن يحرص الموظف على الحضور مبكرا والانصراف في الوقت المحدد وأن يقتنص الفرص ويفكر بطريقة إبداعية مهما كانت الاحباطات التي تعترض طريقه الوظيفي، فالموظف الناجح يعرف كيف يتغلب على المعوقات التي تعترضه.
بعد هذه الرحلة الطويلة في «السكنية» ما الأشياء التي تتمنى تطبيقها في العمل الحكومي؟
من الأشياء التي أتمنى أن أراها في العمل الحكومي هي مسألة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب وألا تتغلب الواسطة على العمل، حتى لا يصبح بيئة طاردة، ولذلك لابد من إعادة النظر في كثير من الترقيات وأن يتم النظر بعين الاعتبار إلى أصحاب الكفاءات، كما أتمنى أن يتم احترام اللوائح والنظم حتى يسير كل عمل بمساره الصحيح.
حدثني عن أبر إنجاز تفتخر بتحقيقه خلال رحلتك العملية؟
من الإنجازات التي أفتخر بها هي تحويلي الأعمال من الطريقة اليدوية وما فيها من بطء إلى الطريقة الإلكترونية عن طريق الكمبيوتر، لأنني أحب الكمبيوتر وأجيد استخدامه فكل إدارة أكون فيها أحرص على أن أطبق فيها نظام الكمبيوتر حتى تكون المخرجات آلية وبذلك تستطيع اتخاذ القرار بكل سهولة.
طلب العلم الشرعي
ننتقل الآن لنتحدث عن رحلتك الدعوية لنبدأ بالتعرف على بداية الانطلاقة من خلال رحلتك مع طلب العلم؟
رحلتي مع طلب العلم الشرعي من أمتع الرحلات في حياتي لما للعلم من أفضال وأهمية في حياة الإنسان المسلم، لاسيما العلم الشرعي وقد بدأت عام 1975 في آخر سنوات الجامعة فقد كنت في سنوات النضج الفكري ولم يكن هناك ما يشغلني فكنت محافظا على أداء الصلوات في وقتها حتى صلاة الفجر لم أكن أتخلف عنها، وكان والدي رحمه الله يحرص على أن يأخذني معه كل الصلوات، وفي النادي كنت أقرأ بعض الكتب الدينية لكنني وجدت نفسي أجهل الكثير من الأمور الفقهية على الرغم من أنني طالب جامعي فبدأت أفكر في ذلك حتى التقيت بالشيخ علي نور الدين من الإمارات وهو رجل دمث الأخلاق يحفظ كتاب الله وكنت أجلس معه جلسة بعد صلاة الفجر وأخرى بعد صلاة العصر، وكنت أقرأ عليه نصف جزء في كل جلسة رغبة في المعرفة.
وبعد أن مشيت الخطوة الأولى كيف واصلت المشوار؟
بعد أن مشيت الخطوة الأولى وجدت نفسي أبحث عن الكتب الفقهية رغبة في التزود بالعلم ولم يكن في تلك الفترة مكتبات دينية مثل المكتبات المتوافرة اليوم فقد كنت أعرف مكتبتين فقط فأذهب وأبحث بين الكتب ومن فضل الله أن أول كتاب وقع بين يدي هو كتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله وبدأت أسمع الأشرطة فيما يخص التوحيد وخصوصا أشرطة الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق وكان يزورنا الشيخ عبدالله بن سبت وكنا نسمع منه وكذلك د.عبدالله الخضري الذي كان يعطينا دروسا في اللغة والحديث وكنت أحرص على أن أتواجد في حلقة الذكر رغبة في الانتفاع لأن فيها خيرا كثيرا.
كفاح مستمر
برزت في علم المواريث على الرغم من أن البعض يرى صعوبة هذا العلم، فكيف بدأت رحلتك في هذا العلم؟
علم المواريث ليس علما صعبا مثلما يتصور البعض حتى أن بعض الأخوة قالوا لي إن ما يجعلك تعرف علم المواريث هو تخصصك في الرياضيات والمحاسبة، لكن في الحقيقة لا علاقة لهذا بذاك على الإطلاق، فأنا كنت أقرأ في علم المواريث ولكنني لم أستطع أن أصل عن طريق القراءة وفي يوم من الأيام أعلنت وزارة الأوقاف عن إقامة دورة في علم المواريث فالتحقت بها واستفدت منها بإذن الله استفادة كبيرة حيث كنت حريصا على الاستفادة، لذا كنت أسجل ما أسمعه ثم أعود لمراجعته وأقوم بحل التمارين حتى عرفت مفاتيح علم المواريث وصارت عندي رغبة في الانطلاقة فبدأت أقرأ أكثر من السابق وعملت جدولا يلخص علم المواريث ولله الحمد أثنى عليه الكثير من أهل العلم في الكويت والسعودية ومصر وغيرها من الدول وطورت نفسي في التدريس وبعد كل دورة أحرص على قراءة السلبيات والإيجابيات والله الموفق.
برأيك، ما أبرز الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها الداعية الناجح؟
الداعية الناجح لابد أن يكون مخلصا في دعوته متقيا الله، وأن يكون عالما بما يدعو الناس إليه وأن يتحلى بالصبر إذا تعرض لأي أذى، لأن الداعية من غير صبر لن يستطيع أن يكمل المشوار، فلابد من الحلم وسعة الصدر وعدم الانفعال وتحمل الناس ومعرفة واقعهم وأحوالهم، فالكلمة قد تقال في مكان دون الآخر وعلى الداعية أن يتوقع في نفسه عند مخاطبة الناس أن الله قادر على هدايتهم فلا يدخر جهدا في ذلك ولكن باللطف واللين والحكمة وعدم التشدد والاندفاع.
روعة مزرعة الجهراء القديمة
أجرينا جزءا من اللقاء في مسجد عبدالله الخلف في منطقة الجهراء القديمة ثم خرجنا لنمشي بين البيوت باتجاه المزارع التي كانت مكانا مناسبا لنكمل الحديث مع منظر غاية في الروعة، وهناك توقف داعيتنا حمد الأمير ليحدثني عن ذكريات قديمة تجمعه وهذه المزرعة التي طالما كان يراجع فيها دروسه، وهي بالنسبة لأهل الجهراء محل اعتزاز وتقدير وحق لهم ذلك ونسأل الله أن يبارك محصولاتها الزراعية.
ما بين الخرطوم والقاهرة طيبة ورقي
أثناء الحديث عن مشاركته في منتخب الجامعة ذكر الداعية حمد الأمير أنه سافر مع المنتخب 4 مرات، اثنتان إلى الخرطوم ومثلهما إلى القاهرة، وعندما سألته عن مشاهداته في كلا الدولتين أجاب قائلا في الخرطوم وجدت طيبة لم أتصورها فالشعب السوداني طيب وودود، وفي القاهرة وجدت العلم والحضارة والرقي.