- لا أقبل أن أضلل العدالة من أجل تحقيق مكسب مادي أو شهرة
قانون المحاماة الحالي به كثير من العيوب التي تقلل من شأن مهنة المحاماة
- يجب تعديل قانون المرافعات الذي مضى عليه حوالي ثلاثون عاماً
- لا بد من وجود محكمة إدارية مستقلة كما هو الحال في أغلب دول العالم
محام كويتي يشار إليه بالبنان. رفع اسم الكويت عاليا في المحافل الدولية كما أنه من المحامين المتميزين داخل الكويت. مثل الكويت في كثير من المؤتمرات الدولية وله باع طويل في التعامل مع القضايا السياسية المحلية والعالمية. يهوى الشعر قراءة وقرضا. وله من القصائد المتميزة الكثير والكثير. إنه المحامي والشاعر جاسر الجدعي الذي التقينا به واستطعنا أن نثير همته ونستخلص من تجربته القانونية المثيرة ما وفقنا الله إليه. فالرجل لديه الكثير والكثير ليقوله وإنما لضيق وقته وكثرة مشاغله استطعنا بالكاد أن نعقد معه هذا اللقاء.
أرجو تعريف القارئ بالمحامي جاسر الجدعي؟
جاسر مطلق الجدعي خريج كلية الحقوق جامعة بيروت العربية بالإسكندرية عام 1992. أنا عضو مجلس إدارة جمعية المحامين الكويتية من 1996 إلى 1998 وأمين صندوق الجمعية من 1998 إلى 2000 وأمين السر العام من 2002 إلى 2004 والأمين العام المساعد لاتحاد المحامين العرب من 2006 حتى الآن.
محطات أربع
كيف كان مشوارك مع المحاماة منذ التخرج حتى الآن؟
لقد كانت رحلتي مع المحاماة مليئة بالمحطات، كان أهمها استقراري مع أخي وزميلي وأستاذي، الثاني بعد والدي رحمه الله، الأستاذ ثامر الجدعي الذي كان ومازال نعم الأخ ونعم الزميل، وكان أستاذا بمعنى الكلمة. فقد كان المرشد والمستشار والمحامي الحقيقي الذي يدافع عن موكليه بأمانة وإخلاص.
أما أهم محطات رحلة المحاماة فتمثلت في مشاركتي مع فريق الدفاع عن الليبي عبد الباسط المقراحي المتهم في قضية تفجير طائرة لوكيربي باسكوتلندا في ثمانينيات القرن الماضي. فهذه المشاركة جعلتني أشعر بمعنى المحاماة الحقيقي والفرق بينها وبين المحاماة العربية. فقد كنا وهيئة الادعاء على قدم المساواة، فبعدنا عن القاضي واحد وجلوسنا واحد وعلى مسافة واحدة. وكان ممثل الادعاء يترافع كما نترافع ويرد علينا ونرد عليه ولم نشعر للحظة أنهم أقرب منا للقاضي.
أما المحطة الثالثة فكانت عضويتي في جمعية المحامين ومشاركتي مع زملاء أجلاء للذود عن المحاماة والمحامين الكويتيين. وكان من ضمن زملائي في تلك الفترة الأساتذة عبدالرحمن الحميدان وعبد اللطيف صادق وعمر العيسى وخالد الكندري ومبارك الحريص وخالد الشطي ونضال الحميدان والحميدي السبيعي وعدوية الدغيشم ووسمي الوسمي ونسيمة بهمن وندى الأثري ومبارك مجزع وأحمد الخشتي وفاضل الجميلي.
فقد قمنا بعمل جبار تجاه زملائنا كان آخر إنجاز مشروع قانون المحاماة بمشاركة الرئيس الأسبق جمال العثمان ومجلس إدارته فأكملنا المسيرة وكللناها بإنجاز مقر جمعية المحامين الحالي. فلهم مني كل الشكر والتقدير ورحمة الله على الأستاذ إياد العودة أمين سر الجمعية الأسبق. فكل زميل شاركني عضوية مجلس الإدارة كان له فضل علي بما فيهم الأستاذ فواز السعيد رئيس الجمعية الأسبق، وفهد السلامة فقد كانوا نعم الزملاء وكانوا حريصين على المهنة.
أما محطتي الأخيرة فقد كانت ومازالت مشاركتي لزملائي العرب في اتحاد المحامين العرب، أولئك الذين لم يتوانوا في الدفاع عن الأمة العربية وإن كانوا متفاوتين في الأقطار والأفكار. فقد دافعت وزملائي عن حقوق الأسرى والمرتهنين الكويتيين بكل قوة وشراسة ووطنية وإخلاص في مواجهة العراقيين البعثيين في الاتحاد.
البحث عن الحقيقة
ماذا تعني لك مهنة المحاماة؟
مهنة المحاماة تعني لي البحث عن الحقيقة والدفاع عن الحق. حيث أن كل قضية تسند إلي تكون بمثابة بحث عن الحقيقة فإذا اكتشفت أن موكلي قد كذب علي أتنحى عن القضية.
أما إذا كان البحث قد انتهى إلى وقوع ظلم على موكلي فلا يستريح لي بال حتى اظهر الحق للعدالة واثبت براءة موكلي.
القضايا الجزائية
ما نوع القضايا التي تحب أن توكل إليك؟
أنا أعشق القضايا الجنائية بشرط واحد فقط أن يكون موكلي قد اتهم ظلما وعدوانا وهذا يحدث كثيرا وإذا توافر هذا الشرط أقوم بدراسة ملف الدعوى عدة مرات وإذا كانت الثغرة في الدعوى تحتاج لأهل الخبرة مثل الطبيب أو غيره أقوم بالبحث عن الحقيقة والاستعانة بأهل الخبرة ثم أضع خطة الدفاع وما يتماشى معها من نصوص قانونية ثم التركيز على المرافعة الشفوية وإيجاد السبل الكفيلة بإقناع المحكمة ببراءة المتهم.
لا أقبل تضليل العدالة
هل يمكن أن تترافع عن متهم وأنت تعلم أنه مرتكب الجريمة؟
القانون نص في القضايا الجنائية على وجوب أن يترافع محام عن المتهم. إلا أنني إذا علمت من المتهم أنه ارتكب جريمة جنائية كالقتل أو هتك العرض أو الخطف أو غيرها من الجرائم المتعلقة بالشرف واعترف لي المتهم فلا أستطيع الدفاع عنه. حيث ان الدفاع هو الاقتناع التام من قبل المحامي ببراءة المتهم. وأنا لا أقبل أن أضلل العدالة من أجل تحقيق مكسب مادي أو شهرة.
كثير من العيوب
ما رأيك في قانون المحاماة الحالي؟
قانون المحاماة الحالي يوجد به الكثير من العيوب التي تقلل من شأن مهنة المحاماة. فعلى سبيل المثال لا الحصر لا توجد أي حصانة للمحامي مثل التشريعات الأوروبية أو الأميركية حيث ان عمل المحامي يتطلب الاحتكاك مع رجال السلطة التنفيذية وينجم عن ذلك الكثير من المشاكل. فيجب أن يكون للمحامي حصانة من نوع خاص تكفل له الحرية أثناء ممارسة عمله.
العيب في التطبيق
هل لديك تحفظات على قانون الأحوال الشخصية؟
قانون الأحوال الشخصية يستمد نصوصه من الشريعة الإسلامية ولا توجد أي تحفظات عليه. إنما التحفظ هو على طريقة تطبيقه، حيث لابد من إنشاء محكمة الأسرة مثل الكثير من الدول العربية وذلك لسهولة الإجراءات عن المحاكم العادية والسرعة في الفصل في مثل هذا النوع من القضايا. فإنه لا يعقل أن تستمر قضايا الأحوال الشخصية التي تمس الأسرة عدة شهور أو سنوات وتظل الأسرة مهددة حتى الفصل في الدعوى بمتاعب التقاضي.
ما رأيك في قانون المرافعات؟
قانون المرافعات رقم 38/1980 يجب تعديله حيث ان البطء في إجراءات التقاضي وتراكم الدعاوى ومدة الفصل فيها التي تصل إلى عدة سنوات في بعض القضايا تعود إلى قانون المرافعات الذي مضى عليه حوالي ثلاثون عاما.
فلا يعقل في القضايا المدنية أو التجارية أن يتم الفصل في بعض الأحيان في هذه الدعاوى بعد ثلاثة أو أربع سنوات. فيجب تعديل عدة نصوص في هذا القانون لتواكب التقدم العلمي ومنها: طريقة الإعلان البدائية الحالية. وإجراءات التقاضي أمام المحاكم. ومدد الطعن في الأحكام.
فيجب تشكيل لجنة من خبراء القانون لتفادي كل هذه الإجراءات التي قد تتسبب في ضياع الحق وتأخير الفصل فيها.
شبهة عدم دستورية
ما عيوب قانون الإيجارات؟
أولا: قانون الإيجارات رقم 35/1978 توجد به شبهة عدم دستورية وبالأخص في نص المادة 26 والمادة 26 مكرر 2.
حيث ان المادة 26 من قانون الإيجارات قد وضعت عائقا على المستأنف بعدم أحقيته في تقييد صحيفة الاستئناف من قبل إدارة الكتاب إلا بعد تقديم ما يثبت إيداع الأجرة المحكوم بها. وهذا قيد على حق التقاضي. فمن لا يملك ثمن الأجرة المحكوم بها لا يحق له الطعن بالاستئناف.
وقد يكون هناك خطأ من قبل محكمة أول درجة وهناك حائل بين المستأنف وبين حقه في الطعن بالاستئناف وهو إيداع مبلغ الأجرة.
ثانيا: جاءت المادة 26 مكرر 2 من قانون الإيجارات بحرمان المحكوم عليه من رفع إشكال في التنفيذ حيث اشترطت أن يكون الإشكال من الغير فهذا النص غير دستوري لتعارضه مع الحق في التقاضي.
ما رأيك في الدعاوى الإدارية؟
للأسف حتى الآن لا توجد محكمة إدارية مستقلة كما هو معمول به في أغلب دول العالم. وعلى سبيل المثال في مصر وفرنسا توجد محكمة إدارية مستقلة ومحكمة إدارية عليا. أما بالكويت فتوجد دائرة فقط لنظر المنازعات الإدارية تم إنشاؤها بالمرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1981 بشأن إنشاء دائرة بالمحكمة الكلية لنظر المنازعات الإدارية.
ويجب على المشرع الكويتي النظر في شأن إنشاء محكمة إدارية مستقلة ومحكمة إدارية عليا أسوة بالتشريعات الموجودة في الدول الأخرى.
ما رأيك في الإبعاد الإداري؟
الإبعاد الإداري هو حق للسلطة التنفيذية في أي دولة في العالم إلا ان هذا الحق بالكويت ينقصه مراقبة السلطة القضائية فلا يجوز للأسف للقضاء الكويتي مراقبة السلطة التنفيذية في قرارات الإبعاد الإداري أو في مسائل الجنسية الكويتية وعليه يجب إطلاق يد القضاء لمراقبة قرارات الدولة في مسائل الإبعاد الإداري والجنسية الكويتية.
الدوائر الانتخابية
ما رأيك في تقليص الدوائر الانتخابية بالشكل الذي شاهدناه أخيرا؟
رأيي في الدوائر الانتخابية الخمس أعلنته في عام 2006 وقلت حينها ان تقليص الدوائر وإن كنا نتفق على الفكرة غير أننا نختلف في التفاصيل. فالدوائر الخمس هي أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل شريحة كبيرة من الشعب الكويتي تشعر بالظلم وهي شريحة أبناء المناطق الخارجية فلا أنا ولا أي عاقل ممكن أن يقبل أن 10 آلاف ناخب يعادلون 36 ألف ناخب.
والديموقراطيات الحديثة تدعو الى تصغير الدوائر الانتخابية وليس اتساعها كي تشكل أغلب شرائح المجتمع. أما نحن في الكويت فقد فعلنا العكس، وهذا بسبب أن ديموقراطيتنا غريبة، فهي ديموقراطية تفصيل بالقياس.
ولذلك عندما كان هناك من يروج للدوائر الخمس بدعوى أنها ستقضي على الرشوة والطائفية والفئوية وافقنا على الفكرة لكننا كنا مقتنعين تماما بأنها لن تقضي على الطائفية القبلية بل سترسخها. والدليل ما حصل ورأيناه كلنا. كما أن هذه التقسيمة لم تقض على ظاهرة شراء الأصوات بل إنها سترسخها وبسعر أرخص عن السابق.
فكل ما أعلنا عنه عام 2006 والذي لم يصدقنا الناس فيه وجدناهم اليوم يصدقون ما نقول. ولاشك ان الموجة العارمة التي جرفت كل الآراء المخالفة هي التي جعلت الناس لا تتقبل أي طرح مضاد لمقولة «نبيها خمس».
من حديثك يتبين أنك مع تعديل الدوائر فأي تعديل تطالب به؟
أنا مع تحويل الكويت الى دائرة انتخابية واحدة بحيث يكون هناك صوت واحد لكل ناخب وإذا ما تحقق ذلك فاعلم يقينا أنه لن ينجح إلا ذوو الكفاءة.
وهل ستقضي الدائرة الواحدة على سلبيات الدوائر الخمس؟
أنا أقول لك إنها لن تقضي على شراء الأصوات لكنها بالتأكيد ستقضي على الطائفية وعلى القبلية بل ستقضي على الفئوية وهي مرض لا يقل خطورة عن الطائفية ولا عن القبلية.
ماذا تقصد بالفئوية؟
هي فئة التجار والعوائل التي هي في مواجهة طبقة كادحة.
ما رأيك في قانون المطبوعات الحالي وهل فعلا هذا القانون يحوي مثالب وسلبيات؟
للعلم أنا ـ وبلا فخر ـ أول من تكلم عن مثالب قانون المطبوعات والنشر، وكان معي زميلي المحامي باسم مظفر في إذاعة الكويت وكان ذلك بعد نشر القانون بأسبوع. وفي الوقت الذي صوت فيه نواب المجلس بالإجماع على هذا القانون كنا نحن في جمعية المحامين ننظر للمسألة باستغراب، وذلك صراحة لأن الصحافة الكويتية أعطيت جزرة باليمين ومطرقة بالشمال.
ماذا تقصد بالجزرة والمطرقة؟
الجزرة هي فتح المجال لإصدار صحف جديدة، فوقف الاحتكار هو الايجابية الوحيدة لقانون المطبوعات. وما خلا ذلك فكله سلبيات. فالسلبيات التي أحصيناها آنذاك كانت تتجاوز الـ 15 سلبية من أبرزها عقوبة الصحافي التي كانت بسيطة في السابق أما السجن فقد يتجاوز مداه العشر سنوات. كما أحيل الصحافي من قانون النشر الى قانون أمن دولة وغيرها.
وبعد أن تكلمت، وقد كنت أول من تكلم عن هذه السلبيات، خرج بعدى من تحدثوا، خصوصا جريدة «الأنباء» التي أشارت الى أن جمعية المحامين تناولت مخاطر القانون الجديد. والآن الكل بدأ يتكلم عن عيوب هذا القانون.
أما في السابق فلم تكن هناك أذن تطيق سماع أي نقد للقانون وكنا نتهم وقتها بأننا ضد الحريات وما إلى ذلك. فهذه بصراحة مشكلة الشعب الكويتي الذي تأخذه الهالة الأولى. فمشكلة الكويتيين أنهم يتبعون الهتيفة الذين يستغلهم بعض المحاضرين، فبمجرد أن يهتف شخص ما أو يصفق تجد الكل يهتف ويصفق ولو دون قناعة ولا أدل على ذلك من أزمة التأبين التي شغلت الكويت فعندما قام شخص وأبّن وجدنا الكل يؤيد وعندما جاء واحد واعترض الكل أيد الاعتراض وهكذا.
ما طبيعة عضويتك في اتحاد المحامين العرب؟
أنا حاليا أشغل منصب أمين عام مساعد اتحاد المحامين العرب. وأنا أتشرف بتمثيل كل اخواني المحامين الكويتيين والذين يستحقون أن يمثلوا في جميع التجمعات المهنية الدولية. ولاشك أن هذا المنصب يعتبر تكليفا لا تشريفا فهو حمل كبير على كاهلي. لكن مما يؤسف له أن المحامى الكويتي لم يأخذ فرصته بشكل جيد في الاتحادات العربية والدولية حتى الآن. لهذا أنا سعدت بمنصبي في اتحاد المحامين العرب الذي اعتبره إضافة للعاملين في مهنة المحاماة.
ما هواياتك؟
الشعر. فأنا أقرأ الشعر وأقرضه. ولي قصائد أعتز بها كثيرا.
هل لديك ما تريد إضافته؟
نعم. فنحن نرى وجود نقص تشريعي في مراقبة الإدارة، حيث لا توجد في الكويت هيئة للرقابة الإدارية تملك المناسب من السلطات لمحاربة أي فساد إداري. وعلى سبيل المثال هناك هيئة للرقابة الإدارية في مصر وهي التي تكشف عن الفساد الإداري بأجهزة الدولة في كل القطاعات وتملك كل السلطات القانونية للمراقبة والضبط والتفتيش التي تمكنها من محاربة الفساد.