- مجلس الأمة أول من لجأ إليها لتفسير الخلاف حول المادة 114 باللائحة للمادة 97 من الدستور في التصويت على مراسيم الضرورة
- فسرت السؤال البرلماني في المادة 99 ولجان التحقيق في 144
- رفضت اعتبار تفسير الدستور تنقيحاً له وأكدت إلزامية قراراتها
- المحكمة من حقها إصدار التفسيرات الملزمة للنصوص الدستورية
- حق عضو مجلس الأمة في توجيه السؤال ليس حقاً مطلقاً
- مشروعات القوانين الحكومية لايوقف إجراءاتها تغيير الوزير أو الوزارة
يعتبر اللجوء الى المحكمة الدستورية في الفصل بين نزاعات السلطتين التشريعية والتنفيذية تطورا سياسيا يتماشى وتفعيل المادة 173 من الدستور وتوفيقا للقاعدة الدستورية «السلطة تحد السلطة. وقد رسخت المحكمة الدستورية مبادئ هامة في 14 طلب تفسير وطعن قدم اليها من الحكومة ومن مجلس الامة منذ العام 1981 مارست خلاله ثلاثة اختصاصات، الاول حقها في تفسير نصوص الدستور والمواد القانونية المرتبطة بها والثاني حقها في الرقابة اللاحقة والفصل في مدى دستورية قانون قائم وثالثهما حقها في الرقابة المسبقة في الفصل في مدى دستورية مشروع بقانون يكون معروضا للنقاش قبل اقراره للحيلولة دون صدوره بعيب عدم الدستورية.
الرقابة القضائية
كما اكدت المحكمة الدستورية في ممارستها لدورها على صحة وأحقيتها في ان تفسر النص او المادة الدستورية اكثر من مرة وذلك على ضوء الاستفهام الذي يرد في طلب التفسير ومن سوابقها تفسير نص المادة 99 مرتين وتفسير نص المادة 114فيما يخص لجان التحقيق مرتين.
وقالت المحكمة في حيثيات الحكم بالطلب رقم (8) لسنة 2004 ردا على دفوع مجلس الامة التي طرحت امامها من ان طلبات التفسير تنقيح مستتر للدستور: «لا يعد تفسير المحكمة لهذه النصوص تنقيحا للدستور، ولا وجه لقياس عملها في هذا الشأن على أنه تنقيح للدستور على أي وجه من الوجوه، لاختلاف كلا الأمرين من حيث الطبيعة والمعنى القانوني الصحيح اختلافا يتنافر معه إعمال حكم القياس، فضلا عن أنه لم يقل أحد إن تفسير نصوص الدستور لدى إعمال الرقابة القضائية على دستورية التشريعات يعد تنقيحا للدستور، وإلا تحولت هذه الرقابة إلى فراغ ليس لها من قوام، والحاصل أن تفسير المحكمة لنصوص الدستور بناء على طلب مقدم إليها بذلك إنما يقوم في الأساس على علاقة بين فرع وأصل ليس في ذلك من محيص».
كما انتقدت المحكمة الدستورية في احكامها الدعوة لعدم قبول طلبات التفسير بالقول: إذ لا يتصور أن يكون لطلب التفسير الدستوري خصوم يتنازعون أو أطراف يتعددون، كما أنه وإن كان لأي من المجلسين أن يطلب التفسير من هذه المحكمة أو لا يطلبه، إلا أنه ليس بسائغ أن يحجب أحدهما عن الآخر حقه المقرر قانونا في تقديم طلب التفسير، أو أن يقوم بدور المصوب أو المصحح لما تنتهي إليه هذه المحكمة من قرارات تفسير ملزمة، أو أن يملي عليها فهما لا تستفيده من هذه النصوص بنظرها المستقل، وبالتالي فإن الدفع المثار في هذا الصدد، وما سيق من مجادلة حول اختصاص هذه المحكمة في هذا الشأن، وما جاء من تعقيب على ما صدر عنها من قرارات ملزمة، يغدو في جملته في غير موضعه، ومن ثم غير مقبول.
وفيما يخص اختصاصها بتفسير نص دستوري سبق ان قامت بتفسيره في حكم سابق، قالت المحكمة في حكم لها بالطلب رقم 3\2004 الصادر قرارها فيه في 11\4\2005 «ليس من شأن قيام المحكمة بتفسير نص دستوري على ضوء نصوص معينة وردت بالدستور ما يحول دون قيامها بتفسير ذات النص في اطار نصوص اخرى بالدستور تتصل به في تطبيقات مختلفة ومتنوعة».
حارس على الدستور
ودافعت عن اختصاصها بالتفسير واهميته بالقول «ان ما وسد الى المحكمة من اختصاص بإصدار التفسيرات الملزمة للنصوص الدستورية بوصفها الحارسة على احكام الدستور والرقيبة عليها».
ومن الجدير بالذكر ان مجلس الامة كان اول من لجأ الى المحكمة الدستورية عندما غمض عليه فهم تطبيق نص المادة 114 من اللائحة الداخلية له اثر الاشتباه في مخالفتها لنص المادة 97 من الدستور فيما يخص التصويت على رفض المراسيم الصادرة في غيبة مجلس الامة تطبيقا لنص المادة 71 من الدستور ليكون الرفض بأغلبية الاعضاء الذين يتألف منهم مجلس الامة او بأغلبية الاعضاء الحاضرين وبتاريخ 11\7\1981 صدر حكم المحكمة الدستورية في الطعن البرلماني رقم 2 لسنة 1981 وانتهت المحكمة الى دستورية المادة 114 من القانون رقم 12 لسنة 1963 في شأن اللائحة الداخلية لمجلس الأمة.
وفتحت الخطوة النيابية الباب للحكومة في اللجوء الى المحكمة الدستورية فقدمت طلب تفسير3 لسنة 1982 لنص المادة 99 من الدستور والتي تنص على «لكل عضو من أعضاء مجلس الأمة أن يوجه إلى رئيس مجلس الوزراء وإلى الوزراء أسئلة لاستيضاح الأمور الداخلة في اختصاصهم، وللسائل وحده حق التعقيب مرة واحدة على الإجابة».
وقالت المحكمة في قضائها انه من المسلم به وكما أوضحته المادة 122 من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة أن حق السؤال ليس حقا مطلقا لا يقيده قيد ولا يحده حد إذ تحوطه بعض الضوابط والاعتبارات منها أن يرد على الوقائع والأمور المطلوب استيضاحها خاليا من التعليق والجدل والآراء الخاصة وألا يتضمن عبارات وألفاظا غير لائقة أو ذكر أشخاص والمساس بكرامتهم وما يتعلق بأمورهم الخاصة.
واضاف الحكم أن الدستور كفل حق المواطن في حريته الشخصية بما يقتضيه ذلك من صون كرامته والحفاظ على معطيات الحياة التي يحرص على عدم تدخل الناس فيها بعدم امتهانها وانتهاك أسراره فيها، إعمالا لحقه في احترام حياته الخاصة، بما يقف معه الحق في الخصوصية قلعة يحتمي فيها الفرد ضد تعكير صفو حياته الخاصة ومرد ذلك أن كل ما يتعلق بالحياة الخاصة للإنسان هو جزء من كيانه المعنوي فلا يجوز لاحد ان يناله أو ينشر عنه شيئا إلا بإذنه الصريح أو وفقا للقانون، ومن ذلك حالته الصحية وما يعانيه من أمراض، فلكل شخص الحق في أن يحجب أسراره عن أعين الناس وأسماعهم حتى لا يصبح مضغة في أفواههم وحديثا من أحاديثهم في مجالسهم الخاصة والعامة.
وقررت المحكمة أن حق عضو مجلس الأمة في توجيه السؤال وفق أحكام المادة 99 من الدستور، ليس حقا مطلقا وإنما يحده حين ممارسته حق الفرد الدستوري في كفالة حريته الشخصية، بما يقتضيه من الحفاظ على كرامته واحترام حياته الخاصة بعدم انتهاك أسراره فيها، ومنها حالته الصحية ومرضه، بما لا يصح معه لمن استودع السر الطبي ـ ومنهم وزير الصحة ـ أن يكشف سر المريض بما في ذلك اسمه دون إذنه أو ترخيص من القانون.
حق تشكيل اللجان
وفي 29-6-1985 صدر ثالث حكم للمحكمة الدستورية في التفسير برقم 1 لسنة 1985 لتفسير الفقرة الأولى من المادة 65 من الدستور بطلب حكومي لبيان الحق الذي يمارسه الأمير في إطار هذا النص، وهل المرسوم الذي يصدره الأمير إعمالا لهذا الحق بإحالة مشروع قانون إلى مجلس الأمة هو حق موقوف بباقي مدة الفصل التشريعي المحال خلاله المشروع إلى مجلس الأمة، بحيث يسقط هذا المرسوم ويعتبر ملغيا عند نهايته أم أن هذا المرسوم يظل ساريا ونافذا ومعروضا على مجلس الأمة إلى أن يبت فيه بالقبول أو الرفض، وان تعاقبت الفصول التشريعية عليه، وذلك مادام لم يصدر من الأمير مرسوم تال بسحبه.
وجاء قضاء المحكمة بالنص «إن مشروعات القوانين التي تتقدم بها الحكومة إلى مجلس الأمة إعمالا للحق المقرر بالمادة 65 من الدستور، وفي ضوء أحكام المادة 109 من الدستور، هذه المشروعات لا يوقف إجراءاتها أو يؤدي إلى سقوطها تغير الوزير أو الوزارة أو انتهاء الفصل التشريعي لمجلس الأمة، بل تظل قائمة ومطروحة على المجلس حتى يقرها أو يرفضها، ولو في فصل تشريعي آخر، ما لم تقم الحكومة بسحبها».
وقدمت الحكومة الطلب رقم 1لسنة 1986 ليكون الرابع وصدر به حكم في 14-6-1986 بتفسير المادة 114 من الدستور (لجنة التحقيق في البنك المركزي) واقرت المحكمة حق السلطة التشريعية في تشكيل لجان التحقيق ومباشرتها لدورها الرقابي من خلالها بجميع الوسائل والاطلاع على البيانات اللازمة الا انها استثنت في حيثيات الحكم ما يخص التجاوز على السرية من الأعمال المصرفية ما يتعلق منها بالذمة المالية لعملاء البنوك، ذلك أن نشر ما يتعلق بالذمة المالية لأحد الأشخاص إنما يعتبر من قبيل المساس بالحق في الحياة الخاصة بما لا يجوز معه الكشف عن عناصرها وإشاعة أسرارها التي يحرص عليها الفرد في المجتمع بما ينبغي معه حماية هذا السر (الذمة المالية) تأكيدا للحرية الشخصية ورعاية لمصلحة الجماعة من اجل تدعيم الائتمان العام باعتباره مصلحة اقتصادية عليا للدولة، بما يصح معه القول ان التعرض لعناصر الذمة المالية للفرد فيه مساس بحقه في الخصوصية وهو حق يحميه الدستور، شأنه في ذلك شأن التعرض لحالته الصحية والعاطفية والعائلية، وتمتد الحماية أيضا للشخص الاعتباري، وعلى هذا الأساس فانه توفيقا لمقتضى الحق في الرقابة البرلمانية بإجراء التحقيق السياسي، بما يستلزم معه اطلاع عضو المجلس المنتدب للتحقيق على أعمال البنك وبين الحفاظ على المراكز المالية للعملاء لخصوصية حياتهم في شأن عناصر ذمتهم المالية، فان الأمر يقتضي اطلاع العضو المنتدب على جميع الوثائق والأوراق والإجراءات المتخذة انصياعا لحكم المادة 114 من الدستور ولكن دون التعرض لما فيه المساس بأصحاب المراكز المالية من العملاء، أشخاصا طبيعيين أو اعتباريين.
اختصاص تشريعي ورقابي
وجاء الطلب رقم 2 لسنة 1986 لتفسير المادة 114 من الدستور ايضا ولكن ذلك كان في موضوع مختلف الا انه صدر به الحكم في ذات اليوم لحكم طلب تفسير عن ذات المادة وان كان موعدا تقديم الطلبين مختلفين ولم يتزامنا معا.
وانتهت المحكمة الى أن حق مجلس الأمة في إجراء تحقيق نيابي على مقتضى المادة 114 من الدستور يشمل كل موضوع يدخل في اختصاصه التشريعي أو الرقابي ومنه نشاط مؤسسة تسوية المعاملات المتعلقة بأسهم الشركات التي تمت بالأجل ويكون للجنة التحقيق إعمال اختصاصاتها.
على عقد القرض الذي أبرمته المؤسسة المذكورة في إجراءاتها وما يرتبط به من بيانات بما فيها أسماء المستفيدين من القرض.
وفي طلب التفسير رقم 3 لسنة 1986 والمقدم من الحكومة والصادر حكمه في 14/6/1986 لتفسير نص المادة (173) من الدستور لبيان مدى ولاية الجهة القضائية (المحكمة الدستورية) تفسير نصوص الدستور.
ويعتبر الحكم في هذا الطلب من أهم الاحكام حيث انه أكد على حق المحكمة الدستورية اضافة الى انه جاء حكما مهما رسخ اختصاصها في الرقابة السابقة على مشاريع القوانين التي يناقشها المجلس متى طلب تفسيرها لنصوص الدستور المعلقة في المشروع.
وكان مبرر الطلب تقديم بعض أعضاء مجلس الأمة اقتراحا بقانون بتعديل المادة الأولى من القانون 14/1973 على نحو يسلب المحكمة اختصاصها بتفسير النصوص الدستورية.
وقالت المحكمة: وحيث انه تأكيدا لما سلف إيراده ما جاء بالمذكرة التفسيرية للدستور بصدد المادة 173 المشار إليها حينما قالت «اثر الدستور أن يعهد بمراقبة دستورية القوانين واللوائح إلى محكمة خاصة.... بدلا من أن يترك ذلك لاجتهاد كل محكمة على حدة، مما قد تتعارض معه الآراء في تفسير النصوص الدستورية أو بعرض القوانين واللوائح للشجب دون دراسة لمختلف وجهات النظر والاعتبارات.... وانه يترك لها القيام على وضع التفسير القضائي الصحيح لأحكام القوانين وفي مقدمتها الدستور، قانون القوانين» مما يتضح معه على وجه اليقين أن المشرع الدستوري أراد أن تكون المحكمة الدستورية هي الجهة التي يوكل إليها أمر تفسير ما غمض من نصوص الوثيقة الدستورية.
الفصل في الطعون
وحيث انه إعمالا لنص المادة 173 من الدستور فقد صدر القانون رقم 14/1973 مقررا للمحكمة الدستورية ولاية التفسير للنصوص الدستورية بالإضافة إلى اختصاصها بالفصل في طعون المتعلقة بالدستورية، مما يعني أن المحكمة إنما تباشر هذا الاختصاص استقلالا، بصفة أصلية، وقد جاء ذلك القانون ثمرة عمل المجلس النيابي والحكومة، وتجسيدا لاتجاههما ورغبتهما في إصداره على نحو يكفل تنفيذ خطاب المشرع الدستوري بجعل ولاية المحكمة الدستورية شاملة الاختصاص بتفسير النصوص الدستورية بصفة أصلية ومستقلة وهو ما كشفت عنه المناقشات التي دارت داخل المجلس بين أعضائه حول مشروعي قانون إنشاء المحكمة المقدمين من الحكومة والمجلس، كما أمده الخبير الدستوري الذي شارك في المناقشات، وساهم في صياغته وصياغة الدستور من قبل، فقد جاء في رده على بعض استفسارات أعضاء مجلس الأمة حول اختصاصات المحكمة الدستورية ودور المجلس في تقديم الطعون إليها ما يلي «اختصاص المجلس بان يقدم طعونا إلى المحكمة الدستورية مقصود به بصفة خاصة أمران: الأول الطعون الانتخابية التي تقدم للمجلس فيحيلها إلى المحكمة الدستورية، الأمر الثاني ليس الطعن بمخالفة القوانين العادية للدستور، لان هذا كما قال العضو المحترم أمر بيد المجلس، إنما حيث يختلف على تفسير مادة دستورية – كما حدث مثلا من قبل بالنسبة للمادة 131 تختلف الآراء في تفسير المادة الدستورية... فـــــيريد المجلس قبل أن يصدر قانونا في أمر من الأمور أن يعرف التفسير الصحيح لهذه المادة من المحكمة الدستورية، وهذا منصوص عليه في المادة الأولى من مشروع القانون بعبارة «المحكمة الدستورية تختص بنظر تفسير الدستور» ثم دستورية القوانين المخالفة للدستور، فالطعن الانتخابي والتفسير هما الحالتان اللتان يأتي الطلب فيهما من مجلس الأمة» انتهى وتراجع في ذلك مضبطة الجلسة العاشرة المعقودة في 27/1/1973 وحيث انه لما كان البين من نص المادة 173 من الدستور انه قد ألزم المشرع بتعيين الجهة القضائية المختصة بالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين والتي تدخل فيها المنازعة في فهم النص الدستوري وطلب تفسيره، وفق ما أسلفنا – كما فوض النص المشرع في تحديد اختصاص تلك الجهة، إعمالا للقاعدة العامة المقررة في المـــــادة 164 من الدستور، بما يجب معه على المشرع الالتزام بحدود التفويض، والذي ينبغي أن يقتصر على تنظيم صلاحيات تلك الجهة بالقدر الذي يحفظ لها جوهرها المنصوص عليه في المادة 173 من الدســــتور وبغير مساس بها، ومن ثم فإن ولاية المحكمة بتفسير النصوص الدستورية، استقلالا أو تبعا تكون نابعة من الدستور مقررة من المشرع العادي، ما يترتب عليه لزوما عدم المساس بهذا الاختصاص إلا بنص يعدل المادة 173 من الدستور ولا يتأتى ذلك بتشريع عادي يقرره.