نفى وزير العدل الأسبق الشيخ سلمان الدعيج ما ذكره المحامي عماد السيف حول استجوابه مؤكدا ان استقالته من منصبه الوزراي كانت مسببة وقامت على بطلان الاستجواب الذي قدم له وانحراف مقدميه عن نصوص الدستور، وقال الشيخ سلمان الدعيج في بيان له حول ذلك، جاء فيه:
اهتزت ارجاء مجلس الامة في مجلس يوم الاربعاء الموافق 4/11/2009، بعد ان عرض عضو مجلس الامة د.فيصل المسلم صورة فوتوغرافية لما يسمى بـ «شيك» جاء منسوبا صدوره الى سمو رئيس مجلس الوزراء مؤخرا 10/6/2008 دون بيان لاسم المستفيد، وقال العضو ان الشيك صادر لاحد النواب في المجلس التشريعي السابق كـ «رشوة» لهذا العضو.
وتوالت التصريحات عن هذه الواقعة، في جريدة القبس ايام الجمعة والسبت والاحد بتاريخ 6، 7. 8/11/2009، ولفت نظري ان بعض هذه التصريحات اثارت واقعة برلمانية سابقة ـ غير صحيحة ـ كنت طرفا فيها ـ اثناء شغلي منصب وزير العدل ـ واستدل اصحاب هذه التصريحات من هذه الواقعة على ان اظهار صورة شيك، في مجلس الامة، لا يشكل جريمة افشاء الاسرار المصرفية، وفقا لنص المادة 85 مكرر من قانون النقد وبنك الكويت المركزي.
فيقول عادل بطرس ـ في صحيفة القبس الصادرة يوم الجمعة الموافق 6/11/2009 ان اظهار الصورة الضوئية لا يعتبر خرقا للسرية، وان المسؤولية تقع على عاتق الموظف الذي اخرج صورة الشيك المصرفي وسلمه للنائب فيصل المسلم الذي عرضها في مجلس الامة، واضاف في تصريحه واقعة كاذبة ـ منسوبة الينا ـ قائلا ان المحامي حمد الجوعان النائب السابق، حصل على صورة لشيك مصرفي، وقدم على اساسها استجوابا لوزير العدل السابق الشيخ سلمان دعيج الصباح وادى الى استقالة الوزير.
بينما يقول عماد السيف المحامي ـ في صحيفة القبس الصادرة يوم السبت الموافق 7/11/2009 ـ ردا على التصريح السابق ـ ان حمد الجوعان لم يصرح للاعلام عن هذا الشيك الا خلال جلسة استجواب الشيخ سلمان دعيج الصباح، بعد ان اصبح خبر الشيك امرا موثقا، وان الشيك مادة استجواب حمد الجوعان مصروف من حساب المال العام، وخلص في تصريحه الى انعدام المقارنة القانونية، بين واقعة الشيك المقدم من د.فيصل المسلم، وواقعة الشيك التي اعلنها النائب السابق حمد الجوعان في الاستجواب السابق.
وحيث ان كلا من عادل بطرس وعماد السيف اقحم اسمنا ـ بالاساءة والايذاء ـ بمناسبة واقعة اظهار فيصل المسلم لشيك في مجلس الامة يوم 4/11/2009، بزعم انه صادر من رئيس مجلس الوزراء بقصد رشوة احد اعضاء مجلس الامة السابقين.
فإنه لا يسعنا، قبول المغالطات حول الواقعة البرلمانية التي كنت طرفا فيها في ابريل عام 1985، ولا يسعنا كذلك قبول اسفاف القول وقبح التخاطب في امر يخصني، ومن شأنه المساس بالذمة المالية المكفولة بحماية دستورية، نصت عليها المادة 30 من الدستور، وحظرت المحكمة الدستورية ـ في حكمها الصادر بتاريخ 14/6/1986 في طلب التفسير رقم 1/1986 تناولها علانية، واعتبرت ان المساس بالذمة المالية فيه انتهاك للحق في الخصوصية، وان نشر ما يتعلق بالذمة المالية لاحد الاشخاص انما يعتبر من قبيل المساس بالحق في الحياة الخاصة، بما لا يجوز معه الكشف عن عناصرها واشاعة اسرارها التي يحرص عليها الفرد في المجتمع، مما ينبغي معه حماية هذا السر (الذمة المالية) تأكيدا للحرية الشخصية ورعاية لمصلحة الجماعة، وقالت المحكمة الدستورية كذلك ان التعرض لعناصر الذمة المالية للفرد فيه مساس بحقه في الخصوصية، وهو حق يحميه الدستور شأنه في ذلك شأن التعرض لحالته الصحية والعاطفية والعائلية على النحو الذي قضت به المحكمة الدستورية في طلب التفسير رقم 3/1982 بجلسة 8/11/1982.
وتصحيحا لما ورد في التصريحات الماسة بي المصاحبة لواقعة شيك د.فيصل المسلم، وحرصا مني على وقف اي خروج أو تجاوز من اي شخص كان، لا يحترم قواعد حماية الذمة المالية مستقبلا، مثلما حدث في التصريحين المشار اليهما، فإنني انبه الى الآتي:
اولا: انني بحكم منصبي السابق كوزير للعدل والشؤون القانونية والادارية في الفترة من عام 1977 حتى عام 1985، احترم التفسير الفقهي الذي يقوم به الباحثون المتخصصون في ابحاثهم، اذ يتمتع هذا النوع من التفسير، بالمنطق الدقيق والتدليل الصحيح والحجج البالغة والاقيسة المحكمة والابحاث التاريخية المستفيضة، لان مثل هذا التفسير يكون بعيدا عن الغايات والاهواء، ويتسم بالصفاء والتجرد، فاذا اقترب التفسير الى الهوى وانزلق صاحبه الى السذاجة والسطحية، بسبب عدم الاحاطة بقواعد التفسير، او عدم الاحاطة بالعناصر الواقعية للمسألة محل البحث، او بالاندفاع بالرأي تحت هوى او غاية تقوم على سوء النية، فإن هذا المنهج في التخاطب تحت ستار البحث يستبعد الاحترام والتقدير، وقد يدخل صاحبه في المؤاخذة والمساءلة سواء كانت جنائية او مدنية.
ثانيا: ان استدلال عادل بطرس وعماد السيف بالواقعة البرلمانية السابقة التي كنت طرفا فيها كوزير للعدل، بمناسبة اظهار شيك منسوب صدوره الى سمو رئيس مجلس الوزراء، مع الادعاء بأنه «رشوة» لم يكن استدلالا صائبا، رغم اختلافهما في أسباب الاستدلال ومبرراته، والصحيح، وفقا لصحيفة الاستجواب المؤرخ 16/4/1985 المقدم من 3 نواب سابقين، ان هذا الاستجواب قام على محورين، أولهما ـ توجيه سؤال من النائب السابق حمد الجوعان الى وزير المالية والاقتصاد في ذلك الوقت بتاريخ 24/2/1985، يطلب فيه الإفادة عن بيان معاملات الأسهم بالأجل لصالح ابن أحد الوزراء دون تسميته، فأجاب الوزير المختص عن هذا السؤال بأن المقصود بهذه المعاملات احد أبنائي، وأورد الوزير في إجابته بيانات عن أسهم معاملتين فقط ومقدار المبالغ التي استحقها ابني من صندوق ضمان حقوق الدائنين ورقم سند الصرف من الصندوق الذي تقرر إنشاؤه بالقانون رقم 59/1982 والذي وافق عليه مجلس الأمة بناء على اقتراح أعضائه، فلم يكن سند الصرف شيكا كما يقول الأستاذ عماد السيف، وانما كان مستندا الى حكم قضائي بات من هيئة تحكيم معاملات الأسهم بالأجل وفقا للقانون رقم 59/1982 سالف الذكر، أما المحور الثاني في هذا الاستجواب، فقد قام على أساس مشاركتي كوزير للعدل، في إعداد الحلول التشريعية لأزمة سوق الأوراق المالية المتعارف عليها بأزمة «سوق المناخ» مع وجود معاملات باسم أحد أبنائي، مما قد يثير المصلحة الشخصية كما زعم مقدمو الاستجواب.
فلم يعرض مقدمو الاستجواب شيكا في جلسة الاستجواب المحدد لها يوم 16/4/1985 أدى الى استقالتي، وانما عرض المستجوبون خطاب الجهة الإدارية المختصة ببيانات المعاملات ـ ردا على سؤال نيابي ـ دون ان يكون مرفقا به صورة أي شيك صادر لصالح أحد أبنائي، كما لم يعرض أي من المستجوبين صور شيكات في الجلسة عن أي معاملة وردت في خطاب الجهة الإدارية.
ثالثا: انه لا صحة لما قاله الأستاذ عماد السيف المحامي ان صرف ابني للشيك الذي أظهره النائب السابق حمد الجوعان في جلسة الاستجواب عن معاملة أحد أبنائي كان من حساب المال العام، ففضلا عن ان واقعة إظهار الشيك بالجلسة، لم تحدث أصلا، من اي من المستجوبين كما سلف البيان، فإن عرض هذه الواقعة في تصريحه ـ كان بغير أمانة ـ فالذي كان معروضا في جلسة الاستجواب، هو خطاب ببيانات معاملة أحد أبنائي ـ مستمدة من سجلات «شركة المقاصة ـ ثم صدرت بها أحكام قضائية باتة من هيئة التحكيم التي أنشأها المرسوم بالقانون رقم 57/1982 والقانون رقم 59/1982 في شأن المعاملات المتعلقة بأسهم الشركات التي تمت بالأجل وضمان حقوق الدائنين المتعلقة بها، وقد أناط القانون الأخير بهيئة التحكيم الفصل في منازعات المتعاملين في الأسهم بالأجل، بأحكام لا تقبل الطعن ـ بسبب الظروف المعاصرة لتلك الأزمة ـ وما ترتب على ذلك من تقديم بعض أعضاء مجلس الأمة اقتراحا بإنشاء صندوق بوزارة المالية لضمان حقوق الدائنين المتعلقة بأسهم الشركات التي تمت بالأجل، واعتمد مجلس الأمة هذا الاقتراح وأصدر القانون رقم 59/1982 وحددت المادة العاشرة من هذا القانون شروط الاستفادة من هذا الصندوق بقولها: «يتولى الصندوق سداد الديون الناتجة عن المعاملات المذكورة في الفقرة الأولى من المادة السابقة وبعد صدور حكم بإلزام المدين بالدين وصدور قرار من هيئة التحكيم المنصوص عليها في المادة الأولى من هذا القانون بإحالة المدين الى النيابة العامة لاتخاذ إجراءات الإفلاس في حقه طبقا للمادة الثالثة من هذا القانون».
(يراجع مضبطة مجلس الأمة رقم 449/أ وأسماء النواب المتحدثين فيها بجلسة 9/11/1982 ومضبطة مجلس الأمة رقم 449/أ بالنسبة لمناقشة القانون رقم 59/1982 وأسماء النواب الذين وافقوا عليه بجلسة 16/11/1982 ويراجع تقرير لجنة الشؤون التشريعية والقانونية المعروض على مجلس الأمة من مقرر اللجنة السيد صالح الفضالة النائب السابق).
واستنادا للقانون رقم 59/1982 سالف الذكر، فقد أصدرت هيئة تحكيم معاملات الأسهم بالأجل حكما باتا بأحقية ابني في صرف سند من صندوق ضمان حقوق الدائنين في المعاملة رقم 3106/1983 مقاصة بجلسة 16/2/1983 وذلك بعد تحقيقها وقصرت التنفيذ على صندوق ضمان حقوق الدائنين، فلم يكن الصرف مستندا إلى شيك وإنما استند إلى حكم قضائي بات.
رابعا: ان تقديم استقالتي من منصبي كوزير للعدل كانت مسببة وقائمة على بطلان الاستجواب، ومخالفته لأحكام المادتين 100 و 101 من الدستور لأن الاستجواب قام على انحراف مقدميه في استعمال الحق في الاستجواب بالمخالفة لأحكام هاتين المادتين، فيما تقضي به من أن الوزير لا يسأل دستوريا ولا يجوز استجوابه إلا عن الأمور الداخلة في اختصاصه، فضلا عن عدم مساءلته عن أعمال وقعت في مجلس تشريعي سابق، كما قامت الاستقالة المسببة على أن التشريع يدخل أساسا في سلطة مجلس الأمة، ولا يسأل عنه أي وزير، وأن المشروعات المقدمة من الحكومة تجري مناقشتها وتعديلها داخل اللجان المختلفة وفي مداولات المجلس مجتمعا وأنها لا تصدر إلا بموافقة مجلس الأمة، وعلى النحو الثابت من مضابط مجلس الأمة بجلستي 9/11/1982 و 16/11/1982 كما سلف البيان. فالاستقالة كانت مؤسسة ومبنية على قيام الاستجواب على الادعاء بمسؤوليتي عن إصدار التشريعات لعلاج ازمة سوق الأوراق المالية، وهو أمر لا يدخل في اختصاص وزير العدل، وإنما يدخل في اختصاص مجلس الأمة.
فليس صحيحا ما صرح به عادل بطرس من أن استقالتي تمت عقب اظهار شيك لأحد ابنائي في جلسة الاستجواب، فهذا التصريح لا يتسم بالامانة في عرض الوقائع.
خامسا: ان ما زعمه عادل بطرس في جريدة «القبس» الصادرة يوم الأحد الموافق 8/11/2009 من أن هذا الاستجواب يدرس في كلية الحقوق، فإن هذا الزعم، محل نظر، فقد سبق للأستاذ الدكتور عثمان عبدالملك الصالح المتخصص في القانون الدستوري دمغ هذا الاستجواب بالبطلان ومخالفته للدستور، ومساسه بأحكام قضائية لها حجية الأمر المقضي، وتم نشر بحث هذا الاستجواب في جريدة «الأنباء» الكويتية الصادرة بتاريخ 11/5/1985، وقد أثبت في بحثه أن حكم هيئة التحكيم رقم 3106/1983 الصادر بتاريخ 16/2/1983 الذي اسلفناه في البند «ثالثا» من هذا البيان، أنزل حكم القانون على المعاملة التي كانت محلا للاستجواب، والتي ينكر المستجوبون شمول قانون صندوق صغار المستثمرين لها، وقررت الهيئة عكس ما ذهب إليه الاستجواب بأن قانون إنشاء الصندوق يشملها، وأن ما ورد فيه مساسا بحكم قضائي له حجية وقوة الأمر المقضي، ويعتبر دليلا على إثبات الحق الموضوعي للابن القاصر للوزير بشمول صندوق حقوق الدائنين لمعاملته، ويفترض ان ما جاء في هذا الحكم هو عنوان الحقيقة ولا يقبل الدحض بأي دليل وفيه الرد الضمني المسقط لكل حجة ولكل ادعاء ورد في الاستجواب، ثم خلص د.عثمان عبدالملك في بحثه، إلى أن الاستجواب قد انطوى على مخالفات جسيمة للقانون تارة وللدستور تارة أخرى، حين أقام المستجوبون استجوابهم على تحميل وزير العدل المسؤولية عن مشروعات قوانين أزمة المناخ، لأن مشروعات القوانين هي في واقع الأمر وحقيقته من موضوعات السياسة العامة للدولة، وقد نوقشت في مجلس الوزراء وأقرتها الحكومة بأسرها وأقرها مجلس الأمة. وكلنا يعرف مدى تخصص الاستاذ الدكتور عثمان عبدالملك الصالح في القانون الدستوري، وتميزه عن غيره بقلمه المتميز وأمانته العلمية وعمق مفاهيمه العلمية، وبعد دراسته المتعمقة في الاستجواب المشار إليه في تصريحات من تحدث في الصحف، لا اعتقد ان الاستاذ الدكتور عثمان عبدالملك الصالح ـ اجاز تدريس هذا الاستجواب في كلية الحقوق ـ بحكم رئاسته لقسم القانون العام في كلية الحقوق ـ إلا بمناسبة دراسته لانحراف بعض اعضاء مجلس الأمة في استعمال وسائل الرقابة البرلمانية، ومنها الاستجواب.
ولمزيد من الدراسة، يراجع بحث الدكتور عثمان عبدالملك الصالح المنشور في جريدة «الأنباء» الكويتية الصادر بتاريخ 11/5/1985 بعنوان «استجواب وزير العدل في ضوء الحقيقة والقانون».