وجه اتحاد المصارف رسالة إلى رئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي جاء فيها:
طالع اتحاد مصارف الكويت ما تناقلته وسائل الإعلام المحلية عن الاقتراح بقانون الذي اقرته لجنة الشؤون المالية والاقتصادية بمجلس الأمة الموقر بشأن «قيام البنوك وشركات الاستثمار بإعادة جدولة أرصدة القروض الاستهلاكية والمقسطة المستحقة على المواطنين لديها وتنظيم منح هذه القروض مستقبلا». وهو يقوم ـ في جملته ـ على إعادة جدولة هذه الأرصدة بعد اسقاط الفوائد والعوائد المستقبلية عنها نظير ما يتم إيداعه لدى البنوك من ودائع للمؤسسات الحكومية دون عائد.
وإذ يتناول هذه الاقتراح بقانون امورا وثيقة الصلة بالنشاط المصرفي، وهو نشاط له ذاتيته وآلياته الخاصة، فإن الاتحاد وهو يدرك دور أعضائه من البنوك المحلية تجاه المجتمع وحرصها على موالاة هذا الدور بما يحقق الصالح العام، يرى انه يجب ان يؤخذ في الاعتبار الدور الحيوي للمؤسسات المالية في دفع عجلة التنمية الاقتصادية بحسبان أن هذه المؤسسات هي العصب الرئيسي للاقتصاد الوطني وأداته الفاعلة.
ويود الاتحاد ان ينوه ـ بداءة ـ بأنه لم يكن متاحا له الاطلاع على ما يكون هذا الاقتراح بقانون قد عول عليه من دراسات فنية وإحصاءات عددية تحدد مدى تكلفة الحل الذي يتبناه على الجهات الدائمة من جهة وعلى المال العام من جهة أخرى. ومدى حاجة البنوك الى مزيد من السيولة النقدية والنتائج المترتبة على ذلك. ومدى فاعلية هذا الحل وما اذا كان يتضمن تعويضا عادلا عن حرمان الجهات الدائنة من حقوق دائنيتها، ودون اغفال في هذا كله لظروف الازمة المالية الراهنة وتداعياتها.
غير انه وقد أذيع أن مجلس الأمة الموقر حدد جلسة الاربعاء الموافق 23/12/2009 موعدا لنظر الاقتراح بقانون سالف الذكر، فإن الاتحاد يبادر إلى عرض ملاحظاته في هذا الشأن، وذلك على النسق التالي:
أولا ـ الملاحظات الدستورية:
1 ـ لا يوفر الاقتراح بقانون مبدأ المساواة امام القانون وتكافؤ الفرص بين المواطنين فهو ـ على وجه العموم ـ يمايز بين المواطنين المقترضين وبين المواطنين غير المقترضين ويتضمن إيثارا للفئة الأولى دون الثانية. وهو ـ على وجه الخصوص ـ يمايز فيما تضمنه من نظام اعادة الجدولة بين المقترضين حتى 30/9/2009 وبين غيرهم من المقترضين بعد هذا التاريخ، ويجعل الافادة من هذا النظام مقصورة على الفئة الأولى دون سواها رغم تماثل المراكز القانونية، مخالفا بذلك نصوص المواد 7 و8 و29 من الدستور.
2 ـ يصادر الاقتراح بقانون حق التقاضي الذي حرص الدستور ـ في المادة 166 منه ـ على كفالته للكافة بغير تمييز فيما بينهم، فمن جهة يفرض الاقتراح بقانون ـ في المادة الرابعة منه ـ على الدائن المقترض ان يتنازل عن أي دعوى قضائية متداولة يكون قد اقامها على المدين المقترض، بينما لا يفرض على هذا الاخير التنازل عن أي دعوى قضائية متداولة يكون قد أقامها على الدائن المقرض، ومن جهة أخرى، يحظر الاقتراح بقانون ـ في المادة السادسة منه ـ اتخاذ أي اجراءات تحفظية بما في ذلك المنع من السفر بحق العميل الذي يمنح بعد العمل بأحكامه قرضا استهلاكيا او قرضا مقسطا او كليهما، مع ما في ذلك من افتئات على حق الجهات الدائنة في التقاضي.
ثانيا: الملاحظات الأخرى:
أ ـ إهدار القوة الملزمة لعقود أبرمت في الماضي:
1 ـ يهدر الاقتراح بقانون القوة الملزمة للعقود المبرمة بين الجهات الدائنة وعملائها المدينين، ويعدل في احكامها التي هي شريعة عاقديها، إذ يسقط عن الدائن المقرض حقه التعاقدي في استيفاء الفائدة قبل حلول الاجل، ويجبره على إعادة الجدولة بغير فائدة مستقبلا، خلافا لما تنص عليه المادتان 196 من القانون المدني و104 من قانون التجارة وهذا التعديل في احكام العقود القائمة ينطوي على ابطال لشق منها مما يختص به القضاء.
2 ـ يسحب الاقتراح بقانون احكامه على الماضي ليسري بأثر رجعي على عقود أبرمت قبل 30/9/2009، على الرغم من أن هذه العقود اقدم عليها المقرض والمقترض اختيارا في ظل القواعد والضوابط التي كانت قائمة وقت ابرامها، وهو ما يتضمن مساسا بالمراكز القانونية المستقرة وتقويضا لمقوماتها وانتهاكا لآثارها.
ومن الجدير بالذكر ان تمديد تاريخ تحديد رصيد المديونية الى 30/9/2009، سوف يؤدي الى أن يشمل نظام اعادة الجدولة الوارد في الاقتراح بقانون فئة من العملاء حصلت على تلك القروض في اطار الضوابط الجديدة التي اصدرها بنك الكويت المركزي بتاريخ 24/3/2008. كما ان الاقتراح بقانون يشمل ايضا العملاء المنتظمين في السداد مادامت أرصدة قروضهم الاستهلاكية قائمة حتى 30/9/2009.
ب ـ تباين الأنظمة القانونية الحاكمة لرابطة الدائنية:
1ـ مؤدى الاقتراح بقانون ان تخضع رابطة الدائنية التي ترتبت على القرض المقدم من جهات دائنة تقليدية لنظامين قانونيين متباينين، اذ تحكمها ـ منذ نشوئها وحتى 30/9/2009 ـ قواعد قانون التجارة فيما تتضمنه من الاتفاق على الفائدة بينما تحكمها ـ بعد هذا التاريخ الأخير ـ مبادئ الشريعة الاسلامية، وهكذا لا يخضع ذات القرض ـ في سائر مراحل عمره ـ لنظام قانوني واحد، بل يخضع لنظامين قانونيين يستقل كل منهما بأحكامه وقواعده، وهو ما لا يهيئ له التجانس والانسجام في القواعد القانونية الحاكمة له.
2ـ يحظر الاقتراح بقانون على الجهات الدائنة ـ ومن بينها بنوك وشركات استثمار تقليدية ـ احتساب اية فوائد او عوائد مستقبلية على القروض الاستهلاكية والمقسطة القائمة حتى 30/9/2009 ويفرض عليها ـ مقابل ذلك ـ قبول ودائع للمؤسسات الحكومية تخضع لمبادئ الشريعة الاسلامية، وهذا ينطوي على تعديل جوهري للآليات والأدوات المستخدمة في الجهاز المالي والمصرفي والذي ينتظم وحدات تقليدية واخرى اسلامية. وخروج واضح على قواعد مستقرة ينص عليها قانون التجارة في المواد 110 الى 115 منه وكذلك القانون رقم 32 لسنة 1968 في شأن النقد وبنك الكويت المركزي وتنظيم المهنة المصرفية في المادة 73 منه.
ج ـ النقص والغموض واختلال التوازن في الأحكام:
1ـ تخلو المادة الثانية ـ والتي تتناول أسس الحل المقترح ـ من النص صراحة على مدة الجدولة وتترك تحديد هذه المدة للاستخلاص ضمنا مما تنص عليه المادة السابعة ـ في صدرها ـ من ان على الجهات الدائنة رفع تقرير بشأن جميع المديونيات التي تم اعادة جدولتها لمدة تجاوزت 15 سنة تنفيذا لهذا القانون وذلك على الرغم من ان تحديد مدة الجدولة هو امر جوهري لا يناسبه الاستخلاص الضمني.
2ـ يسقط الاقتراح بقانون ـ في المادة الثانية منه ـ كافة الفوائد والعوائد المستقبلية التي تترتب على هذه المديونيات وينص ـ في المادة الثالثة منه ـ على ان تتحمل الدولة كافة الفوائد والعوائد المستقبلية المترتبة على مديونيات المواطنين المشار إليها في المادة الثانية، وقد يومئ هذا النص الاخير الى ان الدولة تلتزم مباشرة بأداء الفوائد والعوائد المستقبلية على حين ان هذا لا يتم ـ بحسب ما قصد اليه واضعو الاقتراح بقانون ـ الا من خلال تحمل الدولة الفوائد والعوائد المستقبلية المترتبة على ودائع المؤسسات الحكومية لدى البنوك.
3ـ لم يصرح الاقتراح بقانون بأن ودائع المؤسسات الحكومية تكون بدون عائد وذلك في الوقت الذي يصرح فيه بأن القروض المعاد جدولتها تكون «بدون فوائد» كما لم يحدد طبيعة او نوع «البديل» الذي نص على ان الحكومة تضمن وجوده في حال عدم كفاية هذه الودائع أو في حال عدم وجودها، فضلا عن انه يحدد تعويض البنوك بالعائد على ودائع حكومية ودون الالتفات الى ان سعر العائد (الفائدة) تحدده عوامل السوق وهي متحركة غير ثابتة وتتغير ارتفاعا وانخفاضا تبعا للظروف الاقتصادية.
4ـ يوجب الاقتراح بقانون الا تتجاوز قيمة القسط الشهري للقرض المعاد جدولته 35% من الدخل الشهري للعميل ولم يبين ما اذا كان يعتد ـ في تحديد هذه النسبة ـ بالدخل في تاريخ منح القرض أو بالدخل في تاريخ اعادة الجدولة، وما اذا كان يعتد ايضا ـ في هذا التحديد ـ بإجمالي الدخل أو بصافي الدخل.
5ـ يخل نص المادة الرابعة من الاقتراح بقانون بالتوازن الواجب بين طرفي العلاقة (الدائن والمدين) اذ يلزم الجهات الدائنة بالتنازل عن اي دعوى قضائية متداولة تكون قد أقامتها تجاه العملاء المقترضين على حين انه لا يلزم هؤلاء العملاء بالتنازل ـ عقب اعادة الجدولة ـ عن دعاواهم القضائية المتداولة تجاه الجهات الدائنة وهو ما لا يهيئ لاستقرار الاوضاع المالية لسائر الاطراف علاوة على ان الاقتراح بقانون لم يعرض لوضع الرسوم او المصاريف في الدعاوى المتنازل عنها.
6ـ يضع الاقتراح بقانون الجهات الدائنة في وضع أقل من وضع الدائن العادي، اذ يحرمها ـ في المادة السادسة منه ـ من الحق في اتخاذ اي اجراءات تحفظية بما في ذلك المنع من السفر بحق اي عميل مقترض يمنح بعد العمل بهذا القانون اي قرض استهلاكي او قرض مقسط او كليهما، وكذلك بحق كفيله وكفيل كفيله (ان وجد) بينما يظل للدائنين الآخرين الحق في اتخاذ هذه الاجراءات وحري بالذكر ان المنع من السفر هو اجراء وقتي تحفظي تنظمه قواعد قانون المرافعات المدنية والتجارية بغية المحافظة على حق الدائن متى كان هذا الحق محقق الوجود وحال الأداء وتوافرت أسباب جدية تدعو الى الظن بقرار المدين من الدين مع قدرته على الوفاء ولا وجه لتعديل تلك القواعد المستقرة والمتوازنة والتي تضع من الضوابط ما يكفل صالح الطرفين على السواء، ويخشى من ان يؤدي الاسلوب الذي اتبعه الاقتراح بقانون الى التأثير على السلوكيات في المعاملات وعدم اكتراث العملاء المقترضين بالوفاء بالتزماتهم تجاه الجهات الدائنة، الأمر الذي يجعل هذه الجهات تتردد في تقديم هذا النوع من القروض، مع ما لهذا – ايضا – من انعكاسات على مجريات الاقتصاد الوطني.
7- يفتقر نص المادة التاسعة من الاقتراح بقانون الى التناسق، اذ يعهد – في صدره – الى اللائحة التنفيذية بتحديد ميعاد تقديم الطلب الذي يختار بموجبه عملاء صندوق المعسرين – الذين تم توثيق تسوياتهم وفقا لاحكام القانون رقم 28 لسنة 2008 – الدخول في نظام الجدولة الجديد، على حين ان هذا الميعاد محدد في نهاية نص تلك المادة.
د- المغالاة في الجزاءات
1 – وفقا لما تنص عليه المادة الخامسة من الاقتراح بقانون فان الجزاء على مخالفة الحد الاقصى لقيمة القرض الاستهلاكي او المقسط المقدم للعميل «بعد العمل باحكام هذا القانون» يتمثل في غرامة تعادل ضعف القرض الممنوح للعميل، ويرد الى الجهة الدائنة من هذه الغرامة ما يعادل رصيد القرض بحيث يعتبر ذلك تسديدا له، بالاضافة الى تطبيق جميع الصلاحيات الاخرى التي يملك ان يتخذها بنك الكويت المركزي تجاه الجهات المخالفة لتعليماته طبقا لما هو منصوص عليه في قانونه، وهذا الجزاء يعيبه المغالاة والازدواج بينه وبين الجزاءات المنصوص عليها في المادة 85 من قانون البنك المركزي، فتتعدد الجزاءات عن ذات الفعل، وتصبح شديدة الوطأة مما قد يدفع الجهات المقرضة الى تقليص الحدود التي يمكن اقراضها للقطاع العائلي اشفاقا من تلك الجزاءات ويضطر المواطنون الى السعي خارج النظام المصرفي واللجوء للسوق غير المنظم والذي يتسم بالمغالاة الفاحشة في اسعار الفائدة وفي الضمانات.
2- ووفقا لما تنص عليه المادة الثامنة من الاقتراح بقانون فانه اذا ثبت لبنك الكويت المركزي وجود تجاوز في احتساب فوائد القروض بالمخالفة لاحكام قانون التجارة وترتب عليها زيادة الاعباء المالية على القرض عما كانت عليه وقت ابرام عقد القرض، تسقط هذه الزيادة لتحقيق وصول الفائدة الى الحد القانوني، ويعتبر ما تم تحصيله منها قبل العمل بهذا القانون دفعات نقدية تودع في حساب الاحتياطي العام للدولة – وفوق ان هذا النص يرتد الى الماضي فانه تعوزه الأسس المنطقية اللازمة لحمله، اذ يقضي بدفع الزيادة التي يكون قد تم تحصيلها الى الدولة وليس للعميل الذي اوفى بها.
هـ - العيب في إلغاء بعض القوانين:
1- ينص الاقتراح بقانون – في المادة الثانية عشرة منه – على إلغاء القانون رقم 28 لسنة 2008 في شأن انشاء صندوق لمعالجة اوضاع المواطنين المتعثرين في سداد القروض الاستهلاكية والمقسطة تجاه البنوك وشركات الاستثمار، بينما يسمح – في المادة التاسعة منه – لعملاء هذا الصندوق بالاستمرار – اذا رغبوا – في تطبيق نظام الجدولة الذي يكون قد تم توثيقه وفقا لاحكام ذلك القانون، ويستتبع هذا الاستمرار بقاء ذلك القانون وليس إلغاءه.
2- وينص الاقتراح بقانون – في المادة الثالثة عشرة منه – على الغاء كل نص في قانون عام او في قانون خاص يتعارض مع احكامه، واذ لا يقتصر الالغاء على الحدود التي يتحقق فيها التعارض، فان مؤدى هذا الغاء نصوص رئيسية في كل من القانون المدني وقانون التجارة، وهو ما يجب تجنبه.
ثالثا: الحل الناجح يكمن في قانون صندوق المعسرين:
يرى الاتحاد ان هذا الاقتراح بقانون يؤثر – في جملته – سلبا على الاقتصاد الوطني ويعوق المؤسسات المصرفية والمالية الوطنية عن اداء دورها الذي تضطلع به في ارساء دعائم التنمية الاقتصادية في البلاد منذ الخمسينيات وحتى اليوم.
ويؤكد الاتحاد ان الحل الناجع يكمن في قانون صندوق المعسرين، واذا كشف الواقع العملي بعد تطبيقه عن الحاجة الى ادخال بعض التعديلات عليه، فانه لا بأس من القيام بذلك على غرار ما يتبع في سائر التشريعات.