بيروت ـ ندى مفرج سعيد
تستعد بيروت لاحتضان تظاهرة صامتة 26 الجاري تضامنا مع فيروز بعد منعها من إعادة عرض مسرحية «يعيش يعيش» على مسرح كازينو لبنان بسبب أمر قضائي حول ميراث عائلة الرحباني، بعد دعوى من قبل أولاد منصور الرحباني ضد فيروز، وقال منظمو الاعتصام انه سيكون سلميا صامتا لن يعلو فيه إلا صوت أغنيات فيروز عبر مكبرات الصوت على أن يحمل المتظاهرون لافتات تنديد تعبر عن موقفهم من منع فيروز من الغناء. وسيتم تنظيم الاعتصام السلمي أمام مبنى المتحف بوسط بيروت بعد أن حصل منظمو الاعتصام على تصاريح من وزارة الداخلية اللبنانية، وسيقوم المعتصمون بارتداء قمصان صفراء، وهو اللون الذي تفضله السيدة فيروز، وقد أعلنت الفنانة المصرية إلهام شاهين انها ستصل الى بيروت للتضامن مع المعتصمين، وقد خرج أولاد منصور الرحباني الذين يتعرضون لحملة إعلامية كبيرة لبنانيا وعربيا بسبب الغضب الشعبي من منع المطربة الكبيرة فيروز من الغناء بحكم قضائي، ووزع الاخوة الرحابنة الأولاد بيانا صحافيا جاء فيه:
نحن مروان وغدى وأسامة منصور الرحباني، وبعد صمت فرضناه على انفسنا تجاه حملات إعلامية مغرضة تناولتنا مؤخرا من بعض الأقلام، وبينها ذوو القربى على خلفية مشاكل عالقة بيننا وبين وريثتي عمنا عاصي وهما أرملته السيدة نهاد حداد «فيروز» وابنتها ريما. وبعدما تيقنا أن كل الذين تحدثوا في الموضوع لا يعرفون ماهية تلك المشاكل ولا أسبابها ولا تفاصيلها ولا ما الحقوق والواجبات فيها، وبعد وصول التجني في الإعلام الى درجات الشتم والإهانة و«السلبطة»، رأينا أن من واجبنا الخروج عن «الصمت الأخلاقي» الذي تعلمناه من نبل عاصي ومنصور معا، والدخول في الكلام الواقعي والجدي تبيانا للحقائق.
الخلاف حول تكريم الأخوين رحباني في المناهج المدرسية
غداة غياب منصور الرحباني، وفي لفتة تقدير من وزيرة التربية الوطنية والتعليم العالي آنذاك السيدة بهية الحريري بغية تنشئة الأجيال القادمة على فكر وأدب الأخوين الرحباني ومنصور بعد غياب عاصي، أصدرت بتاريخ 12/2/2009 القرار رقم 167/2009 الذي قضى بتشكيل «لجنة لتخليد فن وأدب منصور الرحباني والعائلة الرحبانية عبر إدخالها في المناهج والأنشطة التربوية». وفي أعقاب نشر هذا القرار في العدد الخاص من المجلة التربوية (مارس 2009) الذي أصدره المركز التربوي للبحوث والإنماء اعترضت الآنسة ريما الرحباني على تلك العبارة وجاريناها الرأي وتمنينا على الوزيرة الحريري التصحيح فبادرت إلى التصحيح بموجب قرار مؤرخ في 19/5/2009 حيث أصبح على الوجه التالي: تشكل لجنة لتخليد فن وأدب الأخوين الرحباني ومنصور الرحباني بعد غياب عاصي الكبير. وبعد ذلك، أصرت الآنسة ريما على الاحتجاج الواهم في الإعلام بالرغم من انتفاء السبب. وعليه لا يمكن اعتبارنا مسؤولين عن صياغة نص القرار الأول ولا عن تغييب عاصي الرحباني.
وحبذا لو صح الاتهام بأنه باستطاعتنا استصدار القرارات الإدارية والقضائية كما نشاء، لكننا أعدنا بناء منزل «أم عاصي» في انطلياس الذي استملكته الدولة غداة رحيل عاصي ليكون متحفا للأخوين الرحباني، والذي جهد الحاقدون الحاسدون في عرقلة معاملات استملاكه وصولا إلى هدمه وذلك من ضمن إحدى المحاولات اليائسة المتعددة لإلغاء الأخوين من الذاكرة الجماعية، حيث ان الحرب على قرار وزارة التربية اليوم يوازي إلغاء المتحف في الماضي.
محاولة إلغاء منصور الرحباني
وبسياق هذه الحرب العاقر، يتبين لنا يوما بعد يوم أن هنالك نية مصوبة نحو إلغاء إنتاج وجهد وتأليف كل ما صدر عن منصور الرحباني منفردا بعد رحيل عاصي كأنما هنالك من يعتبر نفسه متضررا من هذا الانتاج الذي استمر طوال 23 سنة، أصدر خلالها 11 مسرحية غنائية وخمسة دواوين شعرية والقداس الماروني، قدم في عروض متمادية في لبنان والخارج بنجاح منقطع النظير. والسؤال الذي يطرح نفسه، لو كان منصور هو الذي غاب عام 1986 وألف عاصي منفردا هذه الأعمال هل كان ورثة عاصي يقبلون بالتجني على هذا التأليف أو محاولة إلغائه؟
الخلاف القانوني بين منصور الرحباني ونهاد حداد «فيروز»
ويضيف البيان: يحاول البعض أن يشيع للرأي العام ان الدعاوى التي أقامها منصور هي من أجل منع فيروز عن الغناء، إن هذا الأمر غير صحيح على الإطلاق حيث ان منصور لم يرفض يوما طلبا لفيروز بأن تؤدي أيا من الأعمال المشتركة للأخوين الرحباني. إلا أن ما طالب به منصور بالمقابل كان ابسط حقوقه التي تنبع من المبدأ القانوني المكرس في المادة 6 من القانون رقم 75/1999 التي تحظر على احد المؤلفين في الاعمال المشتركة أن يمارس بمفرده حقوق المؤلف من دون رضا شركائه ما لم يكن هناك اتفاق خطي مخالف وما يترتب عليها من حقوق، والتي ما كان منصور لينكرها على فيروز فيما لو رغب بإعادة أحد أعمال الأخوين واستحصل على موافقة أصحاب الحقوق بشأنها.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن إدارة كازينو لبنان، وبالنظر الى صراحة هذه المادة، لم تقبل التعاقد على تقديم اي مسرحية للأخوين الرحباني دون موافقة خطية صريحة ومسبقة من مؤلفي العمل المشترك. وعلى هذا الأساس أيضا نشأ خلاف مع فيروز على خلفية تقديمها لمسرحية «صح النوم» في دمشق والشارقة دون موافقة منصور الخطية والمسبقة ودون احتساب حقوقه المادية كمؤلف وملحن لهذه المسرحية بالاشتراك مناصفة مع عاصي، خلافا لما حصل بالنسبة لعروض البيال والأردن.
فحقوق المؤلفين والملحنين هي حقوق سامية ومكرسة قانونا وواجبة الاحترام في دولة تحترم وتحمي النتاج الفكري للإنسان وبالتالي تكون المطالبة بها مشروعة ولا يجوز بأي شكل من الأشكال نكرانها أو تسخيفها أو حجبها عن أصحاب الحقوق واعتبار المطالبة بها، بغض النظر عن قيمتها، أمر مادي بحت، علما بأن الامتناع عن تسديدها وعدم الاعتراف بها هو من قبل المخالفة والتحقير والتسخيف وهو التصرف المادي بامتياز.
ويتابع البيان: يكون الخلاف إذن مبدئيا من جهتنا وماديا من جهة فيروز التي تقاضت مبالغ طائلة عن تقديم العمل في دمشق والشارقة ممتنعة عن تسديد حقوق منصور الذي طالب بتطبيق المعايير المعتمدة عالميا في احتساب الحقوق. فهل المطالبة بهذه الحقوق تشكل منعا لفيروز من الغناء كما يدعي الغيارى عليها؟ فلو كانوا غيارى على تطبيق القانون لما حصل اي اشكال وكانت غنت فيروز للأخوين.
ويضيف البيان: من جهة أخرى، نوضح أن الفنانة فيروز لم تكن يوما شريكة في إنتاج أي من أعمال الأخوين الرحباني المسرحية والغنائية، حيث اقتصر دورها على الأداء فقط لقاء أجر مادي منفصل كأي بطل من أبطال تلك الأعمال. فالإنتاج كان للأخوين ومعهما أحيانا بعض الجهات الانتاجية وعليه كانا يتحملان بصفة «الأخوين الرحباني» الارباح والخسائر.
فبناء عليه، ان وضع السيدة نهاد حداد اليوم في موضوع الميراث بالتحديد لا يختلف عن وضعنا أبدا، فكلنا متساوون في الحقوق والواجبات أمام القانون، إلا إذا كان بعض المدافعين عن فيروز يريدون ان يخرقوا القوانين والنظم الوضعية الحضارية وحتى الإلهية المتعلقة بالإرث ويصرون على إهمال حقوق الملكية الفكرية والفنية كرمى لها تحت شعار «أولاد منصور يريدون أن يمنعوا فيروز من الغناء»، ونحن نسألهم من الذي منع فيروز من الغناء الا فيروز نفسها فيما يخص أعمال الأخوين الرحباني عندما قررت أن منصور، في حياته، لا يستحق حقه الفكري والمادي، وأننا كأبنائه، بعد رحيله، غير موجودين. وإلا عندما شجعها بعض المثقفين والكتاب الهائمين على تشكيل لوبي ضغط اعتقد المنتمون إليه لوهلة أنهم قادرون على تغيير الوقائع والتواريخ والاسماء والحقوق والقوانين بمناشدات وتحليلات وهجومات وافتراءات وإهانات وقدح وذم قررنا منذ اللحظة الاولى اعتبارها كأنهما لم تكن، لانها مبنية على «صداقات» حينا و«التزامات» حينا آخر، و«انفعالات» عاطفية لا حقوقية دوما، في وقت كنا نحن مصرين على ألا نفتح جروحا او نرد على جروح فتحها غيرنا. وقد تحملنا ما لا يطاق من الاساءات المفجعة بحق والدنا وحقنا في التحامل على منصور بنسبة اعمال الاخوين رحباني الى عاصي بمفرده.
لعل أدهى وأفظع ما تم القيام به ضمن الحرب المستمرة لكسر صورة الأخوين هو أنه عندما اكتشف بعض اصحاب الاقلام ان قضيتنا محترمة ومعتبرة لدى الهيئات المختصة بالفكر والفنون ولدى القضاء اللبناني المنصف، لجأوا إلى الدس الرخيص في الصحافة والإعلام بالتلميح والتصريح الى ان دور منصور في تجربة الاخوين كان محدودا في الحد الادنى، وشبه غائب في الحد الاقصى، اي انهم أرادوا محو منصور بالكامل، من أجل القول إن عاصي هو الكل بالكل، وأن ورثة عاصي هم الورثة الوحيدون تمهيدا ليكون حق فيروز لا يناقش في إعادة عرض المسرحيات القديمة، غير آبهين بحق منصور ومن بعده أولاده. وهنا يجب الاستفهام الدقيق حول من يريد إلغاء من؟
وهنا يجب التذكير بأن الاعمال المسرحية الـ (11) لمنصور الرحباني منفردا هي علامات قاطعة يمكن ان تدل بعض الهائمين على دوره في أعمال الاخوين عاصي ومنصور السابقة، مع التذكير بأن المؤسسة الرحبانية التي أسهم الأخوان في إطلاقها قد حملها منصور على كتفيه منذ إصابة عمنا عاصي بانفجار في الدماغ عام 1972، ولسنا هنا لنجاري «التقسيميين» لفن الأخوين، هؤلاء التقسيميون الذين سيجدون الآن متعة عز نظيرها في مجموعة البومات من قديم الاخوين رحباني، أصدرتها فيروز مؤخرا مع جهة انتاجية حصدت فيها ما تستحقه من الاحترام والملايين معا، وفيها أغان يدعون أنها من ألحان عاصي الرحباني في وقت يعلم الجميع ماضيا وحاضرا وتعلم «الساسيم» منذ عشرات السنين أنها من تأليف وتلحين الاخوين الرحباني بتوقيعهما المباشر على وثائق التصريح المحفوظة لديها.
دور شركة المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى ـ الساسيم
يتبين من الحملات الإعلامية التي تناولت موضوع الحقوق محاولة متلبسة للتذرع بالاكتفاء بدفع الحقوق لشركة المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى «الساسيم» للقول بصحة تقديم أي عمل فني، وخصوصا عمل مسرحي، دون الحاجة لموافقة مؤلفه. إن هذا الأمر مرفوض قانونا لأن الساسيم هي بمثابة الوكيل للمؤلف بشأن جباية الأموال الناتجة عن الأداء العلني للأعمال الغنائية، أما أمر منح الأذونات خصوصا بالنسبة للأعمال والنصوص المسرحية وإعادة إنتاجها وتقديمها على المسارح فهو من حق وصلاحية المؤلف وحده حصرا كونه شأنا إنتاجيا جديدا تتولاه جهات بعينها ولا يخضع لمنطق الاداء العلني اي إذاعة الاغاني. ونقول أكثر: قوانين «الساسيم» تمنع اي شخص من تسجيل أغنية واحدة من دون الرجوع الى المؤلف والملحن أو ورثته. قانونيو «الساسيم» الكبار في فرنسا ولبنان والعالم يقولون بذلك لا نحن، فهل ينبغي أن تغير «الساسيم» قوانينها حسب المصلحة المادية لنهاد حداد أو المدافعين عنها عن جهل، لكنهم من حيث يدرون او لا يدرون، يريد غيارى فيروز أن تكون «حماية الملكية» لها بسمنة ولنا بزيت، ونتيجة ما تقدم فإن إقحام الساسيم بالخلاف لن يجدي نفعا بتاتا.
وبالمختصر المفيد: هناك «الساسيم» وقوانينها، وهناك القضاء اللبناني الذي نقدره، وهناك حقوق الملكية الفكرية والفنية المنصوص عليها في القوانين التي نخضع لها جميعا بالتساوي مهما علا شأننا وهناك المنطق والعدل والانصاف والحقوق الارثية. فان كان لنا حق معنوي ومادي عند فيروز فيجب ان تعترف لنا به، وان كان لها حق مادي ومعنوي عندنا فستأخذه من دون نقصان. فإذا نحن قررنا إعادة عرض أي عمل مسرحي من أعمال الأخوين الرحباني في المستقبل فعلينا أخذ الإذن من نهاد حداد وأولاد عمنا عاصي زياد وهلي وريما كورثة لعاصي واذا ارادت اي جهة اخرى انتاج واعادة مسرحية للاخوين رحباني وجب عليها اخذ موافقة ورثة الاخوين رحباني. وختم البيان: واتركوا عاصي ومنصور راقدين بسلام في ترابهما، وكلنا الى تراب.