أكد رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ د.يوسف القرضاوي أن مدحه لدور تركيا في نصرة القضايا العربية، وخاصة القضية الفلسطينية، لم يكن من فراغ ولكنه كان مؤسسا على مواقف عملية قامت بها تركيا ولمسها الناس كافة.
وأوضح د.القرضاوي في رده على أسئلة أرسلتها له وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) عبر البريد الإلكتروني أنه «من حق المحسن أن نقول له أحسنت وخصوصا إذا كان هذا الموقف قد يحمله أعباء ويعرضه لأخطار».
وردا على تساؤل حول تقييمه للانتقادات الموجهة لدور تركيا بالمنطقة وموقفها من قضية الأكراد، قال: «التيار الرافض للدور التركي في اعتقادي تيار ضيق الأفق، والبعض أعماه التعصب العروبي عن رؤية الحقيقة. والواقع أن مبدئي أن نرحب بكل عربي غير مسلم كما نرحب بكل مسلم غير عربي. وأما قضية الأكراد فهي قضية قديمة ورثها حزب العدالة وحكومته وأحسب أنه قد مشى خطوات إلى الأمام في حلها والاقتراب من الأكراد وحل مشكلاتهم أكثر من أي حكومة أخرى».
وفيما يتعلق بمقترح الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى بإنشاء رابطة لدول الجوار تضم تركيا وإيران وذلك رغم وجود تخوفات من جانب البعض في المنطقة من النوازع التوسعية المذهبية والسياسية لإيران قال د.القرضاوي ان «البلدان الثلاثة الكبيرة: مصر وتركيا وإيران متقاربة في عدد السكان وفي مستوى التقدم وفي أهميتها الإستراتيجية في الشرق الأوسط، ومن الأولى أن يكون بينها نوع من الارتباط الإقليمي، تتعاون فيه فيما هو مشترك وهام بين الدول الثلاث، مع وضع الحدود الفاصلة بين ما هو مقبول ومشروع، وما هو غير مقبول ولا مشروع».
وجدد الفقيه الإسلامي د. القرضاوي موقفه من تحريم زيارة القدس لغير الفلسطينيين ما دامت تحت السيطرة الإسرائيلية، لافتا إلى أن «زيارتها تحتاج أن يذهب طالبا الزيارة إلى السفارة الإسرائيلية في بلده، أو في أقرب بلد إليها، ويدخل تحت العلم الإسرائيلي والحراسة الإسرائيلية، وما هذا إلا نوع من التطبيع الذي يدعونا إليه بعض المخذلين مع الصهاينة، وهو ما نرفضه تماما». وأضاف أن «العلماء يعلمون أن العوارض تمنع المسلم من أداء شعيرة الحج، وهي فريضة، مثل أن يكون المسلم مدينا، فلا يجوز أن يحج وهو مدين، حتى يسدد دينه، فما بالك بحقوق شعب فلسطين الذي غصبت أرضه وسفكت دماؤه وشرد من وطنه، ولايزال يعاني في أرضه وفي الشتات ما يعاني. اننا نريد أن يشعر كل مسلم متشوق للصلاة في المسجد الأقصى بأنه لا يستطيع ذلك ما دام السلطان الصهيوني جاثما فوقها، بل يعمل ليل نهار للقضاء على المسجد بالحفريات من تحته والتعديات من فوقه، فبدل أن يريح نفسه بزيارة المسجد في حمى صهيون، يجب أن يسعى لتحريره حتى يزوره وهو محرر من قبضة اليهود».
وحول إمكانية توسطه لتحقيق المصالحة الفلسطينية ـ الفلسطينية، لفت د.القرضاوي إلى أن «من أهم ما يشغلني في سنوات عمري الآن هو إصلاح ذات البين بين الجماعات الإسلامية والحكام، وبين الجماعات الإسلامية بعضهم وبعض، وخصوصا في البؤر الساخنة التي يقتتل فيها المسلمون بعضهم مع بعض ، مثل السودان واليمن والصومال والعراق وأفغانستان والشيشان وغيرها. ولطالما تحدثت مع عدد من الحكام عن المصالحة مع بعض خصومهم من الجماعات المعارضة، وخصوصا التي حملت السلاح في وقت ما، وقد نجحت في بعضها، ووقفت عقبات في بعضها الآخر. ولذلك كم أكون سعيدا إذا وفقت في دور الإصلاح بين الأشقاء في فلسطين، فهم أحوج ما يكونون إلى وحدة الصف واجتماع الكلمة، لاسيما في ظروفهم الصعبة».
واستطرد قائلا: «لكن المشكلة أن رجال السلطة (الفلسطينية) اتخذوا مني عدوا لهم، وهاجموني بلا مبرر، مع أني طول عمري مع فلسطين وقضية فلسطين».
وحذر الفقيه الإسلامي من كثرة الحديث عن تواجد القاعدة باليمن وما يعنى هذا من أن اليمن قد بات بالفعل مستهدفا ليكون مركزا جديدا للتواجد العسكري الأميركي بالمنطقة، وأكد أن «هذا الترديد المتكرر والمتعمد ينبئ ويشير إلى ما تريده أميركا لليمن الشقيق، وأرجو أن نكون مخطئين».
وفي الشأن السوداني، أعرب د.القرضاوي عن أسفه وحزنه الشديد لاحتمال انفصال جنوب السودان بعد استفتاء تقرير المصير المقرر في يناير المقبل، وقال: «أنا حزين أشد الحزن لأن ينقسم السودان، هذا البلد العربي الأفريقي الكبير، ويتجزأ في عالم يتوحد وتنضم فيه الكيانات الصغيرة لتكون كيانا كبيرا، المؤامرات الصهيونية والصليبية تسعى لتمزيق هذا البلد، مع أن الخير كل الخير أن يتحد، على أن يأخذ كل من الشمال والجنوب حقه بالقسط في السلطة والثروة، وأن يتعاونا على بناء مستقبل هذا البلد، والنهوض به».
واستطرد: «أتمنى إذا قدر الانفصال ألا يكون بعده حرب وصراع، فكفى ما مضى من حروب».
وجدد د.القرضاوي ما ذكره في كتاباته السابقة بشأن إمكانية توحد الأمة الإسلامية وكيف أن تلك الأمة حقيقة واقعة، وليست مجرد أمنية بعيدة أو مستحيلة، وقال: «هي حقيقة دينية وحقيقة تاريخية وحقيقة جغرافية وحقيقة اجتماعية وحقيقة فكرية وحقيقة شعورية وحقيقة سياسية، ومن يرتاب في ذلك أو يشكك فيه فلينظر إلى هذه الأمة حينما يساء إلى مقدس من مقدساتها، مثل القرآن الكريم أو الرسول صلى الله عليه وسلم أو المسجد الأقصى أو بلد من بلاد الإسلام، نرى مشاعر الأمة في المشارق والمغارب قد توهجت».
ودعا رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى ضرورة «أن تتبلور هذه المشاعر في كيان سياسي، يعمل على تقريب الأمة بعضها من بعض، وعلاج ما فيها من مشكلات، وذلك بتفعيل «منظمة المؤتمر الإسلامي»، حتى تمثل الأمة حقا، ثم يتم تطويرها في صورة اتحاد سياسي واقتصادي وتشريعي، أشبه بالاتحاد الأوربي، ثم يترقى ذلك وينمو شيئا فشيئا حتى يأخذ صورة أقوى وأقرب إلى الوحدة، التي هي الأمل المنشود في النهاية».
وأقر الداعية د.القرضاوي بأن الأمر ليس بالسهل، «فهناك عقبات كثيرة، داخلية وخارجية، عقبات سياسية، وعقبات اقتصادية، وعقبات فكرية، ومخاوف شتى من هنا وهناك، ولكن الأمر يحتاج إلى وضوح الرؤية، وصدق العزيمة، ونحن في عالم يتكلم بلغة التكتل، ولا مكان فيه إلا للكيانات الكبيرة، ومن سار على الدرب وصل».
وأعرب د.القرضاوي عن أسفه لأن يرى «اليمين المتطرف في أوروبا خاصة، والغرب عامة، يزداد نفوذه يوما بعد آخر، وهو يضيق ذرعا بالمسلمين ويعتبرهم خطرا عليه»، وشدد على أن «اليمين في أميركا قدم الإسلام على أنه العدو البديل المرتقب للغرب بعد سقوط الشيوعية أو الاتحاد السوفييتي الذي كانوا يسمونه «دولة الشر» وسموا الإسلام «الخطر الأخضر».
وأضاف: «رأينا الأوروبيين يتحدون مشاعر المسلمين بالإساءة إلى نبيهم وإلى قرآنهم، وهما يعتبران قدس الأقداس عند المسلمين، وللأسف رأينا المستشارة الألمانية (أنجيلا ميركل) تكرم الرسام الدنماركي الذي أغضب الأمة الإسلامية من أقصاها إلى أقصاها برسومه الكاريكاتورية المسفة».
وانتقد د.القرضاوي قرار سويسرا منع المآذن من المساجد، متسائلا «وهل آذت المآذن أحدا في الغرب، حين تقول: الله أكبر، الله أكبر؟!».
وتابع: «ثم جاءت فرنسا فأصدرت قرارها أو قانونها بمنع النقاب، وأنا لا أرى وجوب النقاب للمرأة المسلمة، ولكن هناك من مذاهب المسلمين وعلمائهم من يرى ذلك، وتلتزم بذلك عدة بلدان: في السعودية والخليج والهند وباكستان وبنغلاديش وأفغانستان.
ورأيي أن هذا يدخل في صميم الحرية الشخصية والحرية الدينية للمرأة المسلمة، وهما حريتان مقدستان لدى الغرب في مواثيق حقوق الإنسان وغيرها. ولماذا ندع الحرية المطلقة للمتبرجة والمتكشفة، ولا نعطي مثلها للمحتشمة والمنتقبة أو للمحجبة؟! كيف يجوز لنا أن نفرض على المسلمة أن تخالف أمر ربها وتعاليم دينها ونكرهها على ذلك بقوة القانون؟!».
واستطرد: «والذين يزعمون أن هذا الزي قد يستخدم لأهداف لا علاقة لها بالدين ـ كتنفيذ عمليات إرهابية، أو التمويه على منفذيها ـ يغالطون أنفسهم، فإن القوانين لا تصدر من أجل حالات شاذة، وكما قال فقهاء المسلمين: النادر لا حكم له. وأعتقد أن لدى الحكومات من الوسائل والآليات ما تعالج به مثل هذه الحالات غير منع جميع المسلمات من حقهن في ارتداء ما يعتقدن وجوبه دينا، وفرضيته شرعا».