أحدث الكاتب الصحافي محمد حسنين هيكل صدمة في الأوساط السياسية والإعلامية المصرية بتشكيكه في العمليات المنسوبة للمخابرات العامة (جهاز الأمن القومي) وزعمه بأنها لم تمتلك جاسوسا ذا قيمة داخل اسرائيل، وأن من تم الحديث عنهم في الأفلام والمسلسلات الدرامية كجمعة الشوان ورأفت الهجان لم يكن لهم شأن يذكر.
وتوقعت مصادر في القاهرة أن يتم تحويله إلى التحقيق بموجب القانون المصري لخوضه في أمور عسكرية واهانته لجهاز المخابرات، فيما تحدثت مصادر صحافية عن اعتزام نواب الحزب الوطني الحاكم تقديم بلاغ ضده لمجلس الشعب (البرلمان).
ففي حين طالب الكاتب والمؤرخ المعروف صلاح عيسى أن يكشف هيكل عن الوثائق التي استند اليها حتى يمكن الاعتداد بمعلوماته، قال أحد الجواسيس المصريين في اسرائيل المعروف باسم جمعة الشوان: من سوء حظ هيكل أنني حي أرزق، وأملك الأدلة المادية على مواجهته وتكذيب شهادته.
ومضى قائلا: اعتاد هيكل التحدث عن أموات، لكنه سقط هذه المرة، فأنا موجود، وقد كنت أهم الجواسيس الذين زرعتهم المخابرات المصرية في قلب تل أبيب لسنوات طويلة، وصلت خلالها إلى رئيسة الحكومة قبل حرب 1973 غولدا مائير ووزير الدفاع موشى ديان وعيزرا فايتسمان وغيرهما من كبار القادة الاسرائيليين، وأحضرت لمصر ضابطة استخبارات اسرائيلية، ما زالت تعيش فيها حتى الآن بعد اعتناقها الاسلام وزواجها من مصري.
وقال صلاح عيسى: في قانون العقوبات مادة خاصة تحاكم من يذيع معلومات تخص المخابرات. وحسب قانون الصحافة المصرية فإن القوات المسلحة وجهاز الأمن القومي الجهة الوحيدة التي لها حق الرقابة المسبقة عن النشر، أي لابد من الاستئذان مسبقا، وقد سبق تقديم بعض الزملاء لمحاكمات عسكرية بسبب ذلك، كالزميل جمال الدين حسين الذي أصدر كتابا صغيرا عن الجاسوس الاسرائيلي الياهو كوهين الذي كان في مصر وذهب بعد ذلك لسورية وتم تصعيده إلى منصب مسؤول مكتب الدفاع في حزب البعث العربي الاشتراكي، ثم قبض عليه بعد ذلك وتم اعدامه، برغم أن معلومة جمال حسين كانت تاريخية بحتة.
وأكد عيسى أن القانون يحمي المعلومات العسكرية، «ولكن يبقى السؤال، هل ما ذكره هيكل مجرد رأي أم معلومات. الأمر يحتاج إلى مراجعة كتابات هيكل السابقة، للتعرف عما إذا كان قد سبق له تناول هذه المعلومات في مقالاته أو كتبه».
وطالب صلاح عيسى هيكل أن ينشر ما لديه من معلومات دقيقة، وأن يوضح المرحلة التي يتكلم عنها «فلا يصح التحجج بأنه قال رأيا، لأن الرأي في هذه الأمور الحساسة ينبغي أن يستند الى وثائق، وفي الحالتين فإن احتمال المساءلة قائم، واعتقد أن ما قاله زلة لسان». من جهته تكلم الجاسوس المصري الشهير جمعة الشوان، الذي تناول قصته المسلسل الدرامي الشهير في الثمانينيات «دموع في عيون وقحة» وقام بدوره عادل إمام، وتم زرعه داخل اسرائيل وظل فيها سنوات طويلة حتى بعد حرب اكتوبر 1973 نجح خلالها في تسليم جهاز متطور جدا خاص بالموساد إلى المخابرات المصرية.
قال الشوان: تعرضت لسيل من الأسئلة بخصوص كلام هيكل من مختلف وسائل الاعلام في الداخل والخارج. باختصار قلت: أنا جاسوس مصري في اسرائيل لسنوات طويلة، وما قمت به اعترف به مسؤولو الموساد، فقد وصلت إلى معظم قادتهم المشاهير وصادقتهم وحصلت على معلومات مهمة، وكنت أجلس مع عبدالناصر والسادات شخصيا. إذا كان رأفت الجمال بطل مسلسل «رأفت الهجان» مات فأنا ما زلت على قيد الحياة واستطيع تقديم الأدلة. ويعتقد الشوان أن إجراء ما سيتخذ ضد هيكل حسب نص القانون، لزعمه فبركة المعلومات التي أذيعت عن عملاء المخابرات المصرية داخل اسرائيل.
لكن د.وحيد عبدالمجيد الخبير بمركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام وصف شهادة هيكل بأنها «غير مجروحة فهو الشخصية الأقرب من قلب النظام المصري طيلة فترة الستينيات، وبالتالي فان ما يصدر عنه من معلومات هي شديدة الدقة» وفق تصريحات أوردتها صحيفة «القدس العربي» التي تصدر من لندن. من جهته شبه الكاتب الاسلامي جمال سلطان في مقال بجريدة «المصريون» الالكترونية، كلام هيكل بروايات «أبو زيد الهلالي» في إشارة إلى الخيال في محتواها.
وأضاف «لا دليل ولا شاهد على ما يقول سوى قصاصات غير موثوقة، مثل اتهامه جهاز المخابرات المصرية بالفشل في تحقيق أي اختراق أمني ذي شأن طوال تاريخ الصراع مع اسرائيل، ولم تستطع زرع جواسيس في مهمات ذات قيمة، ولم يحدد هيكل أي عصر يقصده». وأضاف سلطان «شهود هيكل كلهم من الموتى في العادة، وهم لا ينطقون ولا يعقبون، وإذا أوقعه حظه العاثر في الاستشهاد أو الحديث عن أحياء ردوا عليه ومسحوا به الأرض كما فعل بعض قادة حرب التحرير الجزائرية مؤخرا وأجبروه على الاعتذار المخزي».