قبل أكثر من 33 سنة مضت، وفي مثل هذا الوقت، بدأت حبيبتي تمارس مهنة الصحافة، ووضعت أولى خطواتها في بلاط صاحبة الجلالة، فقد كانت حبيبتي توها في صباها، وشقاوتها واندفاعها اللامحدود، لتكتب وتكتب وتكتب، في كلمات وجدانية تدخل إلى القلوب لأنها كلمات هي أقرب إلى الشعر منه إلى المقالة!
وقتها كنت أحس ان حبيبتي كانت تكتب لي أنا وحدي، لأنها كانت تغازلني لأقرأ لها، وأنتظر منها المزيد، وأترقب بالشوق المفرط ماذا ستكتب لي في اللحظات القادمة، وكنت أنظر إلى عينيها الجميلتين بكحلها الليلي، وبابتسامتها التي تسحرني كاشراقات الصباح، وكأنها مفروضة عليّ فرضا إلهيا لا أريد الخلاص منه، ولهذا كنت أشكر ربي وأحمده كثيرا.
حبيبتي حين كانت تكتب كلماتها، كانت ترسل لي إشارات تشعرني بأنها وجدت لأجلي، ومن ثم تجرأت وجهرت بالقول قائلة لي: أنا أحبك، فأحببتها مثلما أحببتني وأكثر، وأصبحت كتاباتها بالنسبة لي كروايات قصص العشاق وأنا في مراهقتي، لتأخذ حيزا أكبر من مساحات الصفحات، لأنها كانت مطلوبة من الجميع، فصرت أغار عليها كثيرا من المعجبين الكثر، حتى لا يأخذوها مني، أو تنشغل بهم عني، فقد كنت أنانيا كأي عاشق غيور، يخاف على محبوبته، ويريدها بأنانيته بأن تكون له وحده.
حبيبتي اليوم كبرت، وكبر معها عشاقها، وأصبح لها شأن عظيم، أنا لا أستطيع ان أجاريه، بحكم وضعي وإمكانياتي المتواضعة، وانشغالي بأمور حياتي الفانية، فصرت أخجل من أن أنظر إليها وهي بشموخها، وأنا بتواضعي، فسحبت نفسي من المباهاة بها أمام الجميع، لأنها لا تحتاج إليها لصغر حجمي أمامها، فقد اكتفيت بنظرة إعجاب الناس بها، وبنجاحاتها المتعددة، ولكنني صرت أحادث نفسي وبنفسي ووحدي وأقول بنشوة شديدة: انها كانت حبيبتي أنا وحدي، وهذا مفخر إعجابي.
ولا أخفي أني مازلت أقرأ كلمات حبيبتي، وبنفس الشوق المفرط، ولكنها تحيّرني بكتاباتها، ولا أدري ماذا تريد ان تقول لأنها الآن لا تخاطبني أنا وحدي لأفهمها، وإنما أصبحت تخاطب الغير، تخاطب الجميع بنشوة انتصاراتها اللامحدودة وتنساني أنا العاشق الأول، والحبيب المخلص لها
انها حبيبتي التي كانت ومازالت رغم كل شيء وستبقى هي حبيبتي بكل جوارحي، ولكني لا أدري ماذا أنا بالنسبة لها اليوم، رغم التواصل؟
حبيبتي هي نصفي الآخر في دنياي، ومن دونها انا لا أكتمل، ولن أشعر بوجودي، إنه قدري أن أنتمي إليها من حيث لا تدري، لأخلق لي عالما أفرح به، وأعاني منه، وأعيش فيه، ولهذا فأنا أشعر دائما بوجود حبيبتي، ولكنني لا أشعر بوجودي أنا، ولا أدري أي نصف مني يحركني لأثبت هذا الوجود، وكأني مازلت أعيش في أيام مراهقتي الأولى أبحث فيها عن قصة حب جديدة تكتبها لي حبيبتي لأقرأها بلهفتي المعهودة، وأنتظر منها بشغف زائد ما ستكتب لي من جديد وهكذا، حتى لا يموت هذا العشق، ولا يفنى هذا الحب، فهل ستفعل حبيبتي؟
انني أدين لها بالفضل، عند انتمائي إليها، والغوص في خفاياها، وبروزي من عليها، لأنني حصلت على ما أحتاج إليه لأعبّر عن الحب والضياع!