فشل المنتخب الهولندي في التخلص من عقدة عامي 1974 و1978 عندما خسر المباراة النهائية لكأس العالم امام المنتخبين المضيفين المانيا الغربية والارجنتين على التوالي، بسقوطه امام اسبانيا بطلة اوروبا 0-1 في نهائي النسخة الـ19 على ملعب «سوكر سيتي» في جوهانسبيرغ.
وكان المنتخب الهولندي يمني النفس بأن يكون خوضه المباراة النهائية «الثالثة ثابتة»، لكنه لقي المصير ذاته وأهدر فرصة ذهبية لمنح بلاده اللقب العالمي الاول في تاريخها.
دخل الهولنديون الى مواجهتي اللقب في نسختي 1974 و1978، وهم مرشحون فوق العادة لكي يخرجوا منتصرين لكنهم منيوا بالخيبة في نهاية المطاف، الا ان هذه المرة لم يكونوا المنتخب الاوفر حظا للظفر باللقب، لانهم واجهوا بطل اوروبا الذي كان افضل منتخبات النسخة الـ 19 بامتياز.
والاكيد ان الهولنديين سيندبون حظهم كثيرا لانه كان بامكانهم حسم نتيجة المباراة امام اسبانيا في صالحهم، لو نجح جناحهم الطائر اريين روبن في ترجمة الفرصتين الانفراديتين بزميله السابق حارس مرمى ريال مدريد ايكر كاسياس حيث ابعد الاخير الانفراد الاول بقدمه اليمنى الى ركنية (62)، فيما تدخل ببراعة في الثاني وارتمى على الكرة قبل ان يراوغه مهاجم بايرن ميونيخ الالماني (83).
وكان روبن احد اللاعبين الهولنديين الاكثر نشاطا، وشكل خطورة كبيرة على دفاع المنتخب الاسباني خصوصا المدافع خوان كابديفيلا بيد انه لم يجد المساندة اللازمة من زملائه حتى انه لجأ احيانا الى الحلول الفردية من خلال التسديد من بعيد وكان يصيب الهدف في الدقيقتين 21 و33 لكن كاسياس كان حاضر البديهة.
ومما لا شك فيه ان المنتخب الهولندي دفع ثمن عدم تألق نجومه خصوصا صانع العابه ويسلي سنايدر وديرك كاوت وروبن فان بيرسي خلافا للمباريات السابقة حيث لعب سنايدر على الخصوص دورا بارزا في الدور ربع النهائي عندما سجل هدفي الفوز في مرمى البرازيل، وقال سنايدر «حصلنا على فرص للتسجيل، لكن للاسف لم نترجمها الى اهداف.
كنا اقرب الى التتويج باللقب العالمي، نحن مستاؤون، لا يمكننا التفكير في المستقبل بعد خسارتنا هذه المباراة النهائية، انه شعور مرير وصعب جدا»، وأضاف «مبدئيا يجب ان نكون فخورين بالمركز الثاني لاننا قدمنا كأس عالم رائعة، سنحتفل بهذا الانجاز مع جماهيرنا، اعتقد اننا خسرنا امام افضل منتخب في البطولة».
وكان سنايدر يمني النفس بالتتويج لاحراز لقبه الرابع هذا الموسم بعد ثلاثيته التاريخية مع فريقه انتر ميلان الايطالي (الدوري والكأس المحليان ومسابقة دوري ابطال اوروبا) ليعادل انجاز الاسطورة البرازيلي بيليه الذي احرز عام 1962 حين كان في الـ 21 من عمره لقبي الدوري وكأس ليبرتادوريس مع فريقه سانتوس، ثم قاد البرازيل للاحتفاظ باللقب العالمي قبل ان يتوج بعدها بلقب كأس انتركونتينينتال (بطولة العالم للاندية حاليا) مع فريقه.
من جهته، قال مدرب هولندا بيرت فان مارفييك «نحن حزينون جدا، كانت الاعصاب متوترة جدا في الشوط الاول وحاولنا فرض اسلوب لعبنا، حصل روبن على فرصتين ذهبيتين لكنه فشل في ترجمتهما، لكن اسبانيا كانت لها فرص اكثر، عموما كانت اسبانيا افضل».
واعرب فان مارفييك عن اسفه لعدم نجاحه في العودة بالكأس الى هولندا، وفك نحس نهائي 1974 ونهائي 1978 لكنه رفض اعتبار ذلك فشلا في مهمته ورهانه الذي وضعه قبل البطولة والمتمثل في التتويج بلقبها، وقال «لم يكن أحد يتوقع بلوغنا المباراة النهائية. كنا اقرب الى ركلات الترجيح، لكن للاسف استقبلت شباكنا هدفا في وقت قاتل بعدما كنا نلعب بـ 10 لاعبين».
عموما لايزال الجيل الذهبي الهولندي يملك فرصة للتألق في كأس أوروبا المقبلة في اوكرانيا وپولندا وكأس العالم المقبلة في البرازيل، لان معدل اعمار اغلبهم رافايل فان در فارت ونايجل دي يونغ وسنايدر وفان بيرسي وكاوت يتراوح بين 25 و26 عاما.
قوام المنتخب الهولندي ثابت لسنوات أخرى
لن يشهد منتخب هولندا تغييرات جذرية على عناصره في الأعوام القليلة المقبلة لصغر سن ابرز نجومه. ويمكن للمدرب بيرت فان مارفيك ان يعتمد على ابرز عناصر الكتيبة التي قادها الى نهائي المونديال في كأس أوروبا 2012 في پولندا وأوكرانيا. ومن المتوقع ان يمدد فان مارفيك عقده حتى البطولة الأوروبية. تشكيلة المنتخب البرتقالي في مونديال جنوب افريقيا ستفتقد عددا قليلا جدا من النجوم، أبرزهم قائده الحالي المدافع النشيط جيوفاني فان برونكهورست (35 عاما) الذي أعلن انه سيعتزل بعد النهائيات، واندريه اوير الذي بلغ السادسة والثلاثين في يوم النهائي بالذات الذي قرر الابتعاد أيضا، ولكنه لم يشارك أساسيا منذ اعوام.
ولم يحسم لاعب الوسط مارك فان بومل (33 عاما) امره حتى الآن بالبقاء مع المنتخب من عدمه، مع انه اعترف قبيل انطلاق المونديال بعدم معرفته اذا ما كان سيملك «القدرة والشغف للاستمرار عامين اضافيين»، مع اتجاه الى بقائه للمواصلة مع زملائه. لكن الركيزة الأساسية للمنتخب الهولندي لن تتأثر كثيرا بدءا بالحارس مارتن ستيكلنبرغ (27 عاما) وصولا الى رأس الحربة روبن فان بيرسي (26 عاما).
تمر قافلة الاسماء بالمدافع جون هيتينغا (26 عاما) وبلاعبي الوسط نايغل دي يونغ (25) وويسلي سنايدر (26) ورافايل فان در فارت (27)، والمهاجم اريين روبن (27) الذين سيصلون الى قمة النضج الكروي بعد عامين في كأس أوروبا وايضا في كأس العالم المقبلة في البرازيل عام 2014.
ليس هذا فقط، بل ان لاعبين آخرين شارك عدد منهم في النهائيات يعتبرون من ركائز التشكيلة التي اختارها فان مارفيك كلاعب الوسط ابراهيم افيلاي (24 عاما) والمهاجمين راين بابل (23) وايلييرو ايليا (23) والمدافع غريغوري فان در فيل (22)، وسيشكلون الذخيرة المهمة في الاعوام المقبلة.
يبقى معرفة مصير المدرب لان فان مارفيك سيميل حكما الى الابقاء على هذه العناصر التي منحها ثقته في التصفيات والنهائيات التي لم يلق فيها معا سوى خسارة واحدة كانت امام اسبانيا في النهائي.
الصحف الهولندية فخورة ومصدومة
عكست الصحف الهولندية الشعور بالحزن ومرارة «الصدمة» بعد الخسارة امام اسبانيا في النهائي، مشيدة في الوقت ذاته باللاعبين والمدرب بيرت فان مارفيك.
وكان العنوان الرئيسي لصحيفة «اي دي» الشعبية «الهولنديون يبكون» على صورة كبيرة للهداف ويسلي سنايدر مستلقيا على الارض، وواضعا يديه على وجهه، في حين كتبت الصحيفة في تحليلها «فخور بعد خيبة امل، هذا ممكن»، مضيفة «لانه حتى ولو ان الخسارة في النهائي وضعت حدا مؤلما للفرح الذي ساد في البلاد في عطلة نهاية الاسبوع، فان المنتخب الهولندي يجب ان يكون فخورا بما قدمه في جنوب افريقيا». وعلى الصورة ذاتها لسنايدر، عنونت صحيفة فولكسكرانت «دائما لا»، وكتبت «الاسبان كانوا افضل لكن منتخب هولندا 2010 كان آلة حرب برتقالية رفضت الاذعان».
صحيفة «آر سي نيكست» اوضحت بدورها «جيل جديد من اللاعبين الهولنديين كتبوا اسماءهم في الاسابيع الاربعة الماضية في جنوب افريقيا لكن صفعة الخسارة في النهائي ستستمر طويلا ايضا». «دي تلغراف» حيت اللاعبين واعتبرت انهم «قاتلوا مثل الاسود»، لكنها تساءلت «ما هي الوصفة لكي تفوز هولندا في كأس العالم في يوم من الايام». وتابعت الصحيفة «الصدمة الثالثة للبرتقالي»، معتبرة ان «كأس العالم في جنوب افريقيا ستدخل هولندا التاريخ بثالث صدمة في النهائي».
اعتقال العشرات في هولندا
وقعت أعمال شغب واشتباكات في هولندا عقب هزيمة منتخب الطواحين، حيث ألقت الشرطة القبض على عشرات المشاغبين واعتقلتهم بشكل مؤقت. ولكن متحدثا باسم الشرطة قال إن الليلة الماضية مرت دون مشاكل كبيرة رغم إحباط المشجعين بسبب نتيجة المباراة التي انتهت بفوز اسبانيا بهدف نظيف على هولندا. وفي لاهاي تعاملت الشرطة مع نحو 200 من المشجعين مثيري الشغب في مركز المدينة حيث جرى اعتقال 40 شخصا كما تمت عمليات اعتقال في مدن أخرى مثل فينلو وماستريخت ودنبوش ولكن الهدوء عاد للأوضاع بشكل سريع. وغادر مئات الآلاف من المشجعين ساحات متابعة المباريات دون مشكلات تذكر عقب انتهاء المباراة.
وبالرغم من حالة الإحباط التي سادت في معظم أنحاء هولندا إلا أن بعض المشجعين احتفلوا بحصول هولندا على الميدالية الفضية لبطولة كأس العالم للمرة الثالثة بعد عامي 1974 و1978.
ومن المنتظر وصول بعثة المنتخب الهولندي أمس إلى مطار سخيبول في أمستردام، وتم ترتيب الوضع بحيث يغادر اللاعبون المطار بعيدا عن الكاميرات وعن المشجعين.
وستستقبل ملكة هولندا بياتريكس أعضاء المنتخب في مقرها بلاهاي اليوم لتصل بعثة المنتخب بعد ذلك إلى إحدى الساحات للمشاركة في احتفال بحصولهم على المركز الثاني في البطولة ولكن الاحتفال لن يكون بالطبع في حجم الاحتفال الذي كان سيحدث حال نجح الهولنديون في العودة إلى بلادهم حاملين الكأس.
الهولنديون احتفلوا بالوصافة
أصاب هدف اسبانيا في الدقائق الأخيرة من الشوط الإضافي الثاني من مباراة نهائي كأس العالم جماهير المنتخب البرتقالي بصدمة كبيرة حيث نشر الصمت التام خيوطه على مناطق المشاهدة الجماهيرية عبر البلاد عندما سجل لاعب خط وسط اسبانيا أندرياس انييستا هدفه القاتل في الدقيقة 116 من المباراة. ولكن إحباط الهولنديين بعد هزيمة منتخب بلادهم في ثالث نهائي يصل إليه ببطولات كأس العالم لم يدم طويلا، فمن غرونينغن في الشمال إلى العاصمة أمستردام وصولا إلى لاهاي وروتردام وماستريخت في الجنوب احتفلت الجماهير بإحراز المنتخب الهولندي مركز الوصافة ببطولة كأس العالم للمرة الثالثة في تاريخه.
ولكن لاشك في أن احتفالات الجماهير الاسبانية في هولندا كانت أكثر صخبا، ففي مطعم «باتا نيغرا» بأمستردام على سبيل المثال غنت الجماهير الاسبانية بصوت عال احتفالا بالفوز التاريخي الذي حققته بلادها.
كما رفع الاسبان كؤوسهم في نخب الأخطبوط العراف «بول» الذي يعيش في متحف للاحياء المائية بألمانيا وأصاب في تنبؤه بأن اسبانيا ستفوز في النهائي. ووجد الهولنديون بعض العزاء في أن هذه كانت المرة الأولى التي يصل فيها منتخب بلادهم إلى نهائي كأس العالم بعد غياب امتد إلى 32 عاما ولم يخسر الفريق إلا بصعوبة بالغة وفي الدقائق الأخيرة من الوقت الإضافي. وامتلأت السماء بالألعاب النارية فوق أكبر منطقة تجمع جماهيري بهولندا بميدان «ميوزيمبلين» في أمستردام التي احتشد فيها أكثر من 100 ألف مشجع.