قال ابن إسحاق: وكان من حديث بني قينقاع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم بسوق «بني قينقاع»، ثم قال: يا معشر يهود، احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة وأسلموا، فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل، تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم، قالوا: يا محمد، إنك ترى أنا قومك؟ لا يغرنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب، فأصبت منهم فرصة، إنا- والله- لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس.
ما نزل فيهم
قال ابن إسحاق: حدثني مولى لآل زيد بن ثابت، عن سعيد بن جبير، أو عن عكرمة عن ابن عباس، قال: ما نزل هؤلاء الآيات إلا فيهم: (قل للذين كفروا ستُغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد، قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصــار) آل عمران (12 ـ 13).
كانوا أول من نقض العهد
قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أن «بني قينقاع» كانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاربوا فيما بين بدر وأحد.
سبب الحرب بينهم وبين المسلمين
قال ابن هشام: وذكر عبدالله بن جعفر بن المسور بن مخرمة، عن أبي عون قال: كان من أمر «بني قينقاع» أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها، فباعته بسوق «بني قينقاع»، وجلست إلى صائغ بها، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها، فأبت، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سوأتها، فضحكوا بها، فصاحت. فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله، وكان يهوديا، فشد اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فغضب المسلمون، فوقع الشر بينهم وبين «بني قينقاع».
ما كان من ابن أبي سلول مع الرسول
قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، قال: فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه، فقام إليه عبدالله بن أبي ابن سلول حين أمكنه الله منهم، فقال: يا محمد، أحسن في موالي، وكانوا حلفاء الخزرج، قال: فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد أحسن في موالي قال: فأعرض عنه. فأدخل يده في جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم «قال ابن هشام: وكان يقال لها: ذات الفضول».
قال ابن إسحاق: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرسلني»، وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأوا لوجهه ظللا، ثم قال: «ويحك أرسلني»، قال: لا - والله - لا أرسلك حتى تحسن في موالي، أربع مائة حاسر وثلاثمائة دارع قد منعوني من الأحمر والأسود، تحصدهم في غداة واحدة، إني –والله- امرؤ أخشى الدوائر، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هم لك).
مدة حصارهم
قال ابن هشام: واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة في محاصرته إياهم بشير بن عبد المنذر، وكانت محاصرته إياهم خمس عشرة ليلة. راجع سيرة ابن هشام (3/113-115).
التسليم والجلاء
وبعد الحصار نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في رقابهم وأموالهم ونسائهم وذريتهم، فأمر بهم فكتفوا. وكان من ابن أبي ما كان، ثم أمرهم النبي أن يخرجوا من المدينة ولا يجاوره بها فخرجوا إلى أذرعات الشام، فقل أن لبثوا فيها حتى هلك أكثرهم، وقبض رسول الله أموالهم فأخذ منها ثلاث قسي ودرعين وثلاثة أسياف وثلاثة رماح وخمس غنائمهم، وكان الذي تولى جمع الغنائم محمد بن مسلمة. راجع «الرحيق المختوم» ص217.
تبرؤ ابن الصامت من حلفهم وما نزل فيه وفي ابن أبي
قال ابن إسحاق: وحدثني أبي إسحاق بن يسار، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، قال: لما حاربت «بنو قينقاع» رسول الله صلى الله عليه وسلم تشبث بأمرهم عبدالله بن أبي ابن سلول، وقام دونهم. قال: ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أحد بني عوف، لهم من حلفه مثل الذي لهم من عبدالله بن أبي، فخلعهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ إلى الله - عز وجل - وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم من حلفهم، وقال: يا رسول الله، أتولى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وأبرأ من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم.
قال: ففيه، وفي عبدالله بن أبي نزلت هذه القصة من المائدة: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين فترى الذين في قلوبهم مرض). أي لعبدالله بن أبي، وقوله: إني أخشى الدوائر (يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم) المائدة (51 - 53).