أم موسى هي يوكابد وقيل أيارخا وقيل اياؤخت، بنت هاند وتنسب الى لادي بن يعقوب عليه السلام، وزوجها هو عمران بن فاهت. وكان فرعون قد طغى وبغى وتجبر وآثر الحياة الدنيا واعرض عن طاعة الله وعبادته وقسم رعيته الى اقسام وفرق وانواع يستضعف طائفة منهم وهم شعب بني اسرائيل الذين هم من سلالة نبي الله بن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم خليل الله، وكانوا اذ ذاك خيار أهل الارض وقد سلط عليهم هذا الملك. وكان الحامل لفرعون على هذا الصنيع القبيح «أن بني إسرائيل كانوا يتدارسون فيما بينهم ما يؤثرونه عن إبراهيم عليه السلام من انه سيخرج من ذريته غلام يكون هلاك ملك مصر على يديه. وكانت هذه البشارة مشهورة في بني إسرائيل. فتحدث بها المصريون فيما بينهم، ووصلت إلى فرعون فذكرها له بعض أمرائه وخلصائه وهم يسمرون عنده فأمر عند ذلك بقتل أبناء بني إسرائيل حذرا من وجود هذا الغلام». ويروى أن فرعون رأى في منامه كأن نارا أقبلت في نحو بيت المقدس فأحرقت دور مصر ولم تضر بني إسرائيل، فلما استيقظ هاله ذلك فجمع الكهنة والحواة والسحرة وسألهم عن ذلك، فقالوا: هذا غلام يولد من هؤلاء يكون هلاك أهل مصر على يديه، فكانت القابلات والحرس يطوفون بيوت بني إسرائيل يراقبون النساء الحوامل ويتابعون حملهن حتى موعد الولادة، فإن كان المولود ذكرا ذبحوه وإن كانت أنثى تركوها، وحملت أم موسى به في عام الذبح وكانت لا تبدو عليها علامات الحمل حتى موعد الولادة. ومع ذلك أصابها الهم حين الحمل وحين الولادة. ولكن العناية الإلهية أعمت أعين القتلة عنها وعن ولدها.
المنة الإلهية
كانت أم موسى زكية النفس نقية القلب شفيفة الروح، وكانت على دين آبائها يعقوب وإسحاق وإبراهيم، وكانت مهيأة لحمل وولادة نبي من أنبياء الله الصالحين الصديقين، فجاءها الوحي أو الإلهام يطمئن قلبها ويرشدها الى ما تفعله بابنها فإذا خافت عليه وضعته في تابوت خشبي محكم الصنع، وكان بيتها مطلا على النيل، وألقت بالتابوت في النيل وتحتفظ بحبل تربط به التابوت وتجذبه عندما يزول الخطر.
وفي أحد الأيام استشعرت أم موسى الخطر على وليدها فوضعته في التابوت وأنزلت التابوت في مياه النيل فحملته مياه النيل إلى قصر فرعون.
قرة العين
وكان ما كان من أمر طلب آسية بنت مزاحم من فرعون أن يبقي على موسى ولا يقتله «عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا» وعلى الجانب الآخر انتاب الحزن والغم قلب أم موسى وسيطرا على نفسها وأصبح فؤادها فارغا إلا من الابن الحبيب الغائب، ولكن الله سبحانه الذي اختار موسى لكي يكون من أنبيائه المصطفين الأخيار وربط على قلب أمه، أي بث فيه السكينة والطمأنينة.
ولكي تتحقق إرادة الله جل وعلا امتنع موسى الوليد عن الرضاعة من أي مرضع أو تلقي أي طعام، فأمرت آسية بالبحث عن مرضع له وفي الوقت نفسه أمرت أم موسى أخته الكبرى، مريم أو كلثم، بأن تتبع أثره وتعرف أخباره وتطمئنها عليه. فعرضت عليهم أن تدلهم على آل بيت يتكفلون به ويحسنون العناية به، وذهبوا معها إلى منزلهم، فأخذته أمه فلما أرضعته التقم ثديها وأخذ يمتصه، ويرتضعه.
الصبر على المكاره
وعاشت أم موسى ما شاء الله لها أن تعيش وابنها يعيش بالقرب منها ما شاء الله لها أن تراه وتفرح به وكانت يوكابد أم موسى وزوج عمران «مثلا صادقا لكل امرأة تريد أن تستلهم رشدها من ربها عز وجل. وتتلقى منه الأوامر والنواهي بالقبول والطاعة».