- أكد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يدخل السوق إلا للحاجة أو الدعوة إلى الله
- من منكرات الأسواق تبديل النساء لملابسهن داخل المحلات التجارية
الأسواق من أكبر المجتمعات العامة، والتي يختلط فيها الناس على تباين مستوياتهم العلمية والأخلاقية والثقافية، فضلا عن أجناسهم وأعمارهم، وأغلب التعامل فيها مبني على المشاحنة وتكثر فيه المنازعات وأسباب الفتن، فكان حريا بالمسلم العاقل أن يتفقه بأحكام الأسواق حتى يعصم نفسه من الزلل، ويتمثل آداب الإسلام حتى يكون قدوة للآخرين. »الأنباء» التقت الداعية عيسى مال الله ليحدثنا عن أحكام الأسواق في الإسلام، استنادا إلى مؤلفه الجديد «الأسواق أحكام وآداب»، حيث أكد على وجوب تفقه المسلم بأحكام السوق من بيع وشراء حتى لا يدخل في الحرام والمتشابه، خاصة في هذا الزمان المتأخر التي تنوعت فيه البيوع وتشعبت تشعبا كبيرا. وأضاف أن من واجبات الحاكم أو من ينوب عنه من أفراد المؤسسات القيام بالدور المنوط به من خلال المسؤولية الملقاة على عاتقه عن طريق تعيين مراقبين، ومعاقبة المتلاعبين بتلك الأنظمة والمعايير وحماية السوق. وحذر مال الله من وقوع أكثر الباعة في الأسواق من الحلف بالله، ويشتد الأمر إذا كان الحلف على الكذب، مشيرا إلى أهمية القيام بإنكار المنكر على ما يحدث في الأسواق من منهيات كالمعاكسات واللباس غير المحتشم وتبديل النساء لملابسهن داخل المحلات التجارية،
وفيما يلي تفاصيل اللقاء:
في البداية حدثنا عن أهمية موضوع كتابك وسبب اختيارك له؟
تكمن أهمية الموضوع في مدى علاقة الناس به، وحاجتهم إليه، وهذا يصدق على الأسواق، فجميع الناس دون استثناء لهم علاقة بالأسواق، سواء كانت هذه العلاقة مباشرة أو غير مباشرة، فجميع الناس تحتاج للأسواق وتتأثر بها، سواء أكانوا داخل السوق أو خارجه، أصبحت الأسواق يقاس عليها النمو الاقتصادي في أي دولة، وخرجت من نطاق القرية أو البلدة أو الدولة إلى العالمية، وتنوعت الأسواق في مشاربها وتخصصاتها، فمن أسواق الإبل والغنم والتمر إلى أسواق العقار والبورصة، وكذلك فإن موضوع الأسواق فيه أحكام ثابتة كأصول وقواعد، وفيه أحكام حادثة مستجدة ومتغيرة، كما أن هناك بعض المصطلحات التي ترجع إلى العرف كالقبض الحكمي، ونقل المتاع إلى الرحل، والمجلس الواحد، فهذا وغيره كثير يجعل بحث الأسواق كبيرا ومتشعبا ومتجددا في نفس الوقت، وقد اخترت موضوع هذا البحث لأهميته وحاجة الناس إليه كما أسلفت، وكذلك لقلة الرسائل المستقلة في هذا الموضوع بحسب ما اطلعت عليه.
ما خطة البحث والمنهج الذي سرت عليه في التأليف؟
قمت بتقسيم الكتاب إلى فصول وأبواب ومباحث، وفي بعض المباحث إلى مطالب، وقليل من المطالب إلى مسائل، وأدخل آراء وفتاوى بعض المجامع الفقهية والهيئات الشرعية والعلماء ضمن البحث، ولم أفرد لها فصلا خاصا، حتى تكون أكثر ارتباطا بالموضوع، كما أضفت بعض المعاملات المالية المعاصرة وأثرها في عملية البيع والشراء، وحرصت على أن يخرج الكتاب بصورة مشوقة للقارئ، عبر تدعيم الكتاب بالصور ذات العلاقة بالأبواب والفصول والمسائل.
آداب السوق
ديننا الإسلامي مهيمن على كل شيء في حياتنا حتى في تعاملنا في الأسواق، فما أهم آداب الإسلام في السوق التي يجب على المسلم التحلي بها؟
أول هذه الآداب وأهمها طلب العلم والتفقه في أحكام السوق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «طلب العلم فريضة على كل مسلم»، فالذي يريد أن يدخل السوق ويتعامل فيه سواء ببيع أو شراء عليه أن يتعلم ما يشرع له وما لا يشرع حتى لا يدخل في الحرام والمتشابه، خاصة في هذا الزمان التي تنوعت فيه البيوع وتشعبت تشعبا كبيرا، وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال، «لا يتجر في سوقنا إلا من فقه وإلا أكل الربا»، وكان يخرج رضي الله عنه من السوق من لا يعلم أحكام البيع كما ذكر ذلك الزرقاني في شرحه على الموطأ.
ومن الآداب أيضا إنكار المنكر الذي يكون في الأسواق، خاصة أنها يكثر فيها البيع والشراء، على أن يكون الإنكار بشروطه الشرعية، أي بمحكمة، ومن غير تجسس، ومن غير أن يأتي تغير المنكر بمنكر أكبر منه، وأن تراعى قاعدة درء المفاسد أولى من جلب المنافع، ومن الآداب أيضا ذكر دعاء السوق، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم «من دخل السوق فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة»، وكذلك السلام على من في السوق.
منكرات الأسواق
ذكرتم في كتابكم جملة من المنهايات التي قد يقع فيها المسلم فيما يتعلق بالسوق، فاذكر لنا بعضا منها؟
أولى هذه المنهيات وأكثرها شيوعا كثرة الحلف، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم «أربعة يبغضهم الله عز وجل: البياع الحلاف، والفقير المختال، والشيخ الزاني، والإمام الجائر» رواه النسائي وصححه الألباني، وكذلك الكذب في البيع، لقوله صلى الله عليه وسلم «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: المسبل إزاره، والمنان فيما أعطى، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب» رواه مسلم، ومما ذكرت كذلك في البحث من منهيات وفصلت في ذكره رفع الأصوات في السوق لغير حاجة واللغو والجشع والاحتكار، بالإضافة إلى ذكر مساوئ المعاكسات واللباس غير المحتشم وتبديل النساء الملابس داخل المحلات.
الهدي النبوي
هل دخول السوق والاتجار والبيع والشراء يتعارض مع زهد المسلم ووقاره؟
دخول الأسواق مباح للتجارة، وطلب المعاش، فالرسول صلى الله عليه وسلم تاجر وضارب بمال خديجة رضي الله عنها في الشام، وذلك قبل البعثة وزواجه منها، وكان عليه السلام يدخلها لحاجته، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلال الأسواق فذهب لحاجته ثم خرج، قال أسامة فسألت بلالا ما صنع؟ فقال بلال ذهب النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته ثم توضأ فغسل وجهه ويديه ومسح رأسه ومسح على الخفين ثم صلى، وكذلك يدخل الأسواق صلى الله عليه وسلم لتذكير الخلق بأمر الله ودعوتهم، ويعرض نفسه على القبائل، لعل الله أن يرجع بهم إلى الحق، قال الإمام القرطبي في قوله تعالى (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا انهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق) قال العلماء أي يتجرون ويحترفون، وهذه الآية أصل في تناول الأسباب وطلب المحاسن بالتجارة والصناعة.
الحسبة
ما أبرز واجبات ولي الأمر نحو أسواق المسلمين؟
إن من واجبات الحاكم أو من ينوب عنه من أفراد المؤسسات القيام بالدور المنوط به من خلال المسؤولية الملقاة على عاتقه وهو يعبر عنه بالحسبة ومن يقوم بها بالمحتسب، منها وجوب إشراف الدولة على ضبط حركة السوق، وذلك عن طريق تعيين مراقبين، ومعاقبة المتلاعبين بتلك الأنظمة والمعايير ولو بحرمانهم من الاتجار، وحماية السوق من الأموال المزيفة والنقود المزورة، امتثالا لقوله تعالى (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم أن تحكموا بالعدل)، وقول المصطفى صلى الله عليه وسلم «ما من عبد يسترعيه الله رعيته يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة».