غزوة حمراء الأسد حدثت في السنة الثالثة للهجرة، في منطقة حمراء الأسد ـ 20 كلم جنوب المدينة المنورة، كان هدفها مطاردة قريش ومنعها من العودة للقضاء على المسلمين بالمدينة ورفع الروح المعنوية للصحابة بعد غزوة أحد، علمت قريش بخروج الرسول محمد وفضلت الهرب خوفا من المسلمين الذين بقوا 3 أيام في حمراء الأسد ثم رجعوا الى المدينة.
وكانت يوم الأحد لثمان خلون من شوال في السنة الثالثة للهجرة على رأس اثنين وثلاثين شهرا، ودخل المدينة يوم الجمعة وغاب خمسا، قالوا لما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح يوم الأحد ومعه وجوه الأوس والخزرج، وكانوا باتوا في المسجد على بابه - سعد بن عبادة، وحباب بن المنذر وسعد بن معاذ، وقتادة بن النعمان، وعبيد بن أوس في عدة منهم، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصبح أمر بلالا أن ينادي ان «رسول الله يأمركم بطلب عدوكم ولا يخرج معنا الا من شهد القتال بالأمس».
قال فخرج سعد بن معاذ راجعا الى داره يأمر قومه بالمسير، قال والجراح في الناس فاشية عامة بني عبد الأشهل جريح بل كلها، فجاء سعد بن معاذ فقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تطلبوا عدوكم، قال يقول أسيد بن حضير وبه سبع جراحات وهو يريد أن يداويها: سمعا وطاعة لله ولرسوله فأخذ سلاحه ولم يعرج على دواء جراحه ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء سعد بن عبادة قومه بني ساعدة فأمرهم بالمسير فتلبسوا ولحقوا، وجاء أبوقتادة أهل خربى، وهم يداوون الجراح فقال هذا منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم بطلب عدوكم، فوثبوا الى سلاحهم وما عرجوا على جراحاتهم، فخرج من بني سلمة أربعون جريحا، وكان بالطفيل بن النعمان ثلاثة عشر جرحا، وبخراش بن الصمة عشر جراحات وبكعب بن مالك بضعة عشر جرحا، وبقطبة بن عامر بن حديدة تسع جراحات حتى وافوا النبي صلى الله عليه وسلم ببئر أبي عنبة الى رأس الثنية ـ الطريق الأولى يومئذ ـ عليهم السلاح قد صفوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهم والجراح فيهم فاشية قال اللهم ارحم بني سلمة.
قال الواقدي: وحدثني عتبة بن جبيرة عن رجال من قومه قالوا ان عبدالله بن سهل، ورافع بن سهل بن عبدالأشهل رجعا من أحد وبهما جراح كثيرة وعبدالله أثقلهما من الجراح فلما أصبحوا وجاءهم سعد بن معاذ يخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرهم بطلب عدوهم قال أحدهما لصاحبه والله ان تركنا غزوة مع رسول الله لغبن والله ما عندنا دابة نركبها وما ندري كيف نصنع قال عبدالله انطلق بنا قال رافع لا والله ما بي مشي، قال أخوه انطلق بنا، نتجار ونقصد فخرجا يزحفان فضعف رافع فكان عبدالله يحمله على ظهره عقبة ويمشي الآخر عقبة حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العشاء وهم يوقدون النيران فأتي بهما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم - وعلى حرسه تلك الليلة عباد بن بشر - فقال ما حبسكما؟ فأخبراه بعلتهما، فدعا لهما بخير وقال ان طالت لكم مدة كانت لكم مراكب من خيل وبغال وابل وليس ذلك بخير لكم حدثني عبدالعزيز بن محمد عن يعقوب بن عمر بن قتادة، قال هذان أنس ومؤنس وهذه قصتهما.
وقال جابر بن عبدالله: يا رسول الله ان مناديا نادى ألا يخرج معنا الا من حضر القتال بالأمس، وقد كنت حريصا على الحضور ولكن أبي خلفني على أخوات لي وقال يا بني لا ينبغي لي ولك أن ندعهن ولا رجل عندهن وأخاف عليهن وهن نسيات ضعاف وأنا خارج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله يرزقني الشهادة، فتخلفت عليهن فاستأثره الله علي بالشهادة وكنت رجوتها، فأذن لي يا رسول الله أن أسير معك، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال جابر فلم يخرج معه أحد لم يشهد القتال بالأمس غيري، واستأذنه رجال لم يحضروا القتال فأبى ذلك عليهم ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلوائه وهو معقود لم يحل من الأمس فدفعه الى علي عليه السلام ويقال دفعه الى أبي بكر.
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مجروح في وجهه أثر الحلقتين ومشجوج في جبهته في أصول الشعر ورباعيته قد شظيت وشفته قد كلمت من باطنها، وهو متوهن منكبه الأيمن بضربة ابن قميئة وركبتاه مجحوشتان، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فركع ركعتين والناس قد حشدوا، ونزل أهل العوالي حيث جاءهم الصريخ ثم ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين فدعا بفرسه على باب المسجد وتلقاه طلحة رضي الله عنه وقد سمع المنادي فخرج ينظر متى يسير رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه الدرع والمغفر وما يرى منه الا عيناه فقال يا طلحة سلاحك فقلت: قريبا، قال طلحة فأخرج أعدو فألبس درعي، وآخذ سيفي، وأطرح درقتي في صدري، وان بي لتسع جراحات ولأنا أهم بجراح رسول الله صلى الله عليه وسلم مني بجراحي، ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على طلحة فقال ترى القوم الآن؟ قال هم بالسيالة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الذي ظننت، أما انهم يا طلحة لن ينالوا منا مثل أمس حتى يفتح الله مكة علينا، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة نفر من أسلم طليعة في آثار القوم سليطا ونعمان ابني سفيان بن خالد بن عوف بن دارم من بني سهم ومعهما ثالث من أسلم من بني عوير لم يسم لنا، فأبطأ الثالث عنهما وهما يجمزان وقد انقطع قبال نعل أحدهما، فقال أعطني نعلك، قال لا والله لا أفعل فضرب أحدهما برجله في صدره فوقع لظهره وأخذ نعليه، ولحق القوم بحمراء الأسد ولهم زجل وهم يأتمرون بالرجوع وصفوان ينهاهم عن الرجوع فبصروا بالرجلين فعطفوا عليهما فأصابوهما، فانتهى المسلمون الى مصرعهما بحمراء الأسد فعسكروا، وقبروهما في قبر واحد.
فقال ابن عباس: هذا قبرهما وهما القرينان، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه حتى عسكروا بحمراء الأسد، قال جابر وكان عامة زادنا التمر وحمل سعد بن عبادة ثلاثين جملا حتى وافت الحمراء وساق جزرا فنحروا في يوم اثنين وفي يوم ثلاثا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرهم في النهار بجمع الحطب فإذا أمسوا أمرنا أن نوقد النيران، فيوقد كل رجل نارا، فلقد كنا تلك الليالي نوقد خمسمائة نار حتى ترى من المكان البعيد وذهب ذكر معسكرنا ونيراننا في كل وجه حتى كان مما كبت الله تعالى عدونا.
وانتهى معبد بن أبي معبد الخزاعي، وهو يومئذ مشرك وكانت خزاعة سلما للنبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد، لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك، ولوددنا أن الله أعلى كعبك، وأن المصيبة كانت بغيرك، ثم مضى معبد حتى يجد أبا سفيان وقريشا بالروحاء، وهم يقولون لا محمدا أصبتم ولا الكواعب أردفتم فبئس ما صنعتم فهم مجمعون على الرجوع ويقول قائلهم فيما بينهم ما صنعنا شيئا، أصبنا أشرافهم ثم رجعنا قبل أن نستأصلهم قبل أن يكون لهم وفر - والمتكلم بهذا عكرمة بن أبي جهل، فلما جاء معبد الى أبي سفيان قال هذا معبد وعنده الخبر، ما وراءك يا معبد؟
قال تركت محمدا وأصحابه خلفي يتحرقون عليكم بمثل النيران وقد أجمع معه من تخلف عنه بالأمس من الأوس والخزرج، وتعاهدوا ألا يرجعوا حتى يلحقوكم فيثأروا منكم وغضبوا لقومهم غضبا شديدا ولمن أصبتم من أشرافهم، قالوا: ويلك ما تقول؟ قال والله ما نرى أن نرتحل حتى نرى نواصي الخيل ثم قال معبد لقد حملني ما رأيت منهم أن قلت أبياتا:
كادت تهد من الأصوات راحلتي
اذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل
تعدو بأسد كرام لا تنابلة
عند اللقاء ولا ميل معازيل
فقلت ويل ابن حرب من لقائهم
اذا تغطمطت البطحاء بالجيل
وكان مما رد الله تعالى أبا سفيان وأصحابه كلام صفوان بن أمية قبل أن يطلع معبد وهو يقول يا قوم لا تفعلوا فإن القوم قد حزنوا وأخشى أن يجمعوا عليكم من تخلف من الخزرج، فارجعوا والدولة لكم فإني لا آمن ان رجعتم أن تكون الدولة عليكم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرشدهم صفوان وما كان برشيد والذي نفسي بيده لقد سومت لهم الحجارة ولو رجعوا لكانوا كأمس الذاهب فانصرف القوم سراعا خائفين من الطلب لهم ومر بأبي سفيان نفر من عبدالقيس يريدون المدينة، فقال هل مبلغو محمد وأصحابه ما أرسلكم به على أن أوقر لكم أباعركم زبيبا غدا بعكاظ ان أنتم جئتموني؟ قالوا: نعم، قال حيثما لقيتم محمدا وأصحابه فأخبروهم أنا قد أجمعنا الرجعة اليهم وأنا آثاركم، فانطلق أبوسفيان، وقدم الركب على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالحمراء فأخبروهم الذي أمرهم أبوسفيان فقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل وفي ذلك أنزل الله عز وجل (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح) الآية، وقوله (الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم) الآية، وكان معبد قد أرسل رجلا من خزاعة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه أن قد انصرف أبوسفيان وأصحابه خائفين وجلين، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة.