كتاب ومؤلف
عدنان عبدالقادر: لكل سورة في القرآن موضوع واحد وبمعرفته تتجلى للقارئ عظمة القرآن ويحس بلذته
قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم في قيام الليل فافتتح بالبقرة، فقلت يركع عند المائة، ثم مضى فقلت يصلي بها في ركعتين، فمضى فقلت يركع بها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلا ثم افتتح النساء فقرأها، رواه مسلم.
عندما يقرأ المسلم هذا الحديث يداخله التساؤل، ما الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم يسترسل في كل سورة قرأها ولا يركع حتى ينتهي منها؟ كما في الحديث الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في كل ركعة بسورة منها رواه أبو داود، لِم لّم يركع النبي صلى الله عليه وسلم في منتصفها أو بعد الربع الأول من الحزب كما يفعله كثير من الأئمة.
هذه التساؤلات يجيب عنها الإمام والخطيب في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الداعية عدنان عبدالقادر في كتابه المسمى «المختصر من نثر الماس والدرر في طرق البحث عن مقاصد السور»، حيث أوضح في لقائه مع الأنباء أنه جمع في كتابه مسائل متناثرة في كتب الأولين ليسهل على القارئ معرفة مقصد كل سورة من القرآن، مشيرا إلى أنها طريقة لتذوق حلاوة القرآن حيث يفاجأ المسلم على دقة ترابط آيات السورة الواحدة بعضها ببعض، وفيما يلي نص اللقاء:
في البداية، حدثنا عن موضوع الكتاب وعن أهميته.
كل سورة في القرآن الكريم تتناول موضوعا واحدا، وتتلاحم آياتها لتغطية محاور هذا الموضوع من جميع جوانبه، كما ترتبط كل آية في السورة بالآية التي قبلها والتي بعدها، أي توجد علاقة ومناسبة بينهما، ولذا تتشوف نفس المسلم لمعرفة مقصد كل سورة ليسهل عليه ربط الآيات بعضها ببعض لخدمة موضوعها وغرضها الرئيسي ومعالجته من جميع جوانبه، فتتجلى له عظمة القرآن ويتذوق حلاوة زائدة، ويستشف دقائقه الخفية، فيخر ساجد لتلك العظمة، ويحمد الله تعالى أن أكرم هذه الأمة وخصها بالكتاب العظيم الذي عجز أدباء العرب ونقادها وبلغاؤها وأسيادها أن يأتوا بسورة من مثله.
ولمعرفة كيفية التوصل إلى مقصد كل سورة على حدة حاولت جمع طرق التوصل إلى مقاصد السور من شتات، فألفيتها كنزا من الماس والدرر، فأحببت أن يشاركني فيها محبو كتاب الله تعالى، فكانت هذه الرسالة المختصرة من الأصل خشية ملل القارئ وسميتها «المختصر من نثر الماس والدرر في طرق البحث عن مقاصد السور».
فموضوع الكتاب هو ما القواعد التي من خلالها تعرف ما هو موضوع السورة، فمثلا موضوع سورة البقرة توحيد الله تعالى بالعبادة والمحبة، وموضوع سورة آل عمران محمد رسول الله، وموضوع سورة النساء تزكية النفس، إذن فمواضيع سورة البقرة وآل عمران والنساء هي التوحيد والاتباع والتزكية، وهي نفسها «أصول الدعوة السلفية، وكذلك فموضوع سورة المائدة المواثيق، وموضوع سورة الأعراف الرسالة والانذار، فكل سورة تتكلم عن موضوع محدد، وقد جمعتها في 6 قواعد من خلالها تستطيع ان تعرف موضوع السورة ولتصل الى الملكة في معرفة مواضيع سور القرآن.
طرق البحث
إذن ما طرق البحث التي وصلت إليها عبر كتابك؟
تتلخص طرق البحث في نقاط، أولا الموضوع المشترك بين أول السورة وآخرها، ثانيا كلمات أو عبارات متكررة في السورة، ثالثا تميز السورة عن غيرها، الآيات الأخيرة من السورة التي قبلها، اسم السورة، وأخيرا موضوع السورة.
الموضوع المشترك
لكن ماذا تقصد بطريقة البحث في الموضوع المشترك؟
اقرأ أول السورة وآخرها، على سبيل المثال اقرأ أول خمس عشرة آية من السورة وآخر خمس عشرة آية منها، فالموضوع المشترك بينها غالبا ما يكون هو موضوع السورة، مثال ذلك سورة البقرة، فقد بدأت بقوله تعالى (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون)، وانتهت بقوله تعالى (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون، كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله)، فإذن موضوع سورة البقرة الإيمان بالله تعالى وحده، وهو توحيد الله تعالى بالعبادة والمحبة.
وماذا تعني بطريقة البحث القائمة على معرفة الكلمات والعبارات المتكررة في السورة؟
تجد في السورة أحيانا كلمات تتكرر في أولها ومنتصفها وآخرها، وربما تتكرر عبارات كاملة، فإذا ما أمعنت النظر علمت أنها تشير إلى موضوع السورة، كسورة المائدة، حيث تكررت فيها تصاريف كلمة الميثاق وأنواع المواثيق، منها (واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به)، (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل)، وقال تعالى عن اليهود (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم)، وقال سبحانه (ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم)، ومن المواثيق المذكورة فيها اليمين والوصية والإحرام وميثاق المائدة، فهي سورة المواثيق التي أخذها الله تعالى على بني آدم وسيحاسبهم عليها ولو كان نبيا كعيسى عليه السلام «أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله».
الآية الأخيرة
كيف يعرف مقصد السورة بالاطلاع على الآيات الأخيرة من السورة التي قبلها؟
أحيانا تنتهي سورة بآيات تلخص موضوع السورة التي بعدها، من ذلك سورة الفرقان التي انتهت بقوله تعالى (قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما)، أي لا يعبأ الله تعالى بكم أيها الكفار ولستم ذوي أهمية ولا مكانة عنده مهما بلغتم ووصلتم القمة ولكن فقط يدعوكم إلى الدين لئلا تحتجوا يوم القيامة، فهذا هو الذي يبديه الله تعالى لكم، وإن كان مصيركم الهلاك والعذاب الملازم لكم.
هذا هو موضوع سورة الشعراء التي تلي سورة الفرقان، فمهما بلغ الملك أوجه كملك فرعون الذي لم يقتصر على ادعاء الألوهية لنفسه بل ادعى أنه الرب الأوحد، فهذا الملك الهائل والكنوز والعظمة والكبرياء لم يأبه الله تعالى بها إذ تلاشى في لحظة من الزمن «ثم أغرقنا الآخرين» وأصبح أثرا بعد عين.
ومهما بلغ الكيد ذروته ككيد أعظم سحرة سكنوا الأرض، فإنه يتلاشى كما تلاشى سحر سحرة فرعون في طرفة عين، (فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون فألقي السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين)، فلم يعبأ الله بهذا الكيد العظيم.
ومهما بلغ النسب والقرابة مبلغه بين الكافر والمؤمن فلن تنفع أباه فلم يعبأ الله تعالى بها (ولا تخزني يوم يبعثون)، ومهما بلغ الشرف والحسب القمة فلا يعبأ الله تعالى به كطبقة الإقطاعيين الكفار في قوم نوح عليه السلام الذين كانوا يرون أنفسهم ذوي طبقة عالية ويحتقرون المؤمنين (أنؤمن لك واتبعك الأرذلون).
وكيف يستعان بمعرفة موضوع السورة باسمها؟ فهل تضرب لنا مثلا على ذلك؟
مثلا سورة الحجر، فأصحاب الحجر هم قوم ثمود، سموا بهذا الاسم نسبة إلى قلة الماء نتيجة نزولهم على ماء قليل، فيقال ثمد الماء إذ قل، والثمد هو الماء القليل، فنزلوا عليه، وكانوا يمنعون غيرهم من استعماله، وكانوا يحجرونه ويحفظونه من استعمال الغير، ومن قلته كان لهم يوم يستعملونه ويجعلون اليوم الآخر للناقة (ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر)، وقال تعالى (لها شرب ولكم شرب يوم معلوم)، فكانوا يحافظون على الماء حتى في استعمالهم ويحفظونه من استخدام غيرهم له، وهذا المعنى الموافق لموضوع السورة وهو الحفظ كما سبق بيانه.
جمعت المتناثر
لكن ما سبب تأليفكم في هذا الفن رغم وجود المؤلفات القديمة وكتب العلماء الأولين؟ أليس في كتبهم الكفاية؟
الإنسان لا يحب ان يتكلم عن نفسه، لكني أقول اني كنت حريص جدا ان اخرج شيئا للمكتبة الإسلامية غير موجود، أو تستطيع القول انه موجود وغير موجود، موجود لكنه غير مرتب بل متناثر، ولذلك أحاول جمعه في كتاب واحد، حتى اني عادة ارجع الى عشرة كتب أو أكثر لأخذ المسألة الواحدة التي ذكرت في ثنايا السطور.
قارئ للقرآن
الدلال: استفدت من علم المقامات في تحسين الأداء بالتلاوة لكن يشترط تطويع المقامات لأحكام التجويد وليس العكس
حث القارئ معاذ الدلال إخوانه القراء وحفظة كتاب الله على التركيز على القرآن الكريم كي يبدعوا بتلاوته ويتقنوا فنونه، ويكملوا مسيرتهم القرآنية بتعلم القراءات العشر والروايات العشرين، وألا ينشغلوا بالإنشاد عنه، فمن أكرمه الله بالقرآن فلا ينبغي أن ينزل إلى ما دونه، مؤكدا في الوقت نفسه احترامه للقراء ممن جمع بين القراءة والإنشاد.
وحذّر الدلال في لقائه مع «الأنباء» من تطويع البعض أحكام التجويد لأجل علم المقامات، موضحا أنه استفاد جدا من هذا العلم بشروطه في تحسين جودة تلاوته، كما وعد مستمعيه ومحبيه بإصداره الختمة الكاملة من المصحف الشريف في القريب العاجل، وفيما يلي تفاصيل اللقاء:
حدثنا عن بداياتك مع القرآن الكريم؟
بدايتي كانت وانا في المرحلة الابتدائية حيث كنت قارئ المدرسة في طابور الصباح، ثم تعلمت احكام التجويد وانا في المرحلة المتوسطة، واشتركت في المسابقات التي كانت تقيمها وزارة التربية وذلك حتى نهاية المرحلة الثانوية.
كيف ترتب وقتك وتجمع بين قراءتك للقرآن في رمضان ومراجعة حفظك لصلاة القيام؟
في شهر رمضان بالأخص يكون الجدول مضغوطا جدا حيث أخصص الوقت بعد صلاة الفجر وحتى الشروق وساعة بعد صلاة العصر للختمات الرمضانية، واما المراجعة للتراويح والقيام فتعودت استغلال فترات وجودي في السيارة أثناء توصيل الأولاد من والى المدارس والذهاب الى العمل وهي أوقات ليست بالقليلة للمراجعة لصلاة التراويح ومراجعة الحفظ عموما.
لا أشاهد التلفاز
كيف تنظم وقت مشاهدتك للتلفزيون في شهر رمضان؟ وما هي البرامج والقنوات التي تحرص على مشاهدتها؟
انا عادة لا أشاهد التلفاز لا في الشهر المبارك ولا في غيره ولا أجد وقتا لذلك.
جدول رمضاني
ما هي نصيحتك للشاب المستقيم الذي لا يلبث أن تفتر عزيمته في أول أيام رمضان وتمضي أيامه وهو لم يختم ولو ختمة واحدة على أقل تقدير؟
يقول النبي صلى الله عليه وسلم «ان المنبت لا ارضا قطع ولا ظهرا أبقى»، فالنبي صلى الله عليه وسلم يرشدنا الى ان الإنسان اذا كلف نفسه مالا يطيق فإنه لا يلبث ان يصيبه الملل والتعب فلا يستطيع مواصلة العمل فقد يبدأ الشهر بعزيمة قوية فيقرأ في اليوم اربعة وخمسة اجزاء دون ان يضع لنفسه جدولا للقراءة، ثم ما يلبث ان تفتر عزيمته وتخور قواه فيبدأ بالتراجع والتأخر والتأجيل حتى تضيع منه الأوقات وتمضي الأيام دون ان يظفر ولو بختمة واحدة في هذا الشهر، فنصيحتي له أن يضع لنفسه جدولا من اول الشهر لإنجاز مالا يقل عن قراءة 3 ختمات في هذا الشهر يقسمها على الفروض الخمس فلو قرأ قبل كل فرض 6 أوجه وبعده 6 اوجه لاستطاع ان يقرأ باليوم 3 أجزاء فإذا استمر على هذا المنوال وحتى آخر الشهر لاستطاع اتمام 3 ختمات في رمضان.
تطويع المقامات للتجويد
ما رأيك في علم المقامات وهل قمت بدراسته أملا في تحسين قراءتك للقرآن أكثر؟
لكل فن من الفنون أصول وقواعد، وكذلك علم الأنغام له اصول وقواعد فمنها النغم الحزين ومنها العاطفي ومنها السعيد ومنها القوي وغير ذلك وهو ما يعبر عنه بعلم المقامات، فهو علم يهتم بأصول هذه النغمات ودرجاتها وكيفية الاتيان بها بتناسق وانسجام محببين للمستمع، ولذلك اوليت اهتماما بذلك العلم واشتركت في دورتين للمقامات: الاولى تمهيدية لتعلم المقامات السبع، والثانية تخصصية للمقامات الفرعية وكيفية الربط بينها، وقد استفدت من علم المقامات في تحسين الأداء بالتلاوة، ويشترط لذلك تطويع المقامات لأحكام التجويد وليس العكس.
كيف وفقت بين دراستك للهندسة وحفظ القرآن والإمامة؟
أولا التوفيق من الله تعالى فلله الحمد والشكر والمنة، ثانيا العامل الرئيسي في الجمع والتوفيق بين كل هذه الأمور هو تنظيم الوقت.
التركيز على القرآن
هل لك في الإنشاد؟ وما رأيك الشخصي فيمن يجمع بين القراءة والإنشاد؟
بطبيعة عملي بالاستوديو لا يخلو العمل من تسجيل بعض الأناشيد للاخوة الراغبين في ذلك حيث اقوم بالتوزيع الصوتي والإخراج لهم، ولكن اشرط عليهم بالبداية التقيد بالضوابط الشرعية بعدم استخدام الإيقاع أو الآلات الموسيقية وغيرها والاكتفاء بالصوت البشري فقط، أما ما تسميه بالقارئ المنشد فوجهة نظري أن يركز القارئ على القرآن الذي أكرمه الله به وخصه من دون البشر به فأهل القرآن هم أهل الله وخاصته، فلينصبّ تركيز القارئ على القرآن الكريم وليبدع في تلاوته وليتقن فنونه ولينتقل بعد ذلك الى اتقان القراءات العشر والروايات العشرين وليأخذ القرآن جل وقته فلا يعرف الا بالقرآن، ومن أكرمه الله بالقرآن فلا ينتقل لغيره، وهنا لا أطعن بأحد من القراء ممن جمع بين القراءة والإنشاد فهم قراء أجلاء
قريبا ختمة للقرآن
ما هو آخر إصداراتك؟ وما هي مشاريعك المستقبلية؟
آخر إصداراتي هو اصدار سورة الكهف واصدار سورة يوسف من صلاة التراويح مع الدعاء، وإصدار سور فاطر ويس والصافات، وأحد اهم مشاريعي هو تسجيل ختمة كاملة مرتلة للقرآن الكريم ان شاء الله.
ما نصيحتك للشاب الذي مازال مستغرقا في سماع الأغاني في أيام رمضان وتقصيره في جانب القرآن؟
يقول النبي صلى الله عليه وسلم «لن تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن اربع ومنها عن عمره فيم أفناه» فعليه ان يدرك ان الأعمار محدودة والأوقات معدودة ونحن مساءلون عنها يوم القيامة فلذا عليه ان يبتعد عن هذا اللهو المحرم وأن يشحذ الهمم وان يحسن استغلال الأوقات في هذا الشهر الكريم افضل استغلال.
صفحات نوافذ الأنباء الرمضانية كاملة في ملف ( pdf )