السير إسحاق نيوتن - أمير الفلاسفة الطبيعيين (1642 ـ 1727)
يقول مايكل هارت مؤلف كتاب «الخالدون مائة اعظمهم محمد صلى الله عليه وسلم» انه حدث عندما كان الفيلسوف الفرنسي فولتير في بريطانيا ان اشترك في مناقشة محورها من هو الاعظم الامبراطور الروماني يوليوس قيصر ام القائد الاغريقي الاسكندر الاكبر ام الفاتح المغولي تيمورلنك ام الزعيم البريطاني كرومويل؟
وكان الرد على هذا السؤال ان قال احد المتناقشين: بل اعظمهم جميعا العالم البريطاني السير اسحاق نيوتن.
وكان رد فولتير: فعلا، نيوتن اعظم، فهو يحكم عقولنا بالمنطق بينما هؤلاء يستعبدون عقولنا بالضعف، لذا فهو اعظم.
إسحاق.. وإسحاق!
ما ان بلغ نيوتن الثامنة عشرة من عمره حتى التحق بكلية ترينتي بجامعة كامبريدج، ومرت فترة من دراسته الجامعية دون ان يلفت النظر بشكل خاص، ثم وقع تحت تأثير اسحاق آخر، اسحاق بارو، وهو علامة بالفعل، فهو استاذ في الرياضيات، وعلم في الكلاسيكيات، وعلم في الفلك، وحجة في البصريات، وكان بارو من اوائل من ادركوا عبقرية نيوتن ومهدوا السبيل لتفتقها.
غِش.. أم نبوغ؟
ويذكر المؤرخون كثيرا عن عبقرية نيوتن المذهلة، خصوصا في الرياضيات، ومن هذه الحوادث انه تقدم مع غيره من زملائه الى امتحان آخر العام، وكان صعبا قاسيا يستغرق حل ما به من مسائل معقدة في اقل من ثلاث ساعات، لكن نيوتن فرغ من حلها في 10 دقائق! وسلم اوراق اجابته الى المراقب، عجب الاخير وحسب ان الطالب قد سلمه هذه الاوراق ليغادر قاعة الامتحان احتجاجا على صعوبته وقسوته كما يفعل الطلاب عادة في مثل هذه الاحوال.
وانصرف نيوتن من القاعة، ونظر المراقب، وهو استاذ في الرياضيات، في اوراق الاجابة، فاذا به يجد كل الحلول صحيحة، لا كبوة ولا خطأ! وتملكه العجب، ولكنه عجب يخالجه شك كبير، ورأى المراقب ان الامانة تقتضي منه ان يسجل على اوراق اجابة نيوتن الملاحظة التالية: انتهى الطالب المذكور من حل جميع اسئلة الامتحان في 10 دقائق فقط، لذا اشير باجراء تحقيق عاجل في هذا الامر، ولا تعليل يقبله العقل سوى ان الطالب المعني قد حصل على اسئلة الامتحان قبل انعقاده.
واجتمع مجلس ادارة جامعة كامبريدج كي يحقق في الامر الخطير، واستدعى نيوتن للتحقيق، واذا به يفاجئ المحققين، وهم من الجهابذة المختصين، بأمر لم ينتبهوا اليه، وهو انه حل العديد من تلك المسائل على اسس وقواعد رياضية جديدة ابتكرها هو بنفسه، وهي غير تلك المتضمنة في كتب الجامعة، واستبد العجب بالمحققين، ان صح هذا فمعناه ان جامعة كامبريدج اصبحت تضم واحدا من عباقرة الرياضيات، وقال رئيس المحققين للطالب: اذا كان ما فعلت صحيحا، فسنعقد لك امتحانا آخر ونرى ما ستصل اليه بهذه الاسس والقواعد الجديدة التي تدعي انك مبتكرها.
واجتمع المختصون لوضع امتحان جديد، تعمدوا فيه الخشونة والتعقيد، واخفوا امره، واخطر نيوتن بموعد الامتحان ومكانه، وفي الامتحان فرضت الرقابة المشددة، واتخذت كل الاحتياطات، واذا بالطالب ينتهي من اجابته في مدة اقل من الاولى، 7 دقائق، وسلم اوراق الاجابة!
ويا لدهشة المصححين، ان الاجابات جميعها صحيحة وفوق ذلك مبتكرة، فهو لم يستخدم فيها قاعدة واحدة من القواعد الرياضية المستخدمة في ذلك الوقت.
لا بد اذن من التسليم، لقد ايقن اساتذة كامبريدج انهم امام عبقري يندر ان يجود الزمان بمثله.
وكان رد الاعتبار، فقد اعتذر مدير الجامعة بنفسه للطالب علانية امام طلاب الجامعة، لأن اخبار التحقيق مع نيوتن كانت قد انتشرت بينهم ولاكوا اسمه وسمعته بألسنتهم.
(من كتاب: قطوف من سير العلماء - د.صبري الدمرداش)