- مسألة قيادة المرأة السيارة أقرب إلى التحريم لأنها لا تتناسب مع وضع المجتمع
انهارت منال الشريف (32 عاما) التي قادت سيارتها علنا في الخبر السبت الماضي خلال التحقيق معها ودخلت في نوبة بكاء وبدت «غير مصدقة» لما يحدث لها بعد دخولها إصلاحية الدمام، مطالبة المحققين بأن يوسعوا نطاق التحقيق ليشمل سعوديات أخريات، بعضهن يقمن خارج المملكة.
ووفق ما نقلته صحيفة «الوطن» السعودية في عددها أمس فان الشريف قالت إنهن حرضنها على قيادة المركبة وتصوير الواقعة وطمأنها بأنه لا توجد عقوبة على من تقود السيارة، اعتمادا على ما تنص عليه أنظمة المرور فقط.
من جهته، قال المحامي عدنان الصالح الذي تطوع للدفاع عن الشريف لـ «الوطن» إنه اطلع على أوراق القضية التي تضمنت توجيه الاتهام للمحتجزة بـ«الإخلال بالنظام العام من خلال تحريض النساء على قيادة السيارة وتأليب الرأي العام»، مشيرا إلى أن القضية لم تتم إحالتها إلى هيئة التحقيق والادعاء العام حتى أول من امس.
وفي حادثة مشابهة، قبضت الدوريات الأمنية في محافظة الرس بمنطقة القصيم اول من امس على سيدة في الأربعينيات تقود سيارتها، وتم استدعاء هيئة الأمر بالمعروف للوقوف على الحالة.
وأكد الناطق الإعلامي في شرطة القصيم العقيد فهد الهبدان أن السيدة استوقفت وهي تقود سيارة من نوع «داتسون 86» ترافقها سيدتان، وذلك بعد تبضعهن في أحد المراكز التجارية، ليفرج عنها بعد ساعات.
من جهته، قال قاض سعودي سابق إن قرار توقيف الفتاة السعودية منال الشريف التي قادت سيارتها بنفسها في شوارع مدينة الخبر، غير مشروع نظاما، وإنه لا يوجد نص يمنع ذلك، مشيرا إلى أن من الصعب تأثيمه شرعا.
في الوقت نفسه، أبدى تأييده الشديد لاستمرار أسلوب الضغط الإيجابي المشروع، والمطالبة من قبل النساء للسماح لهن بقيادة السيارة.
وقال الشيخ محمد الجذلاني القاضي السابق والباحث في الشؤون الشرعية والقانونية، إن إيقاف السيدة منال الشريف قرار غير مشروع نظاما، لعدم وجود نص نظامي صريح يمنع ذلك، كما أن من المعلوم للمجتمع أن النساء يقدن السيارات في البوادي وخارج حدود المدن دون أن يتعرضن لإيقاف أو مخالفة. وهنا لا يمكن التفريق بين الحالتين بتجريم الأولى والسماح بالثانية.
وأضاف الجذلاني، في تصريح لـ «ام.بي.سي»، أن الظروف الحالية (النظامية) تجعل تحريم القيادة بصفة عامة أقرب من الجواز، بسبب غياب ضوابط قيادة المرأة السيارة.
وأوضح أن حالة الفتاة منال الشريف قد استوفت الضوابط التي يفترض عند توافرها أن يسمح لها بالقيادة، وهي أنها امرأة ناضجة، رشيدة، محتشمة، وكانت تقود بموافقة محرمها، إلى جانب قيادتها داخل حدود المدينة أثناء ساعات النهار، ومن ثم من الصعوبة تجريم العمل الذي قامت به نظاما أو تأثيمه شرعا.
قيادة المرأة محظورة
وأوضح أن مصير السماح للمرأة بقيادة السيارة سيرى النور قريبا، ويلقى مصير عديد من القرارات التي حرمت دون استيفاء دراستها بعمق في وقت سابق، كإصدار بطاقة الهوية الوطنية، واقتناء المذياع، والتي صارت جائزة في الوقت الحالي، وتقبلت كثير من فئات المجتمع فتوى جوازها.
ورأى الجذلاني أن قيادة المرأة السيارة ستمر بمراحل مخاض ستؤدي إلى السماح به، مشيرا إلى أن طور علاج المشكلة سينطلق بالضغط الإيجابي بالقيادة بشكل متفرق فردي.
وقال «لو سمحت الدولة بقيادة المرأة للسيارة رسميا فإن كثيرا من الأقنعة ستسقط، ويتضح حينها من يؤيد ومن يعارض، وسنجد أن كثيرا من المجتمع الذي كان يرفض هو المبادر إلى السماح للمرأة بالقيادة».
خطر المراهقات
ويرى القاضي السعودي السابق أن الوضع الحالي للأنظمة المتعاطية مع قيادة المركبات، يجعل مسألة قيادة المرأة السيارة أقرب إلى التحريم، لأنه لا يتناسب مع وضع المجتمع.
وأضاف «لو أتيح للنساء المساواة تماما بالرجال فإنه سيكون من حق الفتاة البالغة 18 عاما الحصول على رخصة قيادة وبدون إذن من ولي الأمر. وهنا مفسدة واضحة، خصوصا في مجتمع لم يألف التعامل مع النساء في القيادة، فضلا عن إتاحتها لفتيات صغيرات».
وطالب الجذلاني بوضع عدد من الاشتراطات قبل السماح للمرأة بالحصول على رخصة القيادة، كتحديد العمر بـ 30 عاما في البداية، وضبط أماكن القيادة دون السفر أو الخروج خارج حدود المدينة أو السفر منفردة مثلا، بالإضافة إلى أوقات القيادة، وألا تكون بعد الساعة 12 ليلا مثلا.
كما أشار إلى ضرورة حصولها على موافقة ولي الأمر، مثل المعمول به مع جواز السفر، موضحا أنه في هذه الحالة يقدم مشروع قرار لعلماء الدين في البلد والجهات المعنية لدراسته وبحثه من جميع النواحي، وحينها فإن القرار سيؤيد من بعض العلماء وسيعارض من البعض، ومن ثم يترك القرار لولي الأمر (الملك) لاتخاذ القرار المناسب.
وأوضح الجذلاني أن هناك سطحية في كثير من القضايا، ليست بعيدة عن المثل المعروف «الناس أعداء ما جهلوا»، ولا تخرج الفتاوى في كثير منها عن السطحية في كلمتين «يجوز» أو «لا يجوز».
وأضاف «المفروض أن تكون الفتوى مبنية على بحث وترو في أي قضية جديدة، لأن كثيرا من القضايا فيها حقوق لأناس، والحكم فيها بالتحريم مرتبط بقضايا الناس ومصالحهم. وقضية تحريم قيادة المرأة السيارة حقوقية لأناس، ومرتبطة بالتضييق على النساء واحتياجاتهن، لذا يجب أن تعطى حقها من البحث».
من جــانب آخر، توقع الجذلاني أنه لو سمح بقيادة المرأة السيارة دون ضوابط وتهيئة الظروف المناسبة، فستكون كارثة لا تحمد عواقبها، وستقع كثير من المفاسد، كتمرد الفتاة المراهقة على ولي أمرها الرافض لقيادتها السيارة، بالإضافة إلى أنه سيصير بإمكانها السفر، ولن يوجد من يمنعها من التنقل بين المدن والطرق البرية.