كثيرا ما يتم تجاهل الأعراف ومدى الزاميتها على الصعيد القانوني فيعتقد البعض ان القانون هو ما جاء به المشرع القانوني وما اشتملت عليه مواد الدستور وانتهى، متناسين بذلك مصادر القانون الأخرى التي يكون أهمها العرف.
والعرف ملزم ليس فقط في المجتمعات العربية والإسلامية بل هو ملزم في كل المجتمعات حتى أن بريطانيا كثيرا ما تدور الأقاويل أن دستورها عرفي، والسؤال الذي قد يتبادر الى الأذهان لماذا هذه القيمة القانونية والاجتماعية الكبيرة للأعراف؟
وقد تكون أبسط الإجابات البديهية التي قد تتبادر الى الأذهان هي لصيانة نسيج المجتمع مما يؤدي بالتالي الى تماسكه ونبذ المظاهر الدخيلة والشاذة على أعراف المجتمعات كل على حدة بما جبل عليه سواء في الديانة المعتمدة في الدولة أو من خلال منظومة القيم التي تداولها أبناء الدولة الأصليون.
وقبل نشأة الدساتير المكتوبة كانت الدساتير العرفية هي التي تحكم الدول إلا أن التطور العلمي والاجتماعي أظهر الدساتير المكتوبة التي تناقلتها الدول في العقود الماضية لضمان الاستقرار السياسي في المجتمعات.
وقد يكون ذلك الأمر ايجابيا بالتأكيد وذلك لأن الدستور المكتوب يضع النقاط على الحروف وهو أوضح وأكثر استقرارا وثباتا وذلك لوجود نص مكتوب يقطع الشك باليقين ويضفي بدوره استقرارا اكبر على المجتمعات.
ولكن نظرا لسلبيات العولمة التي ظهرت مؤخرا والتي أفرزت العديد من المظاهر الدخيلة على بعض المجتمعات أصبح من الضروري ليس ان يكون هناك دستور مكتوب وحسب بل لا بد من تدوين الأعراف في كتاب لا يحمل الصفة القانونية الملزمة التي يحملها الدستور ولكن يكون مرجعا عرفيا يرتكز عليه القضاة في احكامهم صونا لأنسجة المجتمع المختلفة.
إلا ان الإشكالية لدى فقهاء القانون ما زالت قائمة على ان العرف متى ما تم تدوينه أصبح تشريعا نظرا لأن ما يميزه عن التشريع وهي الصفة الكتابية ولكن هذا الرأي قد يحمل الخلاف من خلال آلية الكتابة بحيث نضفي على التشريع الصفة البرلمانية بحيث ما يصدر من البرلمان يصبح تشريعا وذلك لأن آليات وضع التشريعات تختلف عن الأعراف.
فمتى ما صدر التشريع من الجهة الرسمية المخولة له أصبح تشريعا ملزما وهذا لا خلاف عليه، ولكن الأعراف التي جبل عليها المجتمع متى ما صدرت من جهة قضائية معتمده لأجل الحصر والجمع للحفظ فقط تكون عرفا وليس تشريعا.
فاليوم لا يمكننا ان نبقي أعرافنا معتمدة على الذاكرة وحسب لأنها بالتأكيد معرضة للضياع فهي غير موثقة وبالتالي سيتم نسيانها مع الزمن، لذلك القضاة بالتأكيد بحاجة الى «مرجع عرفي» يستقون منه عادات وتقاليد المجتمع السائدة بحيث تنقح كل عشر سنوات للتأكد من تغيرها وفي هذه الحالة فهي ليست بهذه الطريقة بشأن الدستور الدائم او التشريع الصادر من الجهة المختصة.
وقد يكون الدافع من خلال هذا التوجه هو صون الأعراف فهناك أناس كثيرون باتوا ينسلخون عن الأعراف التي جبل عليها المجتمع ويتبنون ثقافات دخيلة ويلصقونها بالمجتمع على اعتبار أن ذلك الأمر من اعراف المجتمع وهي بذلك غير صحيحة بل يتم نشرها وبثها من خلال بعض وسائل التواصل الاجتماعي على اعتبار ان هذه هي عادات وتقاليد المجتمع الكويتي وهذه بالنسبة للمجتمع كارثة فما يحدث في كثير من الأحيان ليس من أعرافنا لا السياسية ولا الاقتصادية ولا الاجتماعية.
وقد يجابه البعض مثل هذا القول معللا بأن ميزة الأعراف أنها متغيرة وهذه مقولة صحيحة ولكن عندما تكون فعلا أعراف المجتمع تغيرت وليس من قبل فئة قليلة، لذا أصبح واجبا على المؤرخين توثيق الأعراف الحقيقية لحفظها.