من كان يعتقد أن شابا تونسيا في ريعان شبابه سيقدم على اشعال النار في نفسه.. ثم يموت، فتقوم ثورة تسقط نظاما كان من أقوى الأنظمة الاستبدادية على الإطلاق؟ وجعلت رئيس الدولة زين العابدين يفر بجلده وبتذكرة ذهاب بلا عودة، وبعدها وبأقل من 10 أيام تشتعل ثورة 25 يناير المصرية ما جعل الرئيس المصري يتنحى عن الحكم ويتحاكم ويسجن، بل الذي يكون في السجن وبأمر الرئيس السابق يصبح محله حاكما لمصر، ثم أيام قليلة وتبدأ الثورة اليمنية، وبعدها الثورة الليبية وتكون نهاية القذافي بهذا الشكل والطريقة المذلة، ثم الثورة السورية ضد فرعون سورية ونظامه ذي القبضة الفولاذية، كل هذه الأحداث لم نسمع أحدا تنبأ بها حتى في أرقى البيوت الاستشارية.. ولا ندري متى وأين ستقف الثورة وما هو البلد القادم الذي ستشتعل فيه؟
وقد تختلف أسباب قيام الثورات من بلد إلى آخر، ولكنها تجتمع على بعض الأسباب الجوهرية مثل القمع والاستبداد واستباحة أموال الشعوب، ولعل المثال والنموذج المصري خير دليل على ذلك، فهل يعقل في بلد مثل مصر أن تحكم بقانون الطوارئ منذ عشرات السنين ومن دون أسباب جوهرية تستحق هذا الأمر، حيث يتم تعليق الحقوق السياسية ويعطى رجل الأمن صلاحيات مطلقة ويتم منع المواطنين من التعبير عن آرائهم بكل وضوح وشفافية، إضافة إلى ارتفاع نسب البطالة وسوء الأحوال الاقتصادية والاجتماعية، حتى ان العيش وتوفير لقمة كريمة أصبح من الأمور الصعبة في مثل هذا الفساد المستشري بين الطبقة السياسية الحاكمة، ولعل باقي بلدان الربيع العربي لا تختلف عن النموذج المصري كثيرا.
ولعل وسائل التواصل الاجتماعي «تويتر» و«الفيسبوك» ساعدت كثيرا في زيادة حدة حراك هذه الثورات، ونتذكر حملة «كلنا خالد سعيد» التي تمت في مصر بعد مقتل خالد سعيد على يد أجهزة الأمن المصري ثم تم اتهامه بأنه كان يتعاطى المخدرات، والطب الشرعي قال عكس ذلك.. والتي كانت بداية شرارة الثورة المصرية.
على دول العالم العربي أن تدرك حجم وجسامة التحديات الداخلية لديها وتتخلى عن نظرية المؤامرة، حيث إن الشعوب أصبحت واعية ولا تخاف من شيء وأن تبدأ بالإصلاح الحقيقي، وتتخلى السلطات العربية عن النخب والطبقة الاستشارية التي لديها والتي كانت دائما لا توضح الصورة الحقيقة وما يجري على أرض الواقع بشكل واضح وكانت أحد معاول الهدم بيد السلطات، وخير دليل على ذلك أن كل دولة تقول نحن غير الأخرى، مصر غير تونس وليبيا غير مصر وسورية غير باقي الدول وكانت النتيجة واحدة، فهل لو كانت الطبقة السياسية والاستشارية صادقة لحدثت كل هذه الثورات؟ أي دولة عربية اليوم تريد الحفاظ على كيانها فيجب أن تقوم بإصلاحات حقيقية وسريعة، وعدم التصادم مع رغبة الشعوب في ايجاد حياة كريمة لهم ولأسرهم وإشباع بطونهم وإيجاد مساحة من الحرية للتعبير عن الآراء بكل وضوح، والتأكيد على مبدأ الفصل بين السلطات، والتخلي عن مبدأ وسلطة الفرد الواحد، واستقلال القضاء وعدم اقحامه في الحياة السياسية، وغيرها من الإصلاحات المستحقة.