بين الكويت ومشهد في إيران آلاف الكيلومترات تقطعها الطائرة في حوالي الساعتين لتصل الى مقاطعات خراسان القريبة من أفغانستان وتركمانستان حيث المدينة المقدسة التي تضم مرقد حفيد النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بيته الكرام «الإمام علي الرضا» الذي ولد في المدينة المنورة 148 هـ وعاش فيها يمارس دوره القيادي في التبليغ والتعليم لترسيخ العقيدة والشريعة الإسلامية ويرد على الشبهات ويناظر العلماء ويحاور أهل الفلسفة والكلام، حيث شهدت هذه الفترة أوج الدولة العباسية أيام المهدي والهادي والرشيد والأمين والمأمون وكثر فيها الغلاة والزنادقة، لكنه وبضغط وإكراه من الخليفة العباسي المأمون الذي واجه تحديات من العلويين وبني هاشم الذين اتهموه بأنه نكل بهم ونكث بوعوده، فكان عليه ان يمارس دورا لاستمالتهم عبر إجبار الإمام الرضا على قبول منصب ولاية العهد، وليكون قريبا من رقابته عليه وتقييد نشاطاته، ولذلك أجبر على قطع هذه المسافة الطويلة من المدينة الى مرو (طوس) حيث عاصمة المأمون، وقد اضطر الإمام الى قبول هذا المنصب بشرط ان يكون شكليا لا يمارس أي دور يفهم منه إقرارا بسياسة بني العباس، وكانت للإمام الرضا محطات في هذا الطريق الذي شهد استقبالات حافلة له وذلك لمكانته الجليلة وعظم قدره، ومن ذلك ما حدث في نيسابور حيث نقل الى جمع غفير من العلماء والمؤرخين حديثه المعروف بالسلسلة الذهبية عندما نقل الإمام الرضا عن آبائه الطاهرين عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جبرائيل عن الله «لا إله إلا الله حصني، فمن دخل حصني أمن من عذابي» ثم التفت اليهم الإمام مستدركا: «بشروطها وأنا من شروطها».
وقد سُكت النقود باسم الإمام الرضا عليه السلام من قبل المأمون العباسي.
ورغم ذلك فلم يتورع المأمون عن اغتيال الإمام الرضا 203 هـ عندما استشعر خطر أثره على توجهات جموع الناس نحوه لكن مرقده الشريف صار محلا لزيارة الملايين من الناس وهو يمثل نوعا من ارتباط محبي مدرسة أهل البيت عليهم السلام بهم وتمسكهم بهذه العروة الوثقى، لكن هذا المشهد الشريف لم يسلم من محاولات التخريب والتدمير والتفجير على مدى التاريخ حتى في العصر الحديث مثل هجمات الأوزبك 1587م وقصف الروس 1912 بالمدافع على مدينة مشهد وتفجير أحد الانتحاريين بالحزام الناسف قبل سنوات ولكن لم يزيد هذا المشهد إلا مزيدا من الزوّار من بلدان العالم ومنها بلدنا الكويت حيث الطائرات الكويتية والإيرانية على مدى أيام السنة، وذلك امتثالا لما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل: «ستدفن بضعة مني بخراسان، ما زارها مؤمن إلا أوجب الله له الجنة وحرّم جسده على النار»، وعن الإمام الرضا عليه السلام نفسه «من زارني وهو يعرف ما أوجب الله تعالى من حقي وطاعتي فأنا وآبائي شفعاؤه يوم القيامة» وغيرها ويتفنن المسلمون هناك بألوان الأدعية الى الله عز وجل والتوجه الى الكعبة المشرفة بالصلاة وتلاوة القرآن الكريم طلبا للأجر من الله تعالى والثواب وقضاء الحاجات من الله تعالى.
[email protected]