في حواراتها مع عدد من العلماء والدعاة في الكويت، أثارت «الأنباء» في عددين آخرهما يوم 25 الجاري، موضوعا قديما جديدا وهو الخروج على الحاكم وإن طرح بعناوين اخرى مثل «الفتوى بشأن المظاهرات والمسيرات» أو «الاضراب والاحتجاج الشعبي»، وقد تباينت الآراء الدينية المنشورة فيه، ويبدو أن منشأ الجدل في هذا الموضوع هو ما جرى من حوادث ومعارك بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وربما تكشف الموضوع أكثر في عهد الدولة الأموية، وخاصة في عهدي معاوية بن أبي سفيان وابنه يزيد وبالذات عند التساؤلات التي هزت المجتمع الاسلامي آنذاك حول مبررات قتل سبط الرسول صلى الله عليه وسلم الإمام الحسين عليه السلام يوم الطف بكربلاء سنة 61هـ وقد تداول المسلمون الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن بين مروج لها أو مشكك ورافض لها أو مقيدها بشروطها، ومن ذلك أن راجت الروايات التي تدعو المسلم الى أن يسمع ويطيع حتى للحاكم الظالم، حيث الصبر والنصيحة هما مفتاحا الفرج.
ولعل اثارة مثل هذا الموضوع قد تدفع نحو اللبس بإسقاطه على بلادنا الكويت والتي تشهد في الآونة الاخيرة تداعيات بعض الجماعات السياسية في مظاهر حشد الشارع بالمسيرات أو الندوات الجماهيرية، مما قد يحرج المفتي بالاصطفاف ضد الحكومة الكويتية أو ضد المعارضة الشعبية! وهذا ما يؤكد ان الافتاء ينبغي تحصينها بالاستقلال التام دفعا لأي ضغوطات حتى تأتي الفتوى موضوعية بدرجة عالية جدا، ويبقى اسقاطها على الواقع وهو موضوع يخص غالبا المكلف بالامتثال للمسألة الشرعية.
ورغم الفارق الكبير بين واقعنا الكويتي وما يجري في بلدان العالم من مظالم وانتهاكات بأوامر مباشرة أو غير مباشرة من حكامها، فمن غير المعقول ان تطرح الفتوى بإطلاقها سواء بالاباحة أو الحرمة للخروج على الحاكم بالمسيرات والاحتجاجات، ولا يكفي ان يتأثر ذلك بمظاهر اعلامية يقوم من خلالها هذا الحاكم الظالم بالصلاة وقراءة القرآن وتقبيله أمام الكاميرات وترديد بعض الآيات الكريمة في خطبه! ولعل أفضل نموذج لهذه الصورة هو الطاغية صدام حسين الذي حكم العراق بالحديد والنار وهتك الاعراض وأشاع الفساد والقتل في المسلمين، ومن ذلك الكويت وإيران رغم أنه وضع عبارة «الله أكبر» على العلم العراقي وشاعت صوره وهو يصلي ويقبل مراقد العتبات المقدسة في العراق وأسمى حروبه بالمقدسة! فهل يمكن أن نكبل الشعب العراقي وندينه لاحتجاجه السلمي والمسلح على هذا الطاغية وان عليه ان يستجيب لهذه الفتوى بالصبر والتناصح! ولقد قتل الصابرين والناصحين وحنث بالوعود والايمان.. كونه الحاكم الشرعي لبلاد المسلمين في العراق!
[email protected]