عبدالهادي الصالح
في ذكرى ميلادها السعيد (20جمادى الآخرة) يحسن بنا ان نتساءل: لماذا هذا التغييب عن ذكرها والتطرق الى مناقبها الجمة، والى سيرتها العطرة التي تشكل النموذج الارقى لكل النساء ومرجعا لحسم القضايا الجدلية في الصراع المزعوم بين الرجل والمرأة والذي تعيشه المجتمعات الاسلامية والعالمية أليست هي - كما سماها ابوها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) «سيدة نساء العالمين»؟ اقول لماذا هذا التغييب من قبل الدعاة المبلغين، الذين يتزاحمون في وسائلنا الاعلامية للحديث عن المرأة في كل شاردة وواردة ثم لا يذكرون فاطمة الزهراء «عليها السلام» وهي المثل الاعلى للمرأة؟ ولماذا لا يستند اليها مناصرو المرأة من الليبراليين وغيرهم؟! للتأكيد على حقوقها السياسية والانسانية وما اكثر مواقفها عليها السلام فيها؟! ومن العجب ان يرى المرء هذا الكم الهائل من الاحاديث والروايات من مصادر المسلمين على تعدد مدارس مرجعياتهم، ومن ذلك ما يلي:
في صحيح الترمذي ج2 / ص 319: يروى عن السيدة عائشة ام المؤمنين رضي الله عنها قالت: «ما رأيت احدا اشبه سمتا ودلا وهدبا برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قالت: وكانت اذا دخلت على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قام اليها فقبلها واجلسها وكان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) اذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها.
ويذكر صحيح مسلم في كتاب الجهاد والسير وغيره الكثير من مساندتها وجهادها للذود عن الرسالة والرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ومنها ان فاطمة كانت تتصدى للمشركين الذين يرمون فضلات الجزور المنحورة على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فتطرحه عنه وتواجههم بالكلام القاسي.
وكانت يوم «أحد» تغسل الدم وتداوي جروح الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) اثر المعارك الدموية مع المشركين، وكانت تبكي عندما ترى من التعب ومظاهر الشعث والنصب على وجه الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فتتألم فيقول لها ( صلى الله عليه وسلم ) «لا تبكي فإن الله عز وجل مانع أباك... الى آخر الحديث» واثناء حفر الخندق كانت تقوم - عليها السلام وترفع لابيها ( صلى الله عليه وسلم ) كسرة خبز لعلها تسد جوعه فتشاركهم في كفاحهم ضد الباطل.
وفي صحيح ابي داود ج 26 يروى ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان اذا سافر تكون فاطمة - عليها السلام - آخر عهده بأهله، وكان اول من يدخل عليه اذا قدم فاطمة عليها السلام.
وتشتكي فاطمة - عليها السلام لابيها شظف العيش وما تلقى من اثر الرحى فيعلمها ما يعرف بتسبيح الزهراء عليها الصلام (34 الله اكبر + 33 سبحان الله + 33 الحمد لله) ويروي ذلك البخاري وكذلك مسلم في كتاب الذكر، وصحيح ابي داود في باب التسبيح عند النوم.
ويذكر السيوطي في تفسيره الدر المنثور عن ابي سعيد الخدري ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) دعا فاطمة - عليها السلام فأعطاها ارض فدك في تفسير قوله تعالى (وآت ذا القربى حقه).
وفي صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق في باب علامات النبوة ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لها «اما ترضين ان تكوني سيدة نساء اهل الجنة او نساء المؤمنين»، ويروي احمد بن حنبل في مسنده «سيدة نساء هذه الامة او نساء العالمين»، ورواية اخرى مشابهة عن ام المؤمنين عائشة - رضي الله عنها يرويها مستدرك الصحيحين ج 3 / ص 156.
والكثير الكثير جدا منها (باختصار شديد) ان فاطمة - عليها السلام صديقة وهي خير النساء، وانها اصدق الناس لهجة، وقول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) «ان ولد فاطمة انا ابوهم وعصبتهم»، وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) كذلك «فاطمة بضع مني فمن اغضبها اغضبني» وفي رواية اخرى يؤذيني ما اذاها، ويبسطني ما يبسطها او يسرني ما يسرها، في الفاظ مختلفة تنقلها كتب الحديث كما في صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق وكتاب النكاح وصحيح مسلم في كتاب فضائل الصحابة وصحيح الترمذي ج2 ص 319..الخ.
ولا يزال السؤال: لماذا تغيب الزهراء من ادبيات وخطب وكتابات الدعاة رغم مئات الاحاديث الشريفة التي تؤكد فضائلها ومناقبها؟ واين المصلحون ودعاة تحرير المرأة من هذا الكنز الثري؟ لماذا تكتمون الحق؟