عبدالهادي الصالح
إذا كان تدخل الحكومة لإنقاذ الوضع في البورصة هو من صميم مهامها للمحافظة على الوضع المالي لها وللمتعاملين مع هذه المؤسسة الاقتصادية، فإن هناك ما هو أهم وأخطر من الاقتصاد ألا وهو الوحدة الوطنية والتي تتعرض اليوم لمشاريع حرائق الفتن الطائفية، وإذا ما نجح أصحاب هذه المشاريع - لا سمح الله تعالى - فحينئذ لن يبقى اقتصاد أو تنمية، والتاريخ والوقائع من حولنا شاهدة على ذلك.
لا يكاد يوم يمر دون أن تكون هناك إثارة لمقال أو تصريح يعج بالفتنة الصارخة وبالتحريض على الكراهية والازدراء الفئوي من داخل البلاد أو خارجها، وبدوافع صحافية تفرد لها الصفحات وتبرز في صدرها.
ولا يخفى على أي عاقل أن ذلك واضح وضوح الشمس بارتباطه بالوضع السياسي العالمي عامة والإقليمي خاصة، ويخطئ من يقول بسقوط مبدأ التفسير بالمؤامرة، فالمؤامرة موجودة ويخطط لها كسيناريوهات تردف وتعاضد الطبخات السياسية والخطط العسكرية بعيدة المدى، ومن المؤكد ان الوضع الجديد للنظام السياسي في العراق وانتصارات حزب الله في لبنان على إسرائيل واصرار إيران على برنامجها النووي ورفضها القاطع لأي حلول مع بقاء إسرائيل وما شابه ذلك كله وكأنه انتصار لهذه الطائفة الإسلامية علاوة على الإصرار على تبعية الشيعة لايران وتعاطف بعض الأحزاب والحركات العربية والإسلامية مع هذه الإنجازات التي قيدوها باسم الشيعة وليس باسم المقاومات الوطنية والمواقف الإسلامية الراشدة، ثم ما تقوم به حركة طالبان والتابعون لها من عمليات إرهابية بشعة ضد مخالفيهم عقائديا وسياسيا وما نجم عن ذلك من كراهية شديدة للموالين لهم، كل ذلك ألقى بظلاله الطائفية ونفخ فيه اللاهثون دائما وراء الانتصار للنفس الطائفي الضيق المقيت من خلال هذا التصريح او ذاك المقال، ويعاضد هذا الرأي ما سبق ان صرح به رؤساء بعض الانظمة العربية واوضحوا فيه صراحة تخوفهم من المد الشيعي الإيراني، ورغم اننا ككويتيين محصنون ضد هذا الحريق دستوريا وقانونيا وواقعيا من خلال ما أثبتناه جميعا كأمة واحدة وقفنا صفا واحدا تمازجت فيه دماء النسيج الكويتي امام الاحتلال الصدامي العراقي إلا أننا ومع تراخي الدولة في تطبيق القوانين وبالذات ما نص عليه قانون المطبوعات والنشر فيما نص عليه من محظورات في مادته رقم 21 الفقرة 7، يجعلنا حقيقة عرضة لهذا الحريق إلا من عصم الله تعالى.
لقد حفلت أدبيات الحكومة دائما بالحض على الوحدة الوطنية، لكن هذا الحض إن لم يستتبع بأدوات وآليات عملية فإن ذلك يفسخ المجال لتفسير ومظنة أن الحكومة غارقة في حسابات سياسية لا تدعها تفعل هذه الأدوات والآليات إلا ضمن معايير مزدوجة.