في مثل هذه الايام من هذا العام تتنازعنا فرحة ذكرى المبعث النبوي الشريف الذي أعاد الحياة لهذه الأمة، وذكرى مأساة النكبة التي ألمت بجزء عزيز لهذه الامة بأرض فلسطين التي تمثل مركز اولى القبلتين ومحل معراج نبي الأمة صلى الله عليه وسلم. وكأن الدهر يسخر منا: كيف لامة اعزها الله بالإسلام واخرجها من الظلمات الى النور، ومن الذل والهوان الى العز والكرامة، كيف تتراجع اليوم صاغرة منهزمة امام الصلف الصهيوني وأعوانه؟! فلا تملك قرار قوتها وخلاصها الا من صنع اسرائيل وزرعها في قلب الأمة، اللهم الا من رحم الله وأيده بنصره.
في 15 مايو 1948 وهو اليوم التالي لاعلان ما يسمى بدولة اسرائيل، حيث يتذكر المسلمون والعالم ما حل بالشعب الفلسطيني من مأساة انسانية، عندما قام الصهاينة بدعم من بعض اصدقائنا اليوم بقتل آلاف من الشعب الفلسطيني عبر عشرات المجازر المروعة، واغتصاب اراضيهم وبيوتهم، وطرد حوالي 750 الف مسلم فلسطيني وتحويلهم الى لاجئين ومشردين، وهدم اكثر من 500 قرية، وتدمير المدن الفلسطينية الرئيسية وتحويلها الى مدن اسرائيلية حتى سمي بيوم النكبة قبل ان تواصل العصابة اليهودية نصرها على الجيوش العربية حتى احكموا السيطرة على اكثر من ثلاثة ارباع مساحة فلسطين قبل عقد الهدنة مع اليهود عام 1949.
ومن ذلك اليوم توالت الهزائم العربية الا من فتات النصر المقيد او المشروط. حيث دخل العرب ومنهم بعض الفلسطينيين انفسهم، دخلوا برامج التسوية والاستسلام عبر المؤتمرات والاتفاقيات التي أعدها اصدقاؤنا حلفاء اسرائيل لدرجة الانبطاح لقبول الامر الواقع وتطبيع العلاقات السياسة والتجارية، على امل ان يحل السلام والامن ويعم والاطمئنان والرخاء الربوع العربية، التي عليها ان تتفرغ للخطط التنموية في بلادها، حتى كاد الكلام عن القضية الفلسطينية بالنسبة لكثير منا لا معنى له. بل هي قضية خاصة بالزعماء الفلسطينيين يتصرفون فيها كيفما شاءوا.
لكن وبعد هذه المؤتمرات والمعاهدات والاتفاقيات والمؤامرات. هل تحقق بالفعل الرخاء وعم السلام وازدادت وتيرة الاهتمام بالنماء القومي في المنطقة العربية؟
اليوم واقعنا يتكفل بالاجابة عن هذه التساؤلات:
1- تراجع الدخل القومي لمعظم الدول العربية الى حدود الفقر، وتراجعت معدلات التنمية بسبب اشغال هذه الدول العربية بصراعات اقليمية ووهمية مما اشعل نهم التسابق الى شراء الاسلحة والاستمرار في ملاحقة ما استجد واستحدث في سوق السلاح العالمي وتخزينه ليوم تشخص فيه الابصار لضرب الجيران والاشقاء.
2- خلق بيئة معارضة للقيادات السياسية في معظم الدول العربية تحت عنوان القضية الفلسطينية، وسط تبادل باتهامات العمالة والخيانة والانقياد للقرار الاجنبي مما اشغل الساحات الوطنية العربية في ملاحقات ومعارك داخلية مستمرة بين الانظمة السياسية الحاكمة والتيارات والاحزاب السياسية المعارضة. ومع تزامن ذلك مع الفساد الاداري والمالي واستغلال الدول الاخرى الكبرى احيانا هذه الاوضاع للتدخل. مما اشعل فتيل الثورات والاضطرابات الداخلية وأججها حتى سميت بالربيع العربي، نجح البعض فيها باملاءات اجنبية، والبعض لايزال يعيش الصراع، والاخر تحول الى الفوضى والانقسام.
3- تحت شعارات الانتصار للامة ضد الانظمة السياسية التي باعت فلسطين لليهود تنامت المدارس الفكرية الدينية التاريخية المتطرفة، فكفرت الامة وتبنت التطرف الفئوي واستخدمت العنف الدموي، وتبنتها بعض الدول الصديقة عندما رأت فيها آلية لتقطيع اوصال العالم العربي، ووسيلة ناجعة للانتقام من عوائق مشروع التطبيع مع اسرائيل، فدعمتها بالمال والسلاح والعتاد فتحولت الى عصابات ضاربة باسم الاسلام، والاسلام منها براء.
4- جراء ذلك عاش العالم العربي والاسلامي ولا يزال نكبات متعددة حيث الدمار الذي طال البنى التحتية للمدن، وتخريب للتراث الانساني، وذبح وحرق الانسان طبقا للهوية وهتك الاعراض وتشريد آلاف الناس من بيوتهم. مما اوجد لنا نكبات اخرى لا تقل عن نكبة فلسطين. فاليوم نعيش نكبة سورية ونكبة العراق ونكبة ليبيا واخيرا وليس اخرا نكبة اليمن. وهل ننسى نكبتنا في الكويت في اغسطس 1990 عندما غزانا الحزب البعثي العراقي بقيادة المقبور الظالم صدام وجريرتنا ان صدقناه ان تحرير فلسطين يمر عبر معركته القادسية ضد الفرس، ثم غيّرها الى الكويت عندها شرد المواطنون الكويتيون الى خارج بلادهم ونكل بهم بين التعذيب والاعتقال وتم تدمير مؤسساتنا الوطنية وتخريب البنى التحتية، وهو درس ينبغي ان نستفيده ليومنا وغدنا.
5- يتحدث الان الاعلام العالمي عن الدوائر السياسية الغربية عن مشروع معد ومخطط له نتيجة لكل السيناريوهات السابقة الا وهو تقسيم الدول العربية الى دويلات طبقا للهويات الدينية والعرقية في اعادة صياغة لاتفاقية «سايكس- بيكو» لسنة 1916 سيئة الذكر. وقد بدأ بالفعل بالسودان وها هي الدول الصديقة الداعمة لاسرائيل وتمهد للتقسيم فتعلن بشكل صريح عن امدادها بالسلاح والعتاد لبعض من المكونات المجتمع العراقي دون الرجوع الى الحكومة الوطنية المركزية. مثلما فعلت بعض هذه الدول بشراء النفط العراقي المسروق دون الرجوع الى الحكومة الوطنية المركزية.
ان كل تلك الخطوات المتتالية وذات الارتباط العضوي بالقضية الام (القضية الفلسطينية) للاسف الشديد لتصيب الانسان المسلم بالاحباط واليأس من ان تعود فلسطين وتحرر ارض اولى القبلتين ومحل معراج نبي الامة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، لولا الوعد الالهي الخالد الذي يجدد الامل في قلوب المؤمنين، ويبعث الحياة في سواعد المخلصين: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون).
وها هي بشائر رجال الله، المؤمنين بالوعد الالهي الحتمي، يواصلون النضال ويجددون العهد والوعد بالنصر وعودة فلسطين الى اهلها وعاصمتها القدس الشريف، مهما طال الزمن وادلهمت الخطوب، وتلك من ايام الله، وانها لقريبة ان شاء الله تعالى (إذا جاء نصر الله والفتح. ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا. فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا).
[email protected]