في فرصة تاريخية شبه نادرة نظمت الكويت مؤتمرا عالميا لتعمير العراق، وحشدت كل الإمكانيات لجمع مليارات الدولارات، والعراق يستاهل بلا منّة على الأقل، بسبب تضحياته الجسام حتى انتصر على «داعش» وأعوانهم، وكما قال صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد «أمن العراق جزء من أمن واستقرار الكويت والمنطقة».
لكن الإعلام العراقي لا يتردد في الكلام عن فضائح الفساد المالي والمفسدين! والشارع العراقي لا يتوانى عن تنظيم «هوسات السخرية» من الفساد المستشري عندهم، وكادت التهم تشمل جميع من في السلطات السياسية، بل شملت التهم حتى بعض المعممين من رجال الدين الذين انخرطوا في العمل السياسي المنظم! ويدور الكلام عن مبالغ ضخمة جدا، أرهقت الميزانية، وشلت حركة التنمية وتدني الخدمات في سائر العراق، وأفقدت المواطنين البسطاء الثقة في نظامهم السياسي الجديد، حتى وصلت الأمور عند بعضهم إلى تمني بقاء نظام المقبور صدام وزمرته العفنة، على الوضع الراهن.
ويتحدث بعض المستثمرين الكويتيين عندنا عن تجربتهم في العراق وما انكووا فيه من فنون الاستغلال والعوائق لدفع إتاوات خاصة لتمرير المعاملات. ولذلك لا عجب أن يطالب هؤلاء بإنشاء قضاء عراقي مستقل لقضايا الاستثمار ومصالح المستثمرين. بل ان بعض الجمعيات الخيرية اشترطت في مؤتمر الكويت، ان تقوم بنفسها بتعمير مناطق محددة كالفلوجة من شمال العراق دون أن يتسلم أحد من المسؤولين فلسا واحدا!
صحيح أن هناك قرارا سياديا الآن في العراق للتصدي بقوة ضد الفساد والمفسدين، لكن من المتوقع أن تفرض الجهات المانحة والمقرضة والمتبرعة لتعمير المنشآت الإنسانية، قيودا صارمة للحفاظ على هذه الأموال، مثلما يتوجب على العراقيين مضاعفة الجهود لقطع دابر الفساد، ولا يسعنا إلا أن نردد قول أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام إذ يقول: «قد أصبحتم في زمن لا يزداد الخير فيه إلا إدبارا والشر إلا إقبالا والشيطان في هلاك الناس إلا طمعا.. اضرب بطرفك حيث شئت من الناس فهل تبصر إلا فقيرا يكابد فقرا، أو غنيا بدل نعمة الله كفرا او بخيلا اتخذ البخل بحق الله وفرا او متمردا كأن بأذنه عن سمع المواعظ وقرا أين خياركم وصلحاؤكم؟ وأين أحراركم وسمحاؤكم؟ وأين المتورعون في مكاسبهم».
(نهج البلاغة خطبة 129).
[email protected]