عبدالوهاب الفهيد
نجح باراك حسين أوباما في الانتخابات الأميركية، وصار أول رئيس أميركي أسود في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، هذا النجاح يعتبره الكثيرون إنجازا لم يسبق منذ أعلن مارتن لوثر كينغ عام 1963 أن حلمه أن يرى البيض والسود متساوين في أميركا، ودفع لوثر ثمن هذا الحلم عندما اغتيل أمام بيته، وذهب حلمه أدراج الرياح، وراهن الكثيرون على أن هذا الحلم مستحيل ولن يكون واقعيا في يوم من الأيام.
ولكن الأيام أثبتت أن الأحلام وما نراه خيالا قد يصبح حقيقة إذا وجدت إرادة حديدية تتحدى العقبات والأزمات.
وهذا ما حصل مع الشاب الأسود ذي الطموح غير المحدود أوباما، حيث أثبت للعالم أنه لا يوجد شيء اسمه مستحيل أمام الإصرار والتركيز ودقة العمل والاستمرار والمثابرة في التقدم وعدم الالتفات للمعوقات والعقبات، فأوباما قبل إجراء الانتخابات بأيام ماتت جدته، والتي كانت تعتبر أكبر عامل معنوي ونفسي له، ثم مات مدير حملته قبل يومين من التصويت، ومع ذلك تمكن الرجل من إكمال مسيرته حتى وصل إلى حلم لوثر كينغ بعد 45 عاما.
وبعد هذا الانتصار تفاءل الناس به خيرا، غالبية الشعب الأميركي، بالإضافة إلى الملونين والسود والأفارقة وحتى العرب، عقدوا عليه آمالا عريضة لحل معضلاتهم ومشكلاتهم وأزماتهم، فهناك أزمة العراق والقوات الأميركية والخروج من المأزق، وأفغانستان واحتلالها العسكري، وإسرائيل وجاراتها مقابل طموحات الكيان الإسرائيلي الذي يستند إلى المنظومة الأميركية في كل ما يخطط له في المنطقة.
وإيران وعلاقتها المتوترة مع الولايات وشبح الحرب في منطقة الخليج العربي بسبب هذه العلاقة العدائية للولايات المتحدة الأميركية، ناهيك عن حصار غزة، وتهديدات إسرائيل باجتياح أرض لبنان، ولبنان وسورية والعلاقات المضطربة من جهة ثانية.
كما يجدر أن نذكر بعض التوترات في علاقة أميركا ببعض دول أوروبا الغربية خاصة بعد اتهام بعض هذه الدول لأميركا بأنها السبب في الأزمة المالية (البورصة العالمية) وتأتي العلاقات الأميركية ـ الروسية على هامش مشاكل الدول التي انفصلت عن الاتحاد السوفييتي سابقا وانتقادات الرئيس الروسي السابق (بوتين) لأميركا بسبب تدخلاتها في تلك الدول.
لقد جاء أوباما في عصر الأزمات ليحل المشكلات والمعضلات وكأنه يحمل عصا سحرية، والأمر ليس كما يعتقد المتفائلون فالولايات المتحدة لا يحكمها فرد واحد مهما بلغ من قوة الشخصية وقدرة على المواجهة ولباقة اللسان وقوة البيان، فالواقع أن هناك خطوطا حمراء لا يتعداها الرئيس الأميركي أو غيره، والسياسات الخارجية لها استراتيجيات لا يمكن لأي رئيس المساس بها جذريا، علما أن الرئيس الأميركي له صلاحيات واسعة جدا، لكن هل له أن يغير السياسة الأميركية ـ الداخلية والخارجية 180 درجة كما يظن البعض؟ الواقع سيبين هذا في الأيام القادمة ولنا أن ننتظر قبل أن نتفاءل، ولكن هناك حقيقة واقعية اعترف بها (أوباما) نفسه عشية فوزه بالانتخابات عندما ألقى أول خطاب له فقال: «نحن نعلم أن التحديات التي سيجلبها الغد هي الأعظم في حياتنا، حربان، وكوكب في خطر، وأسوأ أزمة مالية في القرن» ثم استدرك في خطابه وأخذ يدغدغ مشاعر الشعب الأميركي الذي أعطاه ثقته بقوله: «يمكنكم أن تختاروا الأمل وليس الخوف، وعد التغيير وليس وعد الأمر الواقع».