لاشك ان تفاعلات وتداعيات حادثة مقتل المواطن الكويتي محمد الميموني رحمه الله حاضرة على المسرح السياسي والأمني، واسقاطاتها السياسية والأمنية والتي توّجت بتقديم استجواب لوزير الداخلية تزامنا مع الإعلان عن نتائج لجنة التحقيق البرلمانية والتي حمّلت الوزير وأركان الوزارة مسؤولية ما حدث وتأثير هذه الجريمة البشعة التي هزّت المجتمع الكويتي على الجهاز الأمني.
هذه الحادثة التي أدت الى ان تواجه وزارة الداخلية نقدا لاذعا لم يسبق له مثيل، كما هو حاصل الآن بدءا من أعضاء مجلس الأمة، مرورا بالصحافة المحلية، وانتهاء بالشخص الأول بوزارة الداخلية وهو الوزير، وباستخدامه عبارات قاسية لم تكن مألوفة سابقا أصبحت حاضرة حاليا تتمثل في (تطهير الوزارة، تنظيف الوزارة، العناصر الفاسدة، وزارة مترهلة، تحتاج الى صيانة، قيادة غائبة لا خير فيها)، تلك العبارات وما تحمله من مضامين ما كانت لتصدر عنه لولا وجود الكم الهائل من الخلل الوظيفي والتسيب المالي والإداري المرتبط بالسياسة العامة لوزارة الداخلية بمجملها بدءا من اعداد رجال الأمن التي أدت الى خلق بيئة مناسبة لوجود هذا الخلل الوظيفي والذي نجم عنه استشراء الفساد لدى بعض عناصر وزارة الداخلية الذي يمكن ارجاعه إلى:
ـ ضعف الجهاز الرقابي للوزارة وعدم القيام بمهامه على الوجه الأكمل.
ـ عدم الجدية في معاقبة العناصر التي تستغل سلطاتها.
وبنظرة فاحصة وسريعة لما ينشر من خلال الصحافة المحلية التي تعتبر مرآة عاكسة لما يحدث في المجتمع من قضايا فساد واستغلال سلطة، أطرافها من منتسبي الوزارة نجدها تعطي نماذج عن طبيعة وصور القضايا المرتكبة والتي تتنوع ما بين أخلاقية، واستغلال سلطة وغيرها. دون ان يكون هناك دور فعال للإعلام الأمني في التصدي لها وايضاح الحقيقة بكل شفافية من جهة، ومن جهة أخرى اتخاذ اللازم عند ثبوت صحة ما نشر بتوقيع الجزاء المناسب وإبلاغ الجمهور بذلك، وهذه أهم الوسائل الأولية والمباشرة لمكافحة الفساد والتي لا تحتاج الا لوقفة حازمة من وزير الداخلية وانني على يقين بأنه على اطلاع تام عليها بما يقدم له من خلال تقرير الصحافة اليومي.
كما ان أوضح مثال للتعسف في استخدام السلطة هو ما حدث خلال أحداث الصليبخات وما تعرض له د.عبيد الوسمي من سحل وركل وضرب يبتعد كل البعد عن أخلاقيات العمل الأمني، ذلك المشهد الذي لا يمكن أن ينساه من شاهده، وما تبعه من محاولات التعميم الإعلامي، بل وتعداه الى الاستخفاف بعقل المشاهد من خلال المؤتمر الصحافي الإعلامي دون التطرق الى موضوع الاعتداء على د.الوسمي، لا لشيء الا لإبداء رأيه حيث يمكن محاسبته بتقديمه الى النيابة وفق الاجراءات القانونية والدستورية ان كان مخطئا. هذه الصورة التي بقيت حاضرة في أذهان الكثير من المواطنين خاصة الطلبة والطالبات، عماد المستقبل، فكيف لنا ان نقنع هذا الجيل الصاعد بصحة موقف وزارة الداخلية بأنها الحامي لحقوق وأمن المواطن دون محاسبة من قام بهذا الفعل؟! فهل نريد أجيالا طبع في ذهنها «عنف وتعسف» رجال الشرطة؟ أم نريد أجيالا رسّخ في عقلها «الشرطة في خدمة الشعب»؟!
صورة أخرى طبعت في ذهن المواطنين أيضا لا تقل مأساة وهي صورة الكاتب محمد عبدالقادر الجاسم وهو مكبل على سرير المرض، كما لا ننسى ما حدث للزميل الصحافي محمد السندان وندعو له بالشفاء، وكم كنت آمل ان تتحمل وزارة الداخلية علاجه وان تأخذ زمام المبادرة بذلك، فهل من وقفة صادقة مع النفس من وزارة الداخلية تجاه تلك الصور؟! وكلي أمل في اطار الاصلاح ان يتم التعامل مع المتهمين في قضايا الرأي وغير الخطيرة والمرضى منهم بنوع من «الحس الأمني بغلاف انساني»، وليس «عملا أمنيا بغلاف تسلطي»!
صورة أخرى من الخلل الإداري تتمثل في التداخل في عمل الإدارات وهذا يتضح جليا في إفادة الوزير للجنة التحقيق البرلمانية من ان البيان المجافي للحقيقة أعد في مكتبه بحضور مدير عام الإدارة العامة للمجالس ومستشار قانوني، (أين مسؤولو الإعلام الأمني؟)، واعتمد فيه على ما استقى من معلومات شاركت فيه الادارة العامة للشؤون القانونية والإعلام الأمني في صياغته، وإفادة أخرى من كبار المسؤولين في هذا السياق بأن «الأصول» والواجب ان تصدر البيانات من خلال الادارة العامة للشؤون القانونية والادارة العامة لشؤون المجالس، هل يعقل هذا؟ وأين ادارة الإعلام الأمني وتهميشها في ظل افادات كبار المسؤولين؟ وإذا كانت مهام الشؤون القانونية اصدار بيانات، فما هي إذن مهام إدارة الإعلام الأمني؟ هل مهامهم مجرد توصيل الأخبار للصحافة؟ وهذا بحد ذاته يشعر العاملين بالإعلام الأمني بالإحباط وبأنهم ليسوا على قدر المسؤولية، فإعطاء كل ادارة دورها في تنفيذ مهامها هو الطريق السليم للمتابعة والمحاسبة، ولكن تداخل الأعمال يؤدي للأسف الى نتائج سلبية على المستوى المهني والإداري بل تتعدى الى مستوى العلاقة بين القياديين أنفسهم، حيث ان المشكلة الرئيسية في قضية المواطن الكويتي محمد الميموني بداية هو «البيان الرسمي» لوزارة الداخلية والذي تم اعداده وصياغته من قبل جهات غير مختصة ونتيجة قلة الخبرة في طريقة جمع المعلومات والبيانات، هذا البيان الذي أعطى «غطاء رسميا» للجريمة مما أدى الى تشعبها.
نقطة مهمة جديرة بالاهتمام وهي ان الضبط والربط يعتبر من أهم سمات العمل الأمني حيث ان مكافحة الفساد على اختلاف صورة ليست مسؤولية الوزير وحده بل مسؤولية كل قيادي وموظف كل في موقعه والالتزام بما تمليه عليه الوظيفة المؤتمن عليها من حيث أداء العمل بكل أمانة وصدق ومتابعة القادة لمرؤوسيهم أولا بأول، وهذا لا يتأتى الا بالقدوة الصالحة التي يجب ان يتميزوا بها والابتعاد عن كل مظاهر استغلال الوظيفة والتعسف في استخدام السلطة والالتزام بالتعاميم الصادرة وتنفيذها.
هذه أمثلة قليلة وغيرها كثير، والاصلاح يبدأ بتلمس الحقائق والوقائع على ارض الواقع، الأمر الذي يتطلب القيام بمجموعة اجراءات نأمل ان تقوم وزارة الداخلية بتبنيها لتكون رائدة في عمل المؤسسات الحكومية في مواجهة الخلل الوظيفي والتسيب الإداري الذي يعتبر بداية الفساد وذلك على النحو التالي:
ـ تقييم البرامج التدريبية المقدمة للموظفين مدنيين وعسكريين ومدى فاعليتها لمتطلبات الأداء السليم للوظيفة.
ـ وضع قواعد واجراءات للموظفين بالإفصاح عن أي مصالح تجارية لهم أو لأقاربهم من الدرجة الأولى يقومون بإدارتها وتتضارب مع مهامهم الوظيفية كما هو معمول به في الافصاح الدوري عن الحالة الاجتماعية للموظف.
ـ تكليف مركز البحوث والدراسات الأمنية بإجراء دراسة للتعرف على مواطن الخلل والتسيب الإداري والمالي لجميع قطاعات الوزارة بإجراء دراسة علمية.
ـ تفعيل دور الإدارة العامة للرقابة والتفتيش وفق خطة عمل واضحة المعالم وبرنامج زمني يتمثل في الآتي:
ـ انشاء ادارات وأقسام للرقابة والتفتيش في الادارات العامة والادارات التي لا توجد فيها تتبع الادارة للرقابة والتفتيش.
ـ فتح خطوط اتصال مع الجمهور عبر تحديد خط ساخن، وبريد الكتروني خاص لتلقي الشكاوى والاقتراحات.
ـ الزيارات الميدانية لأماكن الاحتجاز والادارات على اختلاف أنواعها وخاصة المخافر والمباحث والسجون والتدقيق على المقبوض عليهم وتفقد أحوالهم وتدوين أسمائهم في دفتر الأحوال.
ـ تقديم تقارير أسبوعية للوزير والوكيل ما لم تكن هناك حالات استثنائية تستدعي الاستعجال في عرضها.
ـ ايجاد الآليات المناسبة لإجراء الفحص الطبي الأولي للموقوفين والمتهمين قبل التحقيق.
ـ اجراء اختبار قدرات الكفاءة الإدارية والقيادية والمعرفية قبل تعيين القياديين.
ـ اعادة النظر في التقارير السرية نظرا لما يشوبها من محاباة وميول شخصية وبعدها عن التقييم السليم.
ـ اتخاذ الاجراءات الادارية المناسبة لمنتسبي الوزارة العسكريين بحق من يكون طرفا في نزاع او قضية مدنية او تجارية او حتى أحوال شخصية بالمبادرة الى الابلاغ عنها لمقر عمله منعا لاستغلال السلطة علاوة على اقرار نصف سنوي عما اذا كان طرفا في اي قضية.
ـ تشكيل لجنة محايدة للنظر في ملفات الضباط والأفراد الذين صدرت بحقهم عقوبات انضباطية او احكام عسكرية متكررة لاتخاذ التوصية المناسبة بشأن تلك الحالات.
ـ إعداد تقرير اسبوعي يرفع للوزير عن اعداد الضباط والأفراد الصادرة بحقهم عقوبات انضباطية او احكام عسكرية وطبيعة المخالفات وكذلك المتورطون على ذمة قضايا جنائية معروضة أمام القضاء او اطراف في قضايا مدنية او تجارية وغيرها.