تتسارع الأحداث السياسية في العالم العربي من المحيط الى الخليج بصورة لم تشهدها من قبل تتمثل بانتفاضات شعبية توجت بثورات طالت اثنين من البلدان العربية وأسقطت أنظمتهما السياسية والأمنية، وبلدان أخرى مازالت تتواصل فيها الاحتجاجات، تلك الانتفاضات الشعبية بدأت بأسباب تتراوح ما بين الظلم والاستبداد والاستئثار بالسلطة وتنوع أوجه الفساد سياسيا وأمنيا واقتصاديا وغياب المشاركة الشعبية الجادة والحقيقية في اتخاذ القرار وانعدام الانتخابات النزيهة التي تعبّر عن ارادة الناخبين، ومطالبات بالمشاركة السياسية، وحرية الرأي والتعبير، وتحسين المستوى الاقتصادي، تلك الأسباب والمطالبات وتراكمها أدت بلا جدال الى انتفاضة الشعوب.
ولاشك ان لكل دولة ظروفها الاقتصادية والسياسية والنظام السياسي الذي ارتضته تلك الدول برغبة شعبية او بغيرها، كما ان الأسباب تختلف من دولة الى اخرى، وما قد يكون سببا في دولة ما لا يكون ذاته في دولة أخرى، كما ان المطالب ايضا تختلف من شعب الى آخر ولكن كل الشعوب تتفق على مبادئ واحدة ألا وهي:
- ـ المشاركة السياسية.
- ـ انتخابات حرة ونزيهة.
- ـ حرية التعبير والرأي.
- ـ العدالة الاجتماعية.
- ـ مكافحة الفساد.
- ـ توزيع الثروات وتحسين المستوى المعيشي.
تلك الأمور تؤدي بلاشك الى استقرار او عدم استقرار الدول والتي ترتبط أساسا بالسياسة الحكومية، من هنا نستطيع القول ان الكويت بما حباها الله من نعم كثيرة تختلف عن الدول الأخرى وغيرها من الأنظمة السياسية تتمثل بوجود عقد دستوري ارتضاه الحاكم والمحكوم دون اكراه، ينظم العلاقة بينهما ويرتب نظام الحكوم ويحدد المساءلة، بل ويتعداه الى المساءلة السياسية عن اي قصور او تجاوز يراه اعضاء السلطة التشريعية تجاه أعضاء السلطة التنفيذية، وما يتمتع به المجتمع الكويتي من سقف عال من الحرية في إبداء الرأي والنقد وبانتخابات برلمانية نزيهة تحت اشراف قضائي تام ومستوى اقتصادي معيشي مرتفع الى درجة تسميته «بمجتمع الرفاهية»، كل تلك المميزات التي تطالب بها الشعوب الأخرى وقامت على اثرها الاحتجاجات والثورات الشعبية موجودة لدينا منذ زمن بعيد.
والتساؤل الذي يطرح نفسه: لماذا لا ننعم بالاستقرار السياسي؟ ولماذا يعيش المجتمع الكويتي بجميع فئاته في جو مشحون من التوتر والتشنج السياسي؟
ان الاجابة عن ذلك التساؤل بكل بساطة هي العلاقة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، وبنظرة فاحصة نجد ان غالبية الأمور على الساحة المحلية التي يطالب بها اعضاء السلطة التشريعية ليست بذلك التعقيد والمطالب التعجيزية بل ان غالبيتها ان لم يكن جميعها يمكن معالجتها في اطارها القانوني والدستوري دون اي تشنج وتضخيم اعلامي ان حسنت النوايا.
تلك الأمور تتمثل في مجملها بـ «الأداء الحكومي» وعلاقة السلطة التنفيذية مع السلطة التشريعية، ونظرة أعضاء السلطة التشريعية تجاه ذلك الأداء واتهامه بالقصور والضعف وأهمها التجاوز على الدستور حيث يؤخذ على الجانب الحكومي تصعيد المواقف مع أعضاء مجلس الأمة، ومن جهة أخرى ومن الطبيعي الا يقف أعضاء مجلس الأمة موقف المتفرج أمام ذلك التصعيد فهذا يؤدي بلاشك الى عقد الندوات الجماهيرية واتهام كل طرف للآخر بعدم التعاون.
وحفاظا على أمن واستقرار مجتمعنا الكويتي المترابط ومما ارتضيناه من عقد رابط بين الحاكم والمحكوم من أي رياح قد تعصف ببنيان المجتمع فإن الأمر يتطلب الوقوف وقفة صادقة من الجانب الحكومي على سبيل المثال لا الحصر من القضايا التالية:
أولاً: العلاقة مع مجلس الأمة:
- ـ السرعة في الإجابة عن أسئلة السادة النواب.
- ـ أخذ الملاحظات النيابية مأخذ الجد وعدم التهاون فيها.
- ـ الالتزام بأحكام وروح الدستور ولوائح مجلس الأمة.
- ـ الحيادية التامة في انتخابات لجان المجلس وحتى رئاسة المجلس مستقبلا.
ـ التحقيق فيما يطرح من تساؤلات نيابية في قضايا الفساد واتخاذ الاجراءات العاجلة بشأنها وعدم تعطيل جلسات مجلس الأمة او اللجوء الى المحكمة الدستورية في كل صغيرة وكبيرة الا لأمر جاد وفي أضيق الحدود.
ثانياً: الأداء الحكومي:
- ـ العمل الجاد في مكافحة الفساد المالي والإداري في الأجهزة الحكومية وبصورة فعالة وليست سطحية.
- ـ العمل على حل الملفات الشائكة المتعلقة بقضايا التجنيس والبدون.
- ـ وقف الترضيات السياسية والفئوية والقبلية.
- ـ كفالة الحرية الاعلامية والمدونات على جميع صورها وعدم تقديم مشاريع تضيّق عليها.
ثالثا: العدالة الاجتماعية:
- ـ تحقيق العدالة في توزيع الموارد المالية المتعلقة بالكوادر دون تفضيل فئة على أخرى.
- ـ تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص في التعيين بالوظائف العامة والعسكرية.
- ـ اعتماد مبدأ الكفاءة والتميز والابداع في الوظائف القيادية.
- ـ تحقيق مستوى معيشي للمتقاعدين والأرامل بالنظر الى مرتباتهم لمواجهة التضخم والأعباء المعيشية نتيجة اقرار الكوادر المالية على اختلاف أنواعها بصورة كبيرة.
- ـ الابتعاد عن الواسطة والمحسوبية والمحاباة في التعيين.
من هنا يجب ان نعترف، والاعتراف بالخطأ فضيلة وليس عيبا ان نقول ان هناك قصورا في الأداء الحكومي على مختلف المستويات وفي معظم المؤسسات الحكومية والهيئات المستقلة وان نعتذر اعتذار القوي وليس الضعيف عن اي موقف يستوجب الاعتذار وان حماية المجتمع وأمنه واستقراره تتطلب الاسراع في العلاج للتغلب على كل ما يثار من قضايا ولا نتركها تكبر وتتضخم ويصعب علاجها لاحقا.
بحق الكويت أدعو الاخوة اعضاء السلطة التشريعية على اختلاف كتلهم وانتماءاتهم الى النظر بعين الاعتبار الى أمن الكويت في هذه المرحلة الحساسة من وطننا العربي. ومن أجل شعب الكويت أدعو أعضاء السلطة التنفيذية الى التعاون الجاد والصادق مع السلطة التشريعية ونزع فتيل اي قضية محل جدل واختلاف والارتقاء وتطوير الأداء الحكومي اليوم وليس غدا، فعلا لا قولا. وحفاظا على أمن الكويت فإن الدعوة لعقد مؤتمر وطني تعتبر أمرا حتميا في ظل الظروف الراهنة يقوم على نية صادقة في الحوار والتغيير في الأداء والتعاون الصادق يلتئم فيه اعضاء مجلس الأمة والسلطة التنفيذية وجمعيات النفع العام والمجتمع المدني لطرح ما يجول في النفس والاستماع الى المطالبات الصادقة البعيدة عن المصالح الشخصية او المطالب الفئوية للارتقاء بالأداء الحكومي بعيدا عن المهاترات التي تؤثر على استقرار البلد وأمنه والذي أحوج ما نكون اليه في وقتنا الحاضر وحتى نكون بإذن الله بمنأى عن اي تصدعات داخل نسيج مجتمعنا الآن. هذا المؤتمر والذي آمل ان يكون بدعوة كريمة من حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى وتشريفه بافتتاح وحضور هذا المؤتمر الوطني على غرار مؤتمر جدة الشعبي الذي جدد العقد بين الحاكم والمحكوم. أقول وكلي أمل أن يكون الاحتكام الى العقل والمنطق في اطار القانون والدستور والنقاش الجاد حفاظا على مستقبل أبنائنا وأمن واستقرار مجتمعنا.