اجتهد الزعماء العرب منذ منتصف القرن الماضي في إيجاد السبل الكفيلة بتأسيس كيان سياسي يجمع الدول العربية المستقلة لتوحيد سياساتها ومواجهة المخاطر، وفي هذا الإطار أنشئت جامعة الدول العربية، وبعدها اعتمد الزعماء في عام 1950 انشاء مجلس الدفاع العسكري والاقتصادي المشترك في أعقاب هزيمة 1948، ومع مرور السنين اتسعت جامعة الدول العربية بانضمام الدول العربية بعد نيل استقلالها الواحدة تلو الأخرى، هذا المجلس العسكري اتخذ من القاهرة مقرا له، وقد فعلت اتفاقية الدفاع العربي المشترك في الحروب العربية الإسرائيلية عامي يونيو 1967 وأكتوبر 1973، وكذلك إنشاء قوة الردع العربية من القوات السورية لتكون قوة فصل بين الفئات المتحاربة في لبنان أواخر سبعينيات القرن الماضي والتي فشلت فشلا ذريعا في تحقيق الهدف من إرسالها حتى أصبحت قوة احتلال، وليست قوة عربية تحمي مكونات الشعب اللبناني، بل انغمست في الصراع اللبناني، وفي احلك الظروف وأمرّها وأسوأها على الإطلاق ما شهده العالم العربي من اعتداء الأخ على أخيه المتمثل في الغزو العراقي الغاشم على دولتنا الحبيبة (الكويت)، التي يجب الدفاع عنها دون تردد، امتنعت العديد من الدول العربية عن تفعيل معاهدة الدفاع لمواجهة المغتصب بل وقفت مع المعتدي مقابل دول كثيرة صديقة أجنبية وقفت مع الحق الكويتي.
وللأسف لم يكن التعاون العسكري لدرء الأخطار عن الدول العربية فاعلا، فيما تعانيه العديد من الدول العربية من صراعات لسبب رئيسي وهو اختلاف سياسات وتوجهات قادة الدول العربية تجاه القضايا والنزاعات فيما بين الدول العربية والتكتلات الإقليمية، والآن يتم ترويج فكرة إحياء التعاون العربي العسكري المشترك وتشكيل قوة عسكرية تكون نواة للتدخل في اي دولة عربية تواجه خطرا والعالم العربي في اسوأ حالاته.
وقد كان تصريح الامين العام للجامعة العربية مؤخرا يحمل في ثناياه مواجهة الارهاب.. كأساس لإحياء العمل العسكري العربي المشترك. وأيضا لنا وقفة اولا الى الآن لم يتم وضع او الاتفاق على التعريف الواضح للارهاب، وهل تحرير الارض ومواجهة الغازي ارهاب عند استخدام حق المقاومة المسلحة؟ وأيضا سياسات الدول تختلف فيما تراه من مسائل امنية، وكذلك الشعوب، ومن حقها الا نتدخل في شؤونها، فمن يرى حركة حماس ارهابية، ومن يراها تقاتل من اجل استعادة الوطن المغتصب وهي في رباط امام العدو الاسرائيلي المحتل، وهل الاختلاف السياسي مع اي دولة او منطمة يمكن ادراجه في خانة الارهاب؟ نعم نحن مع احياء الدفاع العربي المشترك ولكن وفق اسس واضحة لا تهدف للتدخل في الشؤون الداخلية للدول او فرض رأي عليها، وكما اشرت فمن الاهميه بمكان قبل استخدام الارهاب لترويج الدفاع العربي المشترك وتفعيله لابد من تعريف شامل جامع لا لبس فيه لكلمة الارهاب، حينئذ تكون الارضية واضحة في التعامل مع اي كيان ارهابي... ثم تساؤل آخر عندما تحدث اي اضطرابات سياسية في بلد ما، هل بمكن اعتبار ذلك ارهابا؟ نعم قد يفسر البعض ذلك ارهابا، والبعض الآخر حرية الشعوب.
ومن مراجعة الاوضاع على الساحة العربية من الصومال الى ليبيا والسودان، الى العراق وسورية ولبنان، والى اليمن كل ما يحدث فيها نتيجة لصراعات داخلية وولاءات اججتها اجندات خارجية بأيدٍ عربية وأجنبية، وانقسمت شعوبها الى طواف وشيع، حتى اضحت حوادث القتل تقوم على الهوية والعقيدة والتطهير العرقي.
فمع اي الفريقين ستقف الدول العربية أمام تلك النزاعات الداخلية؟ والتي لا يمكن حلها إلا بالحلول السياسية القائمة على التوافق السياسي ودون التدخل الخارجي، لان ذلك يؤدي الى المزيد من الفرقة، ونشوء منظمات اكثر راديكالية وتطرفا، فهل نعي ما يحدث في عالمنا العربي؟
واذا كان لابد من العمل العسكري المشترك تفعيلا للمعاهدة العربية، ففي المرتبة الأولى يأتي تأمين الحدود القريبة من منطقة ودول الصراع لمواجهة من تسول له نفسه التعدي على الحدود الآمنة للدول العربية المستقرة داخليا امنيا واجتماعيا، والعمل على الردع السريع في هذا الإطار، وإلا فإننا بغير تحديد ذلك المفهوم سنجد انفسنا في دائرة الصراعات والتورط في نزاعات نحن في غنى عنها، وهل سيتفق القادة العرب مثلا على اعتبار حماس منظمة إرهابية؟ أشك في ذلك.
انقسامات مجتمعية غير مسبوقة في ظل انقسام عربي وتوتر في العلاقات بين الدول العربية سيفضي بلا شك إلى الاختلاف في تشكيل القوة العربية، وبالتبعية تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك، والتي ستقتصر على مواجهة الإرهاب، مما يعني إحلال الاتفاقيات الثنائية للتعاون الأمني والعسكري بين بعض الدول العربية، وهذا هو المتوقع من واقع الوضع العربي الراهن، واختلاف السياسات لكل دولة عربية حيال القضايا الساخنة، ولكنها تتفق جميعا على مواجهة داعش (خفافيش الإرهاب).
[email protected]