بعيدا عن تفاصيل التكوينات التنظيمية وأيديولوجية ورؤى وأفكار وطموح المعارضة السورية، ودون الخوض في تفاصيل الوضع السوري حاليا، فإن ما يميز الأزمة السورية هو ردود الفعل الأميركية وإدارة أوباما إزاء ما يحدث في سورية. فالولايات المتحدة الأميركية تعي جيدا أن سورية تمتلك بعدا جغرافيا مهما، فحدودها تتصل مع إسرائيل وتركيا والعراق ولبنان، كما أن سورية لديها تحالفات قوية مع إيران، لذا فإن التردد الأميركي تجاه ما يحدث في سورية ربما يكون في محله، فالتسرع في دعم إسقاط النظام السوري بقيادة بشار الأسد ـ سواء بشكل عملي أو معنوي ـ ربما تكون نتائجه كارثية لسياسة أميركا في الشرق الأوسط.
هناك ردود أفعال متباينة في أميركا إزاء ما يحدث في سورية، فهناك من يراهن على قدرة نظام بشار الأسد على بدء الإصلاحات السياسية والاقتصادية في سورية امتصاص غضب المعارضين هناك، وبالتالي فعملية التريث الأميركية جراء ما يحدث في سورية قد يحميها من نتائج ضبابية من سيخلف نظام بشار الأسد، وكيفية إدارتها وتأثيرها على الوضع المتوتر والقائم في الشرق الأوسط، وبالتالي فإن التسرع في حسم الأمر حول الأزمة السورية أمر غير محمود، لاسيما على مسار النزاع الاسرائيلي ـ العربي.
وعلى السياق نفسه، هناك أيضا من ينتقد سياسة أوباما تجاه الأزمة السورية، حيث يتصاعد العنف ويرتفع عدد الضحايا يوما بعد آخر ولا تحرك أميركا ساكنا مثلما فعلت مع تونس ومصر واليمن معنويا، ومع ليبيا عمليا حين أقامت الحظر الجوي على ليبيا وأرسلت الطائرات الحربية الأميركية لقصف نظام القذافي، فتصريحات أوباما «الخجولة» حول الأزمة السورية – حسب وجهة نظر هؤلاء – سببها خوف وتردد أميركي واضح للابتعاد عن خلق أزمات جديدة حيث يجدر بالشرق الأوسط أن يصل الى مرحلة استقرار سياسي تستطيع من خلاله أميركا أن تعزز من مصالحها في المنطقة.
إن الملفات التي تواجهها الولايات المتحدة الأميركية، تعتبر ملفات معقدة وخسائرها كبيرة حتى الآن، فأميركا مازالت تحارب في أفغانستان، وعلى الرغم من أنها بدأت بالانسحاب من العراق لكنها تخاف النفوذ الإيراني في المنطقة، إذ لايزال الملف الايراني هو أصعب الملفات وأكثرها تعقيدا لإدارة اوباما، ناهيك عن العمليات العسكرية التي تشنها على نظام القذافي، وملف الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، وأخيرا ملف نظام القاعدة الذي أعتقد أنه سيشغل أميركا هذه الفترة كثيرا خصوصا بعد إعلان مقتل أسامة بن لادن زعيم القاعدة والتنبؤات شبه المؤكدة حول عمليات انتقامية قاعدية تجاه مصالح أميركية.
لا أظن أن أوباما بحاجة لتوسيع حجم تلك الملفات الساخنة بملف معقد وشائك كالملف السوري. ان سورية ووزنها وقيمتها الإقليمية هي التي أجبرت أوباما على ذلك التردد الواضح والصريح تجاه الأزمة السورية، فبالرغم من أن سورية كانت ومازالت خصما للولايات المتحدة الأميركية، لكن رد الفعل الأميركي اكتفى بالإدانة وبفرض عقوبات اقتصادية اضافية على سورية وهو ما سبب معضلة حقيقية لأوباما محليا ودوليا.
[email protected]