بعد أن شهد العالم أحداث ما يسمى بالربيع العربي وبعد خروج حركات العنف كداعش وغيرها تبين لنا بوضوح الأثر المدمر لسنوات من السكوت على التطرف والتخلف، ولقد أدى ذلك إلى ضياع الأفراد في عالم مضطرب غابت عنه القيم الحقيقية والقضايا الواقعية وتسبب في مفارقات متضخمة تهدد مجتمعاتنا في وجودها الحضاري العالمي ومن تلك المفارقات ما يلي:
1- مع بدايات القرن الماضي قامت حملة ثقافية اختزلت طريق خلاصنا من التخلف في ضرورة التشبه بحضارة الغرب وركزت دعوتها على الالتزام بالشكليات والماديات وتجاهلت التطور الثقافي والفلسفي الذي قامت عليه الحضارة الغربية، بل لقد نبذ هؤلاء التأسيس التجريبي الذي ساهم في التقدم الصناعي الهائل في الغرب وتم تجاهل دراسة فلسفة التقدم التي كانت وراء خلق الواقع المفارق عالميا، ولذلك زاد التخلف وفشل الشرق العربي في صناعة النهضة وهو موجود ومستمر بل يزداد يوما بعد يوم وعلاج هذا الفشل هو دراسة التراكم المعرفي والنهوض بالتعليم وإكمال المسيرة العلمية بجدارة واقتدار.
2- ما زالت مجتمعاتنا تعيش حالة ماضوية قاتمة في الفكر والمنهجية والممارسة وما زلنا نسمع من يردد أنه لن يصلح أمر آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها دون أن يفهم حقيقة معناها وهنا تكمن المشكلة، فإن الدعوة إلى تقليد الماضي هي السبب في تهميش العلم وجعلته شأنا ثانويا في حياتنا، ولقد ساهم كل ذلك في تحويل حضارتنا الى نسخ مكررة عتيقة وحفنة كلمات جوفاء وابتعدنا عن العصر الحديث بل إننا ما زلنا نتجاهل دور العلم بكافة مجالاته في خلق دولة الرفاه والتطور والازدهار ونغمض عيوننا عن الحقائق.
إننا مطالبون بالعمل على الإسهام واقعيا بتطوير الحياة في العالم وتنوير العقول لخلق بيئة عادلة متميزة تقوم على الارتقاء بالإنسان ولا يكون ذلك إلا عبر تطوير العلوم وترسيخ وظيفتها الإنسانية القيمية.
إن الصورة الحقيقية للإنسان في عالمنا قبيحة جدا فهو متكبر بلا حدود ويتلاعب بوعي الشعوب ويدير القيم حيثما دارت مصالحه الخاصة وهو يقتات على آمال المجتمع فإذا ما تعرضت مصالحه للخطر فإنه سيلقي كل شيء وراء ظهره فالحذر الحذر من هؤلاء.
إننا نحتاج الى الجهر بالوعي وعدم الانشغال بما يريده منا سراق الوعي العام الذين يسعون بكل ما يملكون من أكاذيب لتثبيط هممنا عن حمل مشاعل الأمل والاندفاع بشغف نحو المستقبل الواعد، يجب علينا أن نحتضن الأمل ونعمل من اجل الغد ولا نمزق قلوبنا بالأهواء والأحقاد.