عادت الشهية للأسهم. هذا ما تقوله المؤشرات، وهذا ما نسمعه من المحيطين بنا الذين بدأوا يسألون عن السهم الأفضل لشرائه. لا خوف كبيرا الآن، فمعظم الشركات بميزانيات نظيفة أو منظفة، وأرباحها تكشف ذلك، لذا فالأفضل البحث عن الشركات الرابحة، والتي يمكنها أن تسدد ديونها، وتلك التي يديرها مديرون أكفاء ويعرفون أين يأخذون شركتهم. هناك بعض الشركات التي تراوح مكانها منذ الأزمة المالية، وهذه يفترض الابتعاد عنها.
الأهم من كل ذلك هو طبيعة المستثمر نفسه، شاري السهم. في السابق، عندما حصلت الأزمة، كان الطمع يعمي البصيرة، وهذا فتح مجالا كبيرا للخسارة. فاستراتيجية الشاري تحدد كل شيء: ما هو الربح المقنع لي، وأي خسارة مقبولة لي، وما هي حدود مخاطرتي؟ فمثلا، اذا أردت الدخول بـ 5 آلاف دينار على سهم واحد أو محفظة اسهم، وتريد عائدا بـ 10% على مدار 6 اشهر، إذن فهذه هي الخطة وعليك الالتزام بها، أي طمع اكثر من ذلك، فأنت تضع نفسك أمام مخاطرة كبيرة، واحتمال الخسارة اكبر. لماذا؟
لأن الواقع في السوق يعلم دائما أن اللاعبين الكبار، مضاربين كانوا أو متحكمين بالسهم، هم أذكى من اللاعب الصغير، الفرد أو الذي يعتمد على حاسة السمع، او الذي ينصت لـ «حاسة» الديوانية في انتقاء الأسهم وشرائها. فهؤلاء المتحكمون - المضاربون الكبار لديهم صورة اكثر وضوحا لمن يتحرك على السهم وبأي أسعار يشتري، وبحكم خبرتهم يعرفون أن الطمع يغلب على الخطة المرسومة مسبقا، وهم جربوا كثيرا الناس في الماضي، ويدركون جيدا أن كل الخطط ترمى في البحر عندما يرتفع العائد فوق 10% وصولا إلى 20% وأكثر.
فعندما ترتفع العوائد كثيرا، يبدأ شاري السهم، الفرد الصغير، يقتنع بانه كان على صواب عند شراء هذا السهم، أو صديق الديوانية كان على حق. وأحيانا كثيرة يصدق نفسه انه «فاهم» في الأسهم و«السهم رايح كذا وكذا»، وتشعر أحيانا بانه «وارن بافيت النسخة الكويتية»، ومن المؤكد أنكم تعرفون كثيرا أشخاصا يشبهونه، وصورتهم الآن في ذهنكم.
لذا، فإن مرحلة رمي الخطة المرسومة مسبقا، هي اللحظة التي تفلت فيها حسبتك للمخاطرة، ولن تصل إلى ربح الكثير في النهاية كما كنت تعتقد، لأن المضاربين الكبار سيلهونك في اعتقادك ان السهم سيرتفع اكثر، وعندما يهوي سيقولون لك «انه تصحيح طبيعي»، وفي لحظة التصحيح ستسمع أخبارا أو شائعات كثيرة تشجعك على البقاء (صفقة، مشروع ضخم، توسع، الخ..).
فهذه لعبة المضاربين الكبار الذين يعرفون اكثر منك اتجاهات السهم، أو هم يتحكمون باتجاهاته، خصوصا اذا كانت إدارة الشركة أو ملاكها متجاهلين لعب هؤلاء في البورصة، أو حتى نسقوا معهم بشكل أو بآخر، وأحيانا كثيرة يكون الملاك مع المضاربين في اللعبة نفسها، فينشرون الأخبار عبر النشرات الرسمية في الصحف ووسائل الإعلام في وقت التصحيح، لمساعدة المضاربين (شركائهم) على دفع الزخم وإبقاء شاري السهم الصغير في دوامة لا يعرف الخروج منها.
لا يعني ذلك أعلاه أبدا انك لا تستفيد من فرص الأسهم، وهي كثيرة، وبعوائد جيدة، على الأقل اعلى من العوائد التقليدية الآن، فإذا كان لديك بعض المال غير المستخدم في البنوك، يمكنك تحقيق عائد جيد عليه في الأشهر الستة أو السنة المقبلة. لكن تذكر دائما أن تقبل الخسارة وان تضعها في حسبانك. الخبر الجيد الآن ان الخسارة ستكون قليلة أو محمولة لأن من تبقى من الشركات، هي فعلا تلك التي استطاعت المقاومة 10 سنوات بعد الأزمة، لذا أسعارها لن تهوي بالصورة التي حصلت في الأزمة. ويبقى لحظك دور أيضا، وأنت تعرف حظك جيدا!
boumeree@
[email protected]