منذ أيام حصل لي موقف من إحدى الأخوات اللاتي حضرن معي إحدى الدورات، وبقدر ما كان ذلك الموقف تافها لدرجة أنك تفكر لماذا حصل أصلا، بقدر ما ينبه إلى شريحة موجودة في المجتمع، مهما ارتقت بعلمها، يظل فكرها متحجرا لا يتزحزح من مكانه.
كانت مدة الدورة 5 أيام، وأنا من طبيعتي أحضر قبل الموعد بربع ساعة أو أكثر أحيانا، وذلك تفاديا لزحمة الشوارع، ومنذ اليوم الأول أخذنا وضعنا ومكاننا المناسب، وكنت مع مجموعة من أربع نساء في طاولة واحدة بمقدمة القاعة، وفي اليوم الثاني بعد أول «بريك» للصلاة، عدت إلى الطاولة ووجدت إحدى الحاضرات تجلس مكاني، رغم وجود كرسي آخر، وبعد أن أبلغتها بأنها أخذت مكاني، قالت لي «هم اللي حطوني اهنيه» وتقصد المشرفات على الدورة، ورغم أنها جلست أمام أوراقي وأقلامي، إلا انني تعوذت من ابليس وجلست بجانبها ومر ذلك اليوم على خير وكأن شيئا لم يكن، وفي اليوم التالي جئت كالعادة مبكرا، ووضعت ملفي في مكاني المعتاد، وذهبت لأكلم الأستاذة عن بعض ما كتبنا خلال الدورة السابقة، وإذا بالأخت تأتي وتجلس في مكاني متجاهلة أيضا وجود ملفي وشنطتي وحتى كأس الماء الذي صببته قبل أن أتحرك بدقيقتين، ورغم أن صديقتي التي تحاذيها أبلغتها بأنه مكاني، مع وجود كرسيين خاليين، إلا انها رفضت إلا أن تجلس في هذا المكان، فاتجهت إليها وطلبت منها بكل احترام أن تقوم فرفضت، وأصرت على الجلوس، وهنا قلت لها «أمس سمحت لك بما فعلت، واليوم تكررين نفس الحركة» وهنا أبدت امتعاضها وأدارت وجهها نحو المشرفات، قائلة: يعني وين أروح؟ مو انتو اللي حطيتوني اهنيه؟.. وكأن الكرسي الإضافي لم يوضع لأجلها منذ البارحة.
وهنا حملت ملفها وشنطتها متذمرة، وذهبت لطاولة أخرى، وكأنني أنا من اعتدى على مكانها في البداية تضايقت لأنني لا أحب أن أدخل في منازعات مع الآخرين، اعتمادا على تصوري أن «الصح صح»، و«الخطأ خطأ»، وأن الأمور الواضحة لا تتطلب منا أن نتجاوزها، أو أن ندخل في نزاع معها، وقلت في نفسي: سبحان الله.. بعض الناس، لو أبعدت كرسيه عنك لصرخ في وجهك، ولو احتل هو مكانك مع علمه بأنه هو الذي تجاوز حدوده، لكنت أنت المخطئ الذي أزعجه وضايقه.. وعليك أن تبحث عن مكان آخر، لأن الأسياد لا يمكنهم أن يتخلوا عما وضعوا أيديهم عليه.
هذه المرأة ليست إلا مثالا لفئة موجودة في المجتمع، هي نفسها التي تتجاوز الطوابير الطويلة لتصف أمامك، في مستشفى أو وزارة أو سوق أو في شارع، دونما أي إحساس بالخجل أو أدنى احترام للموجودين أمامه، والذين قد أتوا قبله بوقت طويل، ولهم أيضا احتياجاتهم الخاصة ومعاملاتهم التي يودون الانتهاء منها، للعودة لبيوتهم وأشغالهم.
هذه الفئة لا تستحق حتى التعاطف معها، لأنها بكل برود قد ألغتك من دائرة الإحساس، فهي فقط من تحس وتشعر وتتذمر.
في النهاية أبعث شكري الخاص لتلك المرأة التي علمتني أن أتجاوز مرحلة التسامح الغبية التي تربيت عليها من قبل، فكم كنت أحتاج لهذا الموقف كي أثبت ذلك لنفسي، مع العلم أنني لا أحمل أي ضغينة تجاهها، لأن الموضوع لا يستحق ذلك أبدا، فقد جمعتنا الدورة، وكانت فترة لأيام ومرت، و«كلن راح بطريجه».
[email protected]