باسل الجاسر
نواصل حديث الأمس عن بطل الكارتون خالد مشعل الذي هدد إسرائيل بالويل والثبور، إلا انه أفصح عن أوراقه التي يملكها في هذه المواجهة وهي الجندي جلعاد شاليط والتهدئة، إذن هذه أوراقه، أما الجندي شاليط الذي جر على الشعب الفلسطيني الويلات منذ اختطفته أو أسرته حماس قبل سنتين دفع الشعب الفلسطيني على أثرها آلاف الشهداء وآلاف الأسرى والآلاف المؤلفة من الجرحى والمعذبين تحت وطأة الفقر والجوع والحرمان، ومنذ شهور والمفاوضات تتوقف وتتواصل وتتوقف بمساعدة مصر للإفراج عنه مقابل ست أو سبعمائة أسير فلسطيني جمعت إسرائيل خلال هذه الفترة آلاف الأسرى الفلسطينيين! والآن يريدون الإفراج عن سبعمائة، أو قل ألف أسير فلسطيني غالبيتهم العظمى تريدهم حماس من الحماساويين، إذن ما الجدوى من أسره من الاساس!
هذه الورقة الأولى أما الورقة الثانية فهي التهدئة، ولا أدري إن كان يعني ما يقوله أم أنه خارج وعيه وإدراكه ذلك أن إسرائيل بالفعل كانت في مرحلة من المراحل تبحث عن صيغة للتهدئة قبل بناء الجدار الأمني الذي ضربت به إسرائيل عصفورين بحجر واحد بفضل عبث حماس، أما الأول فهو ترسيم الحدود، الأمر الواقع الذي تجاهد إسرائيل الآن لمد أجل المفاوضات لأطول فترة ممكنة لتبلغ سنوات لتصبح حدود الأمر الواقع كما هو حال المستوطنات التي باتت تؤرق المفاوض الفلسطيني، وكلما طال الزمن كان في صالح إسرائيل، وهذا ما تخدمهم فيه حماس بامتياز. هذا العصفور الأول، أما الثاني فقد كان باستفادة إسرائيل من هذا الجدار وما حققه لها من أمان واستقرار اقتصادي جراء إلغاء خطر عمليات حماس والآخرين الإرهابية التي انقطعت تماما منذ بناء ذلك الجدار كل هذا ما كان سيتحقق لولا خدمات حماس الجليلة للكيان الصهيوني ومع ذلك رأينا البطل مشعل يهدد بأنه لا تهدئة ولا أمن للقتلة! يا سلام سلم. يا مسكين يا قليل البصر والبصيرة، إن من يشجع على إطلاق صواريخ القسام هي إسرائيل فهذه الصواريخ عديمة جدوى، فهي ضعيفة التوجيه لإصابة الهدف وإن أصابته فإن تأثيرها محدود للغاية، إلا أن من يضخم تأثيرها هي إسرائيل واعلامها التي تدرك بأن النصر بالمعركة ليس لمن يستطيع سحق الآخر، بل من يستطيع إقناع الرأي العام الدولي بأن ما يفعله يأتي ضمن الحق الشرعي بالدفاع عن النفس وهذه المعركة لو استوعبها العرب منذ 1948 لكانوا كفوا أنفسهم وشعوبهم الحروب والدماء الغزيرة التي أهدرت دون طائل، ولكانت إسرائيل لا يتجاوز حجمها راحة يدي إلآ أن العرب وبطولاتهم الكارتونية أبت إلا أن يقولوا ويل للذي يعادينا يا ويله ويل..!
فخسروا المعركة تلو المعركة وتوسعت إسرائيل بعد كل معركة، وخلالها كان يجري مهرجان من الكلام الذي يخدم إسرائيل من شاكلة سنقذف بهم في البحر وسنمحوهم عن بكرة أبيهم. وخذ من البلاغات الخطابية العربية التي وردت بالجاهلية ما له أول لكن لا آخر له.. وإسرائيل تصطاد وتكبر وتعرض وتصور كل ما تفعل من جرائم على أنها تدافع عن نفسها ووجودها إزاء شعوب وحشية تريد أن تذبح الشعب الإسرائيلي الوديع المسالم الذي يكره التوسع أو الاستيلاء على أراضي وحقوق الآخرين وكان لها ما أرادت وحققت ما تريد وما كانت لتحقق نصفه لولا البطولات الكرتونية والغباء السياسي وعدم معرفة أبجديات السياسة كالتي يمارسها اليوم مشعل وحماس..! فالعرب وبعد الهزيمة سنة 67 أي بعد حرب هم أشعلوا فتيلها بطلبهم مغادرة القوات الأممية وهزموا شر هزيمة خسروا على أثرها القدس والضفة الغربية وغزة وما كان يربطهما وسيناء والجولان وأجزاء من الأردن. هذا بالإضافة للدماء والعتاد إلا أنهم وبقدرة القادر في قمة السودان كانوا منتصرين.. المجتمع الدولي يدعوهم لوقف الحرب التي وقفت فعلا بالهزيمة ويتعهد برجوع القوات الإسرائيلية لما قبل الحرب أي تحرر القدس وكل الأراضي التي احتلت 67 توافق اسرائيل وأعلم علم اليقين أن موافقتها مبنية على رهان ناجح وهو رفض العرب، وفعلا يأتي سريعا العرب برفضهم ويعلنون حرب الاستنزاف التي انتهت إلى لا شيء لا لا بل بتكريس الاحتلال وبناء المستوطنات والتهويد وكل المآسي..؟!
فهل بعد كل هذه المآسي والخسائر نسمح لأبطال الكارتون بالظهور وخطف ما يمكن أخذه من إسرائيل ليتمتع به الشعب الفلسطيني المظلوم الذي دفع ثمن هذه البطولات الكارتونية غاليا قتلا وتشريدا وفقرا.. هل تسمح لبطولات مشعل الكارتونية ان تسفك الدماء وتضيع الفرص وتمكين الكيان الصهيوني لخدمة أهدفه الاستراتيجية من جديد وفي الالفية الثالثة؟!
الغريب في الأمر هو هذا السكوت من قبل الحكومات والسياسيين العرب الذين يدركون كل الإدراك ما قلته وما يزيد عليه ولكنهم يؤثرون السكوت خوفا من الشارع العربي الذي أكثره متخلف ومضلل ولا يدري أين هي المصلحة متخذين من المرحوم بورقيبة العبرة عندما تم تخوينه نتفاوض على حدود تقسيم 47!
ومنذ ذلك اليوم والساحات العربية مسرح مفتوح لكل أفاق أثيم يدغدغ المشاعر بمزايدات كلامية ويتجاوب معه الشارع ومنهم المقبور صدام حسين عندما ضغط بالكويت وجه حديثه ناحية فلسطين التي لم تكن تمثل الا ورقة يلعب بها متى تطلب المغامر ذلك!
ولكن يبقى السؤال الذي يحتاج بإلحاح إلى إجابة وهو هل سيكون خالد مشعل وحماس و«الاخوان المسلمون» هم آخر أبطال الكارتون الذين يلعبون بالقضية الفلسطينية أم ان الوقت مازال فيه متسع لنشاهد ابطال كرتون جددا يلعبون بها ويتحمل الشعب الفلسطيني المظلوم التبعات والعواقب؟ حقيقة لا اعرف الإجابة ولكن الأيام والسنين ستخبر عما هو آت.