باسل الجاسر
نحن قوم لا نتعلم والتجارب تمر علينا ونمر عليها دون أن نؤثر أو نتأثر بها، لذلك سنبقى ضعفاء متخلفين وجهلاء إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا..!
فإسرائيل التي دمرت لبنان وأرجعته عشرات السنين للوراء بعد حربها التي شنتها على حزب الله الصيف قبل الفائت وخسرت أثناءها بضع عشرات من القتلى وخسرت ما لا يزيد عن مائتين إلى ثلاثمائة جريح، وتضررت بضع عشرات من مبانيها في حرب استمرت لأكثر من أربعين يوما كانت هذه كل خسائرها فيها، وبالمقابل قتلت هي أكثر من ألف وبضع مئات من الشهداء اللبنانيين وجرحت بضعة آلاف من مدنين ومسلحين ودمرت المئات من المباني والجسور وهجرت آلاف العوائل وحققت أهم أهداف الحرب المتمثل بوقف صواريخ وهجمات حزب الله على المستوطنات المتاخمة للحدود اللبنانية، ومع ذلك قامت فيها الدنيا بسبب عدم تحقيق كل أهداف الحرب المعلنة المتمثلة في إطلاق سراح الجنديين اللذين أسرهما حزب الله... ولم تقعد عندهم الدنيا حتى باستقالة رئيس أركان الجيش ووزير الدفاع ولم تقعد إلا بعد تشكيل لجنة تحقيق أجبر رئيس الوزراء على تشكيلها سميت لجنة فينوغراد لتتقصى الحقائق وتحدد على من تقع مسؤولية ما اعتبروه إخفاقا عسكريا وسياسيا، اعترفت به هذه اللجنة وأكدته بشكل واضح وصريح لا لبس فيه..؟! والغريب أن كل هذه الضجة الكبرى لم يتخللها أي اتهام بالعمالة أو الخيانة.
أما نحن وبمجرد أن وضعت الحرب أوزارها وقبل أن نحصي حتى خسائرنا البشرية والمادية وقبل أن نعيد بيوت المشردين والمهجرين لما كانت عليه قبل الحرب، فأخذنا نتبادل التهاني بالانتصار العظيم المتمثل في منع إسرائيل من تحقيق كل أهدافها وبصمودنا وعدم انحنائنا في مواجهة هذه الضربات الساحقة الماحقة وتجلد ضمائرنا وتجلمد قلوبنا وعدم مبالاتنا الرهيبة تجاه الخسائر البشرية والمادية الفادحة التي أصابت لبنان وطنا وشعبا والتي ما زادتنا إلا مزيدا من الكبرياء ومزيدا من الأنفة الزائفة... أما البحث عن الأسباب أو المسؤولية فهذا تشكيك في عظمة الانتصار ونيل من عظمة الذين حققوه، وسيكون سببا حتميا لإصدار حكم نهائي غير قابل للطعن بالاستئناف أو التميز بالخيانة أو على الأقل بالعمالة..!؟ وتتكرر الهزائم - عفوا - الانتصارات، كما حدث مثلا في أم المعارك التي انتصر فيها المقبور صدام حسين على تحالف 32 دولة قادته الولايات المتحدة الأميركية، ذاك الانتصار العظيم الذي جعل الطاغية المقبور صدام يحتفل بذكراه إلى ما قبل تحرير العراق من قبضته...!!
وكما هو حادث الآن في غزة الشعب يتضور جوعا وتتعالى أناته وحماس تتغنى بالانتصار وتطالب بالسيادة الكاملة وغزة وما فيها في قبضة الاحتلال وفي مرماه..!! وهكذا تزداد إسرائيل قوة ومنعة عندما تحاسب نفسها وقياداتها على أدنى خطأ يحدث من خلال لجنة مختصة تبحث بشكل علمي وتأخذ من الوقت ما يكفي لتحديد مواطن الخطأ والخلل لمنع الوقوع بهم بالمستقبل، بينما نزداد نحن العرب قوة خيالية وضعفا على ضعف بالحقيقة والواقع ونهنئ أنفسنا عليه بدل أن نبكي دما..؟! واللهم لا حول ولا قوة إلا بك سبحانك.